تثبيت خطوط ثورية حمراء

من شروط رؤية مشتركة وثورية هادفة

رأي

نشر يوم ٤ / ١١ / ٢٠١٤م في الجريدة الثورية السورية صدى الشام

 

بعد كل ما شهده مسار الثورة الشعبية في سورية، من بطولات وأخطاء، ومن تضحيات وانحرافات، ومن إنجازات وانتكاسات، تتواتر الأصوات الداعية إلى تثبيت رؤية ثورية مشتركة، سياسية واستراتيجية ومستقبلية، مقابل أصوات أخرى تتقن نشر الإحباط، وتجد ما يكفي من المادة المناسبة لذلك، في واقع مسار الثورة وما يصنع إقليميا ودوليا ضدها وضد سواها من الثورات الشعبية.

ومن أهم ما نستخلصه من مسار الثورة حتى الآن، صعوبة الوصول إلى رؤية مشتركة قبل تحديد خطوط ثورية حمراء، فانتهاك كثير من المحرمات الثورية والوطنية والسياسية وحتى الإنسانية المحضة، يجعل التوافق على ما يجب التوافق عليه من قواسم مشتركة متعذرا دون التوافق مسبقا على ما لا يجوز صنعه بحق الثورة والشعب والوطن، وإلاّ كأمثلة:

١- كيف يتوافق من يرى الاستبداد نهجا يمارسه في قيادته لفصيل من الفصائل ويطرحه ليكون في صلب رؤيته لمستقبل البلاد والعباد، باسم راية من الرايات يرفعها، مع من يرى أن الثورة إنما انطلقت لتقويض الاستبداد بجميع أشكاله ومداخله ومخارجه وتعليلاته وذرائعه.

٢- كيف يتوافق من يرى الحرية في وطن مشترك بين جميع مكونات شعبه، أو بين أصحاب اتجاه إسلامي وأصحاب اتجاهات أخرى، حرية مقيدة باتجاهه الإسلامي وعبر إقصاء سواه، وكل ما يعنيه ذلك تشريعا وسياسة وممارسة، مع من يرى الحرية في ذات هذا الوطن، مقيدة باتجاهه العلماني، وعبر إقصاء سواه، مع كل ما يعنيه ذلك تشريعا وسياسة وممارسة.

. . .

إن صياغة خطوط ثورية حمراء في سورية، أصبحت ضرورة ظاهرة للعيان بعد معايشة تأثير غيابها وبالتالي انتهاك ما تقتضيه، على حساب مسار الثورة ومعاناة الشعب وواقع الوطن، وإن الالتزام بها شرط ضروري وموضوعي للمشاركة في التوافق على صياغة رؤية ثورية، تعزز مسار الثورة نحو أهدافها، وتخفف من معاناة الشعب الذي يحضنها، وترسخ دعائم ما يجب صنعه الآن من أجل مستقبل الوطن.

وهذه أمثلة للحوار حول المطلوب تحت عنوان خطوط ثورية حمراء، أو محرمات ثورية كبرى، أو ما ينزل منزلة الشروط للانتساب إلى الثورة نفسها.

١- كل اقتتال بين الثوار محرم

٢- كل تمييز بين السوريين محظور

٣- كل وصاية على إرادة الشعب باطلة

٤- كل ارتباط أجنبي على حساب الوطني خيانة

٥- كل حرمان لمواطن أو هدر لحقوقه جريمة

٦- كل قيادة فردية أو قيادة لا تخضع للمحاسبة المؤسساتية فاسدة

٧- كل عمل سياسي أو عسكري أو مدني دون كفاءة وتخطيط وشفافية ومحاسبة وتطوير وفق قاعدة التخصص والتكامل هو عمل يضرّ بمسار الثورة

. . .

هذا بعض ما يمكن إدراجه تحت عنوان خطوط حمراء للثورة الشعبية في سورية، نحتاج إليها حاجة ماسة كمقدمة لا غنى عنها للتوصل إلى رؤية مشتركة بمعالمها الكبرى على الأقل، بعد أن تبدلت المعطيات والظروف، الذاتية والإقليمية والدولية، ودخل مسار ‎الثورة في مرحلة جديدة جعله يبدو ضبابيا مقلقا في نظر نسبة كبرى ممن كانوا يتحركون مطمئنين إلى أن الثوار سيبدعون من جديد كما صنعوا في مطلع الثورة، كيلا يبقى المسار في عنق الزجاجة ويختنق فيه بدلا من الخروج بطاقة متفجرة أكبر مما كانت عليه في البداية حتى جعل القوى الإقليمية والدولية تتلاقى على طريق لا يصب جميع نهاياته المحتملة في صالح الثورة والشعب والوطن.

إن من يفكرون الآن بطرح رؤية ثورية متجددة وضرورية لن يتوصلوا إليها دون أن يزيلوا العقبات الذاتية التي حالت دون ذلك من قبل، وهي التي تتمثل في ارتكاب المحرمات الكبرى بالمنظور الثوري والوطني، ولهذا لا بد من التوافق أولا على خطوط حمراء تمنع قدر الإمكان من استمرار ارتكاب تلك المحرمات والانحراف بالثورة عن طريقها وهدر ما يقدم لها الشعب الثائر من شهداء ومعاناة وآلام.

لن يكون التوافق على صياغة خطوط حمراء للثورة قابلا للتحقيق عبر التقاء جامع لكل من يحق له المشاركة فيه، لا سيما إذا كان ممن يحتاج هو إلى ضبط مساره كسواه عبر مثل هذا التوافق، ولكن يمكن أن تتلاقى على ذلك مجموعة من الأفراد الأقرب إلى أن تكون نسبيا موضع ثقة عامة، ولها صوت مسموع، ولديها الكفاءة الحرفية لمثل هذه المهمة، فإن وضعتها بصياغة مرشحة للقبول والتأييد على نطاق واسع، يمكن الشروع عقب ذلك بالعمل على تعميمها، وعلى إيجاد أرضية التوافق عليها من خلال شبكات التواصل القائمة بين كثير من الجهات العاملة بالثورة، دون أن يكون لتلك الشبكات المفعول المرجو منها حتى الآن، فلعل ذلك يكون بداية لتحريك مياه راكدة فوق حطام يصنعه انتشار الإحباط ونشره، ويمكن أن تحييه طاقة الإخلاص والعطاء مجددا، كما صنعت من قبل ففجرت ثورة شعبية تاريخية كبرى من تحت رماد عشرات السنين من الركون والمذلة والضياع.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

ثورةخطوط حمراءسوريةمراجعات