أصبح واضحا أن هذه الثورة ثورة تاريخية تغييرية جذرية بحق، وأن حصيلتها تتجاوز حدود سورية والمنطقة قطعا، ولهذا بدأ العمل من البداية لاحتوائها واحتواء نتائجها، تارة عبر محاولة مسخها في حدود تمرد فريق من الشعب على مستبدّ أرعن فحسب، وأخرى عبر العمل لتشويه معالمها تحت عناوين أزمة.. وإرهاب.. وحرب أهلية.. وما شابه ذلك، ورغم ذلك يبدو سقوط الساقطين مؤكدا، ولن تكون الجولة التالية أهون شأنا مما سبقها، فإن أمكن تجنب السقوط حتى الآن في أوحال ما أراده الاستبداد الفاجر من تفجير الطائفية والإرهاب شعبيا، إنما لن ينقطع مفعول ما بذر هو والميليشيات المستوردة من بذور فاسدة، ولن تنقطع جهود قوى إقليمية ودولية لنشر الاعتقاد باستحالة تحقيق "كامل" الأهداف الأصيلة للثورة الشعبية، وستواصل العمل للالتفاف حولها بمختلف السبل، بغض النظر عن تقديم العون والدعم من جانب بعضها دون بعضها الآخر.
. . .
لا يفيد كثيرا الاستغراق في الجدل حول "ما يصنع الآخرون" ما لم يتحقق ترسيخ الرؤية الذاتية للثورة والثوار حول: "ما نصنع".. وهو كثير، ويتطلب جهودا كبيرة، ويكفي على سبيل التنويه تأكيد بعض أبجديات الثورة الواجب تجسيدها في كل عمل ثوري، وفي كل عمل سياسي، وفي كل تصور فكري، وفي كل جهد فردي وجماعي، ومن هذه الأبجديات على سبيل المثال دون الحصر:
الأمل.. مفروض، في سائر مراحل الثورة ومهما تقلبت أحوال مسارها..
واليأس مرفوض رفضا قاطعا، فلا يمكن أن يجتمع اليأس والانتصار في مسار الثورة.
التعاون.. مفروض، وإذ نرى كيف تتعاون قوى الشر والباطل فإن الامتناع عن التعاون -بأي حجة- يعني الإسهام فيما تسعى إليه قوى الشر والباطل.
والاقتتال مرفوض، مهما كانت مبرراته الظاهرية، ولا يسري ذلك على إرهاب لا ينتمي للثورة وإن رفع راياتها وهو يطعن الثوار في ظهورهم، أما ما عدا ذلك فالاقتتال إسهام في إضعاف أحد الشروط المصيرية للنصر، بل
بل هو محرم من الأصل بحكم كل ما نؤمن به وبحكم الواقع..
التوافق.. مفروض، على أساس تغليب إرادة الغالبية، ومن لا يمارس ذلك اليوم لا يصلح للإسهام في بناء الدولة المنبثقة عن الثورة غدا..
والإقصاء مرفوض، فالآخر قطعة من الذات الوطنية وكل إقصاء يولد إقصاء مضادا ويوصل إلى شرذمة القوى..
الوحدة.. مفروضة، ولا تعني بالضرورة توحيد جميع الفصائل الثورية والتجمعات السياسية في بنية هيكلية واحدة، قبل تأسيس الدولة المنبثقة عن الثورة، ولكن يبدأ ذلك بوحدة الأهداف، وتكامل الإمكانات والوسائل، ومن يحظر شيئا من ذلك عن سواه، يضع نفسه في خندق من يعملون على خنق الثورة وتقويض نتائجها بمختلف السبل.
والتفرقة مرفوضة، وهذا تحصيل حاصل في عالم بات التكتل من أهم سماته ولا يمكن الوصول فيه إلى الأهداف الجليلة عندما يحاول كل فريق العمل على انفراد في مواجهة من يتكتلون للحيلولة دونها.
الاستقلال.. مفروض، للوطن بوحدته الجغرافية، وهذا في مقدمة ما فهمه الشعب الثائر من ثورته وعبّر عنه بتدشين علم الاستقلال علما للثورة، مستوعبا أن الاستقلال لا يقتصر على إسقاط تسلط عدو خارجي بل يشمل إسقاط كل تسلط.
والاستبداد مرفوض، جملة وتفصيلا، بقناع ودون قناع، ولا يقتصر ذلك على كرسي السلطة، بل يشمل الممارسة في قيادة أي تجمع سياسي وحتى مدني، ناهيك عن العمل الثوري الميداني، وكما أنه يفسد السلطة، فإن من يمارسه يفسد به العمل على درب الثورة..
السيادة.. مفروضة، ومن يتحدث عن سيادة الدولة بحق يعلم أن سيادة الشعب في دولته هي عماد سيادة الدولة، ولا تتحقق أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة دون تحقيق معنى السيادة على كل صعيد، فهي التعبير المباشر عن محور أهداف الثورة: تحرر الإرادة الشعبية على مستوى الأفراد والفئات والمجتمع والسلطة والأرض.
والوصاية مرفوضة، بجميع أشكالها ودرجاتها، من جانب أي طرف محلي أوإقليمي أو دولي، فالشعب الذي صنع هذه الثورة التاريخية البطولية لا يحتاج إلى وصاية، وفارق كبير بين الوصاية وبين التعاون المشروع غير المشروط لتحقيق فائدة محددة على أساس مصالح "مشروعة" متبادلة.
. . .
قائمة الواجبات المفروضة ومحظورات الخطوط الحمراء قائمة طويلة، ولكن ما سبق مدخل إلى سواه، وهو في الوقت نفسه ما نملك زمامه، فلا يحمل أحد سوانا المسؤولية في حالة التفريط به.
نبيل شبيب