تحليل
يقول بعض من يعتبر نفسه وصيا على سورية وشعبها: إن المعارضة لا تقدم بديلا يصلح لحكم سورية.
ونقول ابتداء:
إن كلمة معارضة مصطلح سياسي يحدد جهة تعمل في دولة مستقرة دستوريا، ولا يصلح لثورة شعب سورية إقدام من يتحدثون باسمها أن يسمّوا أنفسهم معارضة بدلا من جناح سياسي للثورة؛ فنحن لا نشهد مجرد أزمة سياسية بين فريقين بل نشهد ثورة شعب ضد استبداد فاسد وضد كافة الأوضاع المرفوضة التي وجدت معه.
ونقول ابتداء أيضا:
تعاظم حجم الاستهتار بشعوبنا ورجالنا ونسائنا وتجمعاتنا ومفاوضينا وبأساتذة العلوم السياسية وعمالقة الفكر القانوني من نخبنا، ممن نتفق أو نختلف معهم، ومن نؤيد أو نعارض، بل بلغ الاستهتار الأرعن درجة تتجلى في مواقف لا تخويل لأي مسؤول أجنبي بطرحها، مثل القول بعدم وجود بديل شرعي من المعارضة لرئاسة البلاد مكان المستبد الأسدي فيها.
هم يريدون بديلا كالموجود في خدمة هيمنتهم الأجنبية، مهما فعل بشعب سورية استبدادا وإجراما، وقد يكون هذا صحيحا، فليس سهلا إيجاد من يقذف مدنا وقرى سورية آهلة بالبراميل المتفجرة والصواريخ والسموم، ويشرد مئات الألوف وحتى الملايين من أهل سورية وفلسطين، بمهارة استبدادية موروثة ومتقنة.
من يصرحون بمثل تلك المواقف يبحثون عن مجرم آخر أقدر على الإجرام، وهو على كرسي الاستبداد في سورية ولن يجدوا، بقدر أنهم لا يفقهون أن ثورة شعب سورية ضد الأخطبوط الاستبدادي الفاسد، هي التي جعلت تلك المهمة مستحيلة، رغم شواهد قريبة لتوريث أشكال وألوان من الاستبداد في مسلسل قرضاي حتى السيسي.
* * *
من يتحدث بلغة السياسة علما أو السياسة تطبيقا يعلم أن الساقطين إجراما أو الخاسرين في صناديق الاقتراع، لا تُصنع بدائلهم في أقبية الاستخبارات ومجاميع السياسات الأجنبية، ولا يكتسب شرعية من خلال قبول غرب أو شرق به ما دام مرفوضا من جانب الشعب. وهم لا يستحيون أثناء تطاولهم على الشعوب الأخرى أنهم يتعارفون على حقوق شعوبهم بأن يكون طريق الوصول للسلطة هو أصوات الناخبين، في دول قائمة على أحكام دستورية. المنطلق هو الإرادة الشعبية وهي المعيار لمشروعية السلطة.
ومن هنا فكل صيغة من صيغ لا بديل عنه مما يُطرح على السوريين من أي جهة من الجهات الأجنبية، هي صيغة استهتار بالإرادة الشعبية السورية أولا، وبقدرات السوريين ثانيا، وهم الصامدون في وجه الإجرام منذ عقود وليس منذ اندلاع الثورة فحسب.
ولكن الأهم من هذا وذاك هو -بلغة سياساتهم الواقعية النفعية- رفض تعاملهم مع أي سياسي سوري، إلا إذا كان مؤهلا لخدمة هيمنة أجنبية تحت عنوان علاقات خارجية، وسيان بعد ذلك هل يعبر عن إرادة شعبه السوري أم لا.
الجدير بالبيان عدم صحة القول إن على السوريين أن يجتمعوا مسبقا على شخصية سياسية كي تجد في مفاوضات ما دعما دوليا للانتقال من إجرام استبدادي إلى وضع سياسي منبثق عن الثورة. فهذا مطلب تعجيزي، ولا نجد شبيها له في تداول السلطة حتى في الدول المستقرة، كما في مثال أنجيلا ميركل، التي وصلت إلى السلطة في ألمانيا، وكانت في البداية مجرد حل مؤقت لمشكلة سياسية، ثم تكونت صلاحيتها للسلطة لاحقا، وشبيه ذلك ما كان مع قرينتها ماي في رئاسة وزراء بريطانيا على رأس حكومة أقلية، وحتى إيمانويل ماكرون في فرنسا الذي كان انتخابه للرئاسة احتجاجا على مساوئ أسلافه، مع احتمال أن ينجح في السلطة أو لا ينجح لاحقا.
ليست العقدة في قضية سورية إذن فيما ترمز إليه كلمة لا يوجد بديل! ولكن هي عقدة لدى أصدقاء الشعب السوري وأعدائه أنهم لا يريدون أن يتعاملوا بنزاهة مع ثورته التاريخية الكبرى، ليتقبلوا -ناهيك عن أن يدعموا- أن يكون في المرحلة الانتقالية فريق قيادي يصلح لاستلام السلطة وإن كان لا يحظى بإجماع السوريين، لأن الإجماع مستحيل في حالة سورية، وفي غيرها من بلدان العالم جميعا.
* * *
إن حكاية لا يوجد بديل! أسطورة محبوكة ساهمنا للأسف في الترويج لها، وهذا الصنف من الأساطير السياسية عبارة عن أدوات وذرائع للحيلولة دون اكتمال عملية تحرر الإرادة الشعبية، وهو ما سعوا ويسعون إليه في مصر وليبيا وفي اليمن والعراق وفي تونس وفلسطين، ولو استطاعوا تقويضه في تركيا لفعلوا، فالإرادة الشعبية الحرة هي الأخطر من كل قوة مادية ومعنوية على أوضاع تسودها شرعة الغاب المتخلفة على كل صعيد وفي معظم أنحاء عالمنا المعاصر.
ولا ينفي شيء من ذلك أن علينا متابعة بذل أقصى الجهود على طريق صناعة البديل، السياسي، الحضاري، الإنساني، بما يحقق مصالح بلادنا وشعوبنا ومصلحة الإنسان في جميع أنحاء عالمنا المعاصر، والعاقبة في المساعي الصادقة المتواصلة للمتقين.
وأستودعكم من علمنا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب