تلاحقت الأحداث مؤخرا (نيسان/ أبريل ٢٠١٥م)، وتصدرت عاصفة الحزم في اليمن المشهد عربيا ودوليا، وكانت العلامة الفارقة للقتال في العراق بمشاركة جيش محلي وميليشيا طائفية وتحالف دولي كما كانت من قبل، تؤكد أن سرعة الإنجازات كسرعة السلحفاة، ولا تنقطع خلالها مشاهد الإجرام الطائفي في عدد من المناطق، وفي الكويت انعقد ما يسمى مؤتمر المانحين الدولي الثالث لصالح الشعب السوري، وسط إعلان المسؤولين الدوليين عن عدم الحصول على عشرة في المائة من الاحتياجات المعلنة ولم يتم تسديد كثير من التعهدات من المؤتمر الثاني السابق في الكويت أيضا.
بتعبير أخر.. نجد أن قوى كبرى وصغرى، دولية وإقليمية، أجنبية وعربية، لم تحقق كثيرا من الأهداف التي حددتها لنفسها إلا جزئيا، وبالمقابل نجح الثوار في سورية، دون دعم يذكر، ورغم تنكر سياسي كبير وتعتيم إعلامي جزئي.. نجحوا في دحر قوى المستبدين والمحتلين، وكان من إنجازاتهم مؤخرا السيطرة على بصرى الشام في الجنوب، وعلى إدلب في الشمال، ثم معبر نصيب على الحدود الأردنية، ولم يتزحزح الثوار عن معظم مواقعهم الأخرى، حتى في المناطق المحاصرة كما في الغوطة الشرقية.
أمام هذا المشهد لا داعي للوقوف أمام ظهور دعائي سخيف من جانب أدعياء المقاومة والممانعة، ككلمة المدعو نصر الله وهو يهاجم "التدخل" في اليمن، وتصريحات خادمه الأسد وهو ينكر استخدام البراميل المتفجرة ويؤكد في الوقت نفسه حرصه على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
. . .
يمكن أن نضيف على العناوين الآنية من مجرى الأحداث أيضا عناوين أخرى، كالمفاوضات على النووي الإيراني مع المساومات السياسية خلف الكواليس، أو ما وصل إليه حصار إخواننا وأخواتنا في غزة بمشاركة الانقلابيين في مصر، وكذلك العجز حتى الآن عن كسر شوكة الثوار في ليبيا رغم جهود عربية ودولية لهذا الغرض.. أما لافتة "الإرهاب" و"الحرب على الإرهاب" فتبقى من قبيل "رتوش قبيحة" لا تغني ولا تسمن من جوع في توظيفها لتبرير إرهاب رسمي كبير.
لاحاجة لهذه الإضافات لندرك بمنظور المسار التاريخي للثورة الشعبية في سورية، أنها فتحت أبواب التغيير مهما بدا لنا الثمن باهظا ومؤلما، ومهما انتشرت المقولات السوداوية عن استحالة تحقيق أهداف الثورة خارج نطاق قرار "الكبار" من خارج صفوف ثوارها وشعبها.
إن الكبار هم الثوار.. وشعب الثوار الأحرار.
إن انتصارات الثوار في أكثر من موقع في سورية -أيها السوريون- تحققت دون دعم تحالفات إقليمية ودولية، بل رغم تحالف قوى الشر ما بين الضاحية وطهران وموسكو وهمجية ربيبهم القابع حتى الآن بانتظار مصيره المحتم.
وإن معاناة شعب سورية مع بلوغ الإحجام عن الدعم الضروري للمشردين والمحاصرين مبلغ المشاركة الهمجية في تحقيق أهداف البراميل المتفجرة، لم توصل إلى كسر إرادة هذا الشعب ولا إرادة ثواره، ولا التراجع عن أهداف الحرية والكرامة والعدالة وسائر الحقوق المعيشية الأصيلة.
. . .
هذا وذاك يضعنا أمام مسؤوليات جسيمة، لم يعد مقبولا تأخير العمل المضاعف للنهوض بها.
يجب العمل على أن يقترن تحرير كل مدينة أو قرية بالعمل على جعلها "نموذجا" معبرا عن القدرة الذاتية للشعب الثائر على تحقيق أهدافه رغم المحنة التي يعيشها.
لقد تحقق تحرير بصرى وإدلب ونصيب بوحدة الكلمة والصفوف، ولا ينبغي التأخر في بذل مزيد من الجهد لتوحيد الكلمة والصفوف..
وتحقق التحرير بحسن التخطيط وكفاءة الأداء، فلا ينبغي التأخر عن مزيد من التخطيط والتنسيق والحرص على الأداء المنظم المدروس دون ارتجال ودون تغليب التصورات الذاتية على المصالح الكبرى المشتركة ودون خوض معارك جانبية لا تبقي لأحد قوة ولا تذر..
على النقيض من ذلك يضع تحرك داعش في مخيم اليرموك الثوار في دمشق والغوطة أمام مسؤولية جسيمة، فقد ظهر هنا بشكل معاكس أن عدم توحيد الكلمة والصفوف على أسس سليمة، يجعل الثوار في موضع لا يُحسدون عليه، ويجعل أعداءهم قادرين على توظيف أحداث من قبيل ما شهده ويشهده المخيم لتأجيج مزيد من العداء، سواء من خلال مواصلة تشويه الوجه الثوري الشعبي بوجود أطراف إرهابية على الساحة، أو من خلال استخدام عدم وحدة الكلمة والصفوف ذريعة لتبرير حصار التجويع داخليا وحصار السلاح دوليا.
حيثما تقع نكسة من النكسات -كما في مخيم اليرموك- وجبت مراجعة الأسباب وسد الثغرات وأولاها ما يحدث من صدامات بين بعض القوى الثورية ثم التأخر عن خطوات توحيد الكلمة والصفوف على أسس قويمة دون هيمنة طرف على آخر.
وحيثما يتحقق التحرير كما في إدلب وبصرى الشام ونصيب وجب إعطاء الدليل على قدرة الثورة على حماية المدنيين من الانتقام الهمجي الاستبدادي والعدواني الإيراني.. وعلى تأمين الاحتياجات المعيشية للمدنيين على كل صعيد.. وعلى ترسيخ شبكة أمنية وقضائية مستقلة لا تخضع لتنظيم ولا تمتنع عن محاسبة الكبير والصغير.. وعلى تطبيق عملي مبكر لقاعدة توزيع المهام -وجميعها مهام تشرّف من يؤديها إذا اقترنت بالإخلاص والكفاءة- ما بين مقاتل يحرر ويدافع، وسياسي يطرح المطالب ويفاوض، وقاض يحقق ويحكم، ومدني ينظم ويشتغل، ومفكر يخطط ويحلل، وأستاذ يعلم ويربي، وعالم يجتهد ويوجه.. ذاك هو المشهد "المتكامل" الذي نحتاج إليه في هذه المرحلة.
إننا لانحمل مسؤولية تحقيق انتصار عسكري أو تأمين قوت يومي فحسب.. بل نحمل أيضا المسؤولية الأكبر أن نجعل من كل جزء من المشهد الذي نصنعه في مسار ثورتنا مشهدا معبرا عما سيتحقق بانتصار هذه الثورة التغييرية التاريخية.. بعون الله عز وجل.
نبيل شبيب