في مثل هذا اليوم ٣٠/ ١٢/ ٢٠٠٦م أعدم الرئيس العراقي السابق صدام حسين على مشنقة من صنع الولايات المتحدة الأمريكية، ومهما ساد من خلافات ونزاعات بين الأقطار العربية والإسلامية وعلى خلفية تعدد التوجهات في المنطقة، يبقى أن الحدث وما كان من تمهيد له دخل كتب التاريخ كبداية لتدحرج كرة الفوضى الهدامة في المنطقة، والتي لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تواري أنها تريد نشرها.
تحت عنوان "اعتقال رئيس سابق" ورد في مقال لكاتب هذه السطور يوم ١٥/ ١٢/ ٢٠٠٣م:
ما يزال يتكرّر المشهد العراقي كلّ يوم بإخراج جديد، وآخر حلقاته وقوع صدام حسين في أسر قوّات الاحتلال الأمريكي، فبعد فصل سابق بعنوان: إسقاط "رئيس الدولة" وتحطيم تماثيله، أتى الفصل التالي بعنوان: اعتقال "الرئيس السابق" مع مزيد من المظاهر الاستعراضية المقصودة، ولئن اتخذت التطورات مجراها المتوقع فسيأتي الفصل القادم بعنوان: محاكمة "الديكتاتور السابق"، ثمّ فصل آخر بعنوان: إعدام "المجرم السابق".
أمّا المسرح فلم يتبدّل: بقي المخرج والمنتج أمريكيا، بأسلوب أقرب إلى أساليب رعاة البقر منه إلى سلوك ساسة وقادة عسكريين، وجلّ من يؤدّون الأدوار الجانبية بأعداد ضخمة على غرار أفلام هوليوود العملاقة، هم الجنود الأمريكيون والسائرون في ركابهم.. ويطلّ على المسرح أحيانا بعض رؤوس "شخوص" التمثيلية المتأمركين، فتكاد تسمع "الملقّن" يملي عليهم ما يقولون.. ويصحّحه أحيانا.
هل يُستغرب إذن الصمت الرسمي العربي الذليل في اليوم الأوّل لعرض فصل الاعتقال من المشهد العراقي؟
لندع صورة "الواقع" لحظات، ولنتساءل:
كم سترتعد فرائص من يمارسون السلطة بوصاية أمريكية في بلادنا العربية والإسلامية؟
ألا يخشى بعضهم مصيرا مماثلا وهم يحملقون بأبصارهم نحو بغداد عاجزين عن الكلام والحركة؟
ثمّ إلى متى تستمرّ فيما بينهم الانقسامات حول "ما بعد احتلال العراق" مثلما كانت أثناء "حصار العراق"؟
متى يدقّ عندهم ناقوس الخطر الأمريكي-الإسرائيلي بما فيه الكفاية، ليفكّروا تفكيرا جادّا ويتحرّكوا تحرّكا مشهودا عمليا، وصادقا لا كاذبا، على طريق مصالحة حقيقية وشاملة مع الشعوب، سعيا إلى الاحتماء بإرادة الشعوب وطاقات الشعوب، من الهجمة المعادية الشرسة ضدّ المنطقة، وقد باتت تستهدف الجميع أنظمة وشعوبا وتيارات متعدّدة.. دون تمييز؟
دعونا من المشاهد الهزيلة الرسمية.. ولننظر في مواكبة أصحاب الأقلام للحدث إما عبر جلد الذات أو جلد الآخرين.. أو عبر الانتقال بأسلوب "المثقف الراقي" إلى عالم آخر، ولكنّه خيالي أيضا.
إنّ محاولة تبسيط الموقف من الحدث.. بفصل قضايا بلادنا ومستقبلها عن بعضها بعضا لا يمكن أن يؤدّي إلى "عمل فعّال" ناهيك عن "جهد مشترك".. بل لا يؤدّي إلى مجرّد استيعاب مجرى التطوّرات، وما ينبني عليها على صعيد مستقبل المنطقة، إنّما يشغل بالأمر الفرعي -على أهميته أحيانا- عن الأمر الأهم الذي يُفرز غالب الأمور الفرعية والجانبية.
ليست قضية العراق قضية إسقاط نظام استبدادي أو قضية دعمه.. كما تُلقى الاتهامات جزافا بلا حساب، فرفض الاستبداد بكافة أشكاله أمر مفروغ منه عند الإنسان العاقل السويّ.. فلا يتراشق بهذه الاتهامات إلاّ من يريد التلهّي بها وإلهاء الآخرين.
وليست قضية يجوز حصرها في مسألة اعتقال رئيس ومحاكمته أو حتى قتله، فمن يضع نفسه فوق القانون، يجب أن تلتقي الآراء على المطالبة بأن يخضع للقانون.
إنّما هي "الكيفية" المتبعة لإسقاط الاستبداد ومحاسبة المستبدين، وخطورة الارتباط التبعي من خلال السلطة، أو الارتباط التبعي -للوصول إلى السلطة- بدولة أجنبية معادية.
إنّ الاستبداد الدولي كالاستبداد المحلي، لن يتراجع من تلقاء نفسه، بل سيزداد نهمه للتشبّث بما يصل إليه ومدّ أذرعه كالأخطبوط إلى المزيد، ما دام يجد شكلا ما من أشكال التجاوب معه، أو الخضوع له.
عملية أسر صدام حسين مثال على ذلك ما بين:
– تصويرها -كما يريد الأمريكيون- خطوة على طريق الحرية والكرامة والعزة والوحدة والتقدّم.. بعيدا عن تحقيق أي قسط ولو ضئيل من تلك القيم على حقيقتها وليس وفق أوهام "روكي.. ورامبو.. وجيمس بوند"..
– أو الانشغال بما يلقيه الأمريكيون من أدوات الإلهاء، كالحديث عن كلّ شيء يتعلّق بصدام حسين، مستبدا.. أو مقاوما.. وهاربا.. أو مستسلما.. ومجرما.. أو وطنيا.. ولكن بعيدا عن الحديث عمّا هو أهمّ من صدام حسين ومن ٢٢ أو بضعة وخمسين صدّاما في أنخاء بلادنا.
إنّنا لنلهو في الحالتين بعيدا عن الحديث ناهيك عن العمل على صعيد ما يمكن أن يتصدى بمواجهة مشتركة وفعّالة ودائمة لذلك العدوّ الأمريكي الصهيوني نفسه، واستبداده المتعدّد الوجوه، ووحشية غزوه الإجرامي، وخطورة مطامعه الراهنة والمستقبلية، وأخطبوط ارتباطاته التبعية الداخلية على مستوى الأنظمة وخارج دوائر سلطانها.
وسواء أسقط الاستبداد الدولي نظاما استبداديا محليا أم لم يفعل، لا يغيّر ذلك شيئا من حقيقته كما هو، ولا يغيّر أيضا من وجوب العمل عملا مركّزا على جمع المواقف والأفكار والتصوّرات على صعيد واحد، واستنفار الهمم والطاقات والجهود لتحقيق هدف أوّلي واحد، وابتكار الوسائل والأساليب للتحرّك على طريق واحد.. أوّله وأوسطه وآخره هو مواجهة العدوّ الخارجي.
. . .
وتحت عنوان " محاكمة صدام ومحاكمة الاحتلال والعدوان" ورد في مقال لكاتب هذه السطور يوم ١٦/ ١٢/ ٢٠٠٣م:
عندما اعتُقل صدام حسين كانت الحكومة الأمريكية قد أمضت عدّة أسابيع وهي ترتّب صياغة المشاهد والحوار والصور التي يراد أن يُعلن فيها عن مقتل صدام حسين أو اعتقاله، كما ذكرت صحيفة واشنطون بوسط يوم الثلاثاء ١٦/١٢/ ٢٠٠٣م، والغرض هو نشر صور تساهم في "تحطيم" ما يتردّد بشأن تبجيل صدام كزعيم، وتجنّب كلّ ما من شأنه أن يصوّره كضحية أو شهيد، ونقلت الصحيفة آنذاك عن المسؤولين قولهم "إنّ الحصيلة كانت أفضل من سائر ما وضعناه من مخططات".
هذا ما أبقى الاعتقال موضع الكتمان إلاّ عن عدد محدود فقط من المسؤولين لمدة ١٨ ساعة كاملة إلى أن أعلن جلال الدين الطالباني النبأ قبل سواه.. وتقول الصحيفة إنّ اختيار صور الفحص الطبي بدلا من صورٍ تعرض الرئيس العراقي السابق معتقلا بالقيود، كان مقصودا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإهانة الإنسانية، بأسلوب يصل مفعوله إلى الإنسان العادي الذي يعرف من خلال الخبرة الشخصية ما معنى الفحص الطبي في هذه الحالة.
أمّا تعمّد "الإهانة" لواحد ممّن كانوا في السلطة في أحد البلدان العربية والإسلامية الرئيسية، واستعراض مدى العجز الرسمي عن مجرّد احتجاج "أقرانه"، فأمر مقصود، تجاه الشعوب أكثر من الأنظمة.
المشكلة الأكبر ليست مع الأنظمة، أنما هي مع الشعوب، والشعوب لا تتفاعل مع المسرحيّات الأمريكية وفق تصوّرات مخرجها.
إنّ واشنطون التي تزعم "مكافحة الإرهاب" وتستخدم أبشع وسائل "الإرهاب" وأشدّها تناقضا مع القانون الدولي والإنساني، ما بين جوانتانامو وأبو غريب، وبين فلسطين ومجلس الأمن الدولي، تزرع بمثل هذه المسرحية الإعلامية المرتّبة بذور المزيد من "الردود" التي تصفها بالإرهاب، وتفتح الأبواب أمام انتشار منطق مَن يدعون إلى مواجهة الوجود الأمريكي في البلدان العربية والإسلامية وعالميا بالوسائل المشروعة والمحظورة، بالمنظور الإسلامي، أو بمنظور من يزيّفون القانون الدولي على السواء.
أمّا ذلك التصوّر الصبياني القائل إنّ ما تصنعه واشنطون في العراق، سيكون نموذجا يدفع الشعوب إلى الاستعانة بواشنطون وتقبّل ما تقدّمه من مشاريع لنشر الحريات والحقوق والديمقراطية، فهو تصوّر ساذج لا يحتاج إلى مجرّد التسفيه.
الشعوب لا تزداد تسليما عندما ترفع الدولة العدوانية مستوى جرعة الإهانة التي توجّهها إليها -سيّان كم عانت من استبداد صدام وتعاني من استبداد سواه- إنّما تساهم تلك الممارسات في مضاعفة الشعور بالنقمة، والكراهية، والاستعداد للثأر، وهو ما "تشكو" منه واشنطون بمناسبة ودون مناسبة.
ويبقى من الضروري تأكيد عدد من النقاط الجوهرية في التعامل مع الحدث:
١- مهما بلغت جرائم صدام حسين وسواه.. فإنّها لا تسوّغ في أي وقت من الأوقات وبأي شكل من الأشكال ما يرتكبه الساسة والعسكريون الأمريكيون من جرائم، في العراق وفلسطين وأفغانستان وسواها، وعلى مستوى معاملاتهم الدولية مع قضايا الاستغلال بصورة خاصة، فضلا عن الجرائم المرتكبة عبر التاريخ من قبل هيروشيما، حتى اليوم.
٢- إنّ القتل الذي مارسه الساسة والعسكريون الأمريكيون في تلك الجرائم، بما فيها استخدام مختلف ألوان الأسلحة الفتاكة، المحرّمة وغير المحرّمة بمنظورهم، يفوق من حيث عدد ضحاياه عددا، ومن حيث أساليبه نوعية وبشاعة وإجراما، سائر ما ارتكبه كافة المستبدّين، في البلدان العربية والإسلامية وسواها، منفردين ومجتمعين.
٣- إنّ قضيّة الساعة هي قضية استمرار الاحتلال، واستمرار العدوان، واستمرار دعم الممارسات العدوانيّة الصهيونيّة، واستمرار إطلاق التهديدات ضد البلدان العربية والإسلامية، واستمرار اتّخاذ الإجراءات غير المشروعة ضدّ أفراد أو جمعيات أو منظمات أو حكومات عربية وإسلامية، وجميع ذلك يفرض المقاومة مبدأ ووسيلة بكل ما يملك العرب والمسلمون من وسائل، بدلا من السقوط في لعبة إعلامية أخذا وردّا وفق المخططات الأمريكية.
أمّا المحاكمة التي تستحق الاهتمام، فهي المحاكمة التاريخية المفروضة والمطلوبة لأولئك الذين يمارسون بمنطق شرعة الغاب، العدوان والاحتلال ضدّ الشعوب، سواء عن طريق الهجمات العسكرية المباشرة، أو عن طريق الاستغلال الاقتصادي إلى درجة نشر المجاعات، أو عن طريق دعم الاستبداد المحلي الذي ما كان له وجود، في العراق وسواه، لولا السياسات الأمريكية التي انطلقت لتهيمن عالميا، منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل.
. . .
وتحت عنوان المشنقة الأمريكية.. إعدام صدام وإجرام واشنطون" ورد في مقال لكاتب هذه السطور يوم ٣٠/ ١٢/ ٢٠٠٦م:
في البداية العزاء الصادق والواجب لأسرة صدّام وذويه، ونحسبه قد أدرك قبل موته حجم ما ارتكب في حياته، فندعو له بقبول التوبة والمغفرة، وندعو الله تعالى أن يعوّض بالعفو والصبر والجزاء الأوفى كلّ من أصابه أذى كبير أو صغير، وأيّ ضرر من الأضرار نتيجة ممارسات صدّام أثناء حياته.
وفي البداية يطرح السؤال نفسه:
ما موقع صدّام حسين في وعي شعوب المنطقة، وما مكانته في تاريخها، وهل في الحديث عنه تمجيد لإنجازات حققها وسنوات السلطة التي ارتبطت باسمه في العراق وحوله؟
إذا كان من تعاطف شعبي في العراق وخارج العراق مع صدّام نفسه فهو التعاطف مع من كان في المرحلة الأخيرة من حياته عقبة تتحدّى مسيرة الهيمنة الصهيوأمريكية، في فترة تميّزت بألوان عديدة مخزية من التبعية والانكفاء والانبطاح، مقابل ازدياد عنف وحشية الهجمة المضادّة التي استهدفت الشعوب والمنطقة والحضارة العربية الإسلامية، تارة بزعم الحرب ضدّ الإرهاب وأخرى بزعم حرب وقائية وثالثة بزعم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان بالقوة.
كان وما يزال التعاطف مع كلّ من يعلن رفضه التسليم والاستسلام ورفضه أن يكون بيدقا من بيادق تنفيذ هذا الجانب أو ذاك من مخطّطات الهجمة العدوانية الضارية، ولهذا أصبح التعاطف مع صدّام في معتقله وأثناء فصول مهزلة محاكمته ومع إعدامه تعاطفا واسع النطاق.
ولكنّ استبداد صدام كان وما يزال وسيبقى مرفوضا، مثله مثل استبداد كلّ مستبد آخر في المنطقة، لا سيّما أولئك الذين يربطون استبدادهم المحلي بالاستبداد الأمريكي الدولي.
صدّام كان حاكما مستبدّا، وحافظ على بقايا شعلة قومية وشعلة وطنية ترفض الهيمنة الصهيونية والأمريكية، وكان هذا الجانب من إنجازات عهده هو المرفوض أمريكيا وليس استبداده.
إعدام صدام مقرّر أمريكيا من قبل اعتقاله، ولكنّ لتوقيت تنفيذ الإعدام أسباب مباشرة لا علاقة لها بإجراءات قضائية ولا سياسية خاصّة به.
١- أصبحت الهزيمة الحضارية والسياسية الأمريكية في العراق غير قابلة لمزيد من التمويه، بل أصبحت واضحة لبعض المكابرين أيضا في مسيرة التبعية داخل البلدان العربية والإسلامية نفسها، وداخل العراق، وانتشرت مقولات أقرب إلى الأوهام بشأن عودة صدام وأنصاره إلى السلطة، فاستهدف توقيت الإعدام وضع حدّ لهذه الأوهام، أو الآمال في نظر بعض من ينشرها، قبل أن يستفحل مفعولها على أرض الواقع.
٢- أسقطت حرب العراق المحافظين الجدد من غلاة الجمهوريين في الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين أول/ أكتوبر ٢٠٠٦م، بعد أقلّ من أربع سنوات على غزو العراق وتدمير بنيته التحتية والعمل المتواصل للقضاء على "الإنسان" فيه، فيأتي توقيت الإعدام للتأكيد، أنّ بقايا المحافظين الجدد في السلطة الأمريكية ماضون حتى النهاية في طريق الاستكبار المتعجرف، ولا يأبهون بأي معيار قضائي ولا قانوني، محلي ولا دولي، ولا بأي معارضة، شعبية أمريكية وعالمية، ولا سياسية غربية أو دولية.
٣- كثر اللغط حول توقيت يوم الإعدام بحلول عيد الأضحى المبارك، منذ بدأ تسريب المعلومات عمدا حول ذلك، ولا شكّ في أن تثبيت هذا الموعد ينطوي أيضا على استعراض الجانب الآخر التقليدي للعجرفة الأمريكية تجاه عموم المسلمين، بدءا بزلات الألسنة على درب حرب صليبية وصراع حضاري، مرورا باتخاذ مختلف الإجراءات لحصار الصحوة الإسلامية، انتهاء بالإساءات العلنية للإسلام ومقام النبوة، وفق منطق الصراع السائد في الغرب الأمريكي وغير الأمريكي منذ عصر إبادة الهنود الحمر إلى الآن.
إعدام صدام كان مثل محاكمته محاكمةً صهيوأمريكية، يستهدف سواه أكثر ممّا يستهدفه، فقد كانت المهزلة من البداية إلى النهاية مكشوفة، لا تستند إلى قانون قويم، ولا عرف إنساني، وكانت عملية استعراضية محضة، تؤكّد لمن يتململ من التابعين ويخرج ولو جزئيا عن مسيرة التبعية، أنّ باستطاعة الاستبداد الدولي الأمريكي أن يصنع ما يشاء بهم، ولو وصل ذلك إلى شكل المهزلة المكشوفة عبر الإعدام بمشنقة أمريكية.
وإنّ التعاطف الشعبي المتزايد مع صدام رغم استبداده وموبقاته منذ أصبح فريسة لعدوّ أجنبي أشدّ خطرا وضررا، يفتح أمام سواه مجدّدا باب المخرج من قفص الذلّ التبعي.
ليس الجواب على إعدام صدام تمجيد أنصاره به، ولا السكوت المطبق على المستوى السياسي، إنّما الجواب الوحيد هو أن تتحوّل الأنظمة من هياكل متسلّطة، لا تكاد تصنع قرارا خارج نطاق "الأمن الداخلي" -إذا صحّ تسميته أمنا- إلى حكومات وطنية عربية وإسلامية، تمارس السلطة في مختلف ميادين النهوض والبناء، سيّان ما يعنيه ذلك من فقدان عرى "الثقة" الأمريكية القائمة على الارتباط التبعي، القابلة للتحوّل إلى توجيه الضربات للتابعين بسبب ودون سبب.
وإنّ مصدر القوّة الوحيد -من بعد الاعتماد على الله عز وجل- هو تلك الشعوب الرافضة للهيمنة الأجنبية تحت أيّ عنوان، المتعاطفة حتى مع المستبدين فيما يتعرّضون إليه من إذلال أجنبي، المستعدّة للتعاون مع من يتخلّى منهم عن الاستبداد، ويسلك طريق التحرّر الحقيقي من كلّ سلطة أجنبية، ظاهرة وخفية، ومن كل مطمع دنيوي، زائل لا محالة، سواء في حبل مشنقة أمريكية، أو بدبابة انقلابية، أو على فراش ذل موت مهين بعد ذلّ حياة مهينة.
نبيل شبيب