هذه الثورة في سورية نموذج لسواها، وهذه الثورة ثورة شعب، أي ثورة كل فرد مظلوم دون استثناء، والنصر المطلوب فيها هو نصر الشعب كله.. إلا من يستثني نفسه بوضع نفسه في حظيرة الطاغية فيسقط معه. وجميعنا يقول: نحتاج إلى سند للثورة الشعبية!.. وكلما ترددت هذه العبارة علنا أو همسا أو حتى تفكيرا جاء الجواب غالبا: يا ألله كن معنا.
هذا صحيح.. لا سيما بعد أن ظهر لكل من خدعته تحركات دولية وإقليمية أنه لا يمكن اعتماد الثورة الشعبية على أحد اعتمادا كاملا إلا الله.. ولكن ماذا نعني بكلمة "الله معنا" أو ما شابهها، الله ناصرنا، يا ألله ما لنا غيرك يا ألله؟
الله معنا.. كلمة تعني أولا أن معنا الله العلي العظيم الكبير المتعال الجبار القهار الواحد الأحد الفرد الصمد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعملون.
ألا نخاطر بأن نكون من أولئك الذين "لا يعلمون" عندما يتزعزع اليقين ولو بمقدار أنملة، أن الله قادر على نصرتنا؟
الله معنا.. كلمة تعني أيضا أن كلمات الله هي التي ترشدنا إلى الطريق، فلنأخذ مثالا واحدا على ذلك:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}
هذا مثال واحد على ما تعنيه كلمة: الله معنا، لنستوعبها استيعابا قويما هادفا، وليس شكليا أو ببغاويا.
لقد كان الله تعالى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلام أعد العدّة تخطيطا وتنفيذا للهجرة إلى المدينة، حتى وصل من خلال حسن تدبيره لما أراد.. بإذن الله؟
وكان الله تعالى مع الرعيل الأول فتحقق لهم النصر في بدر.. ولكن لم يتحقق في أحد.. لماذا؟
كلمة "الله معنا" إذن لا تغني عن الأخذ بأسباب النصر، كما أن النصر يحجب عندما نقصر في الأخذ بالأسباب، ولو كنا -ولن نكون- في مستوى الصحابة صلاة وقياما وتلاوة وصياما ودعاءً وذكرا.
من الأسباب التي غابت في غزوة أحد وفق القرآن الكريم:
حتى إذا فشلتم: ضعفتم..
وتنازعتم في الأمر: تفرقتم فلم تلتزموا بمنهج مشترك وتخطيط مشترك وتعاون مشترك..
وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون: وذاك انحراف لطلب الغنيمة بدلا من النصر..
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة: وذاك انقسام في رؤية الهدف من وراء المعركة..
جميع ذلك وزيادة عليه قائم في واقعنا الآن.. ونقول: متى نصر الله.. إن الله معنا!
نحن نعلل تأخر النصر بأسباب أخرى غالبا:
نقول هذه الأيام: نفتقد القيادة العليا للثورة، أو لم تكن للمؤمنين قيادة في موقعة أحد؟
نقول هذه الأيام: يمكر بثورتنا العدو والصديق، أو لم يكن الرعيل الأول مستهدفا بالمكر؟
نقول هذه الأيام: من ورائنا وداخل صفوفنا مندسون ومنحرفون، أو لم يكن المنافقون يرتكبون ما يرتكبون من أفاعيل في العهد الأول؟
النصر يتحقق عندما نأخذ بالأسباب التي تضع جميع هذه المعطيات في حساباتها، فلن تزول العوائق من تلقاء نفسها، ولكن عندما نحسن الأخذ بالأسباب بما يشمل التغلب عليها.
آن الأوان أن نستوعب تفكيرا وتطبيقا، أفرادا وجماعات، في السلم وفي القتال، في علاقاتنا مع بعضنا ومع سوانا، أن الطريق إلى النصر هو الطريق إلى الله، وأن الطريق إلى الله لتنعكس كلمة "الله معنا" في واقعنا، هو:
طريق صدق النية والعزيمة، وصواب العلم والعمل، واتخاذ الأسباب المعنوية والمادية، أملا لا يأسا، ويقينا لا إحباطا، ووعيا لا طيشا، ومعرفة لا جهلا، وتشاورا لا استبدادا، وتخطيطا لا ضرب عشواء، وعملا لا قعودا، وتدبيرا لا ارتجالا، وتخصصا لا تعدّيا، وتكاملا لا تنافرا، واعتدالا لا تكبّرا، وتعاونا لا مكرا، وقوة لا ضعفا، ووحدة لا تفرقة، وخطابا بالحسنى وليس بلسان فظ وقلب غليظ.. وإقداما من بعد ذلك كله مع الاستعداد للرضى بإحدى الحسنيين، وكل منهما "وسيلة".. وليس هدفا بحد ذاته.
الهدف هو مرضاة الله تعالى في الآخرة، وفي هذه الحياة الدنيا أيضا، فكيف تتحقق في حياتنا.. عبر ثورتنا؟
إنها مرتبطة بما سبق ذكر أمثلة عليه، ويجب أن نضيف مما أمر به أيضا، على مستوى رؤيتنا المستقبلية:
العدل، الحق، الإحسان، تحرير الإنسان من عبادة العباد وأصنامهم، تكريمه لأنه "إنسان" كما كرمه خالقه، دعوة التبليغ والهدى على بينة، ليتبين الرشد من الغي دون إكراه.
إن اعتقدنا أننا صنعنا ذلك كله، ولم نجد وعد الله بالنصر قد تحقق، فلنسأل أين الخلل.. أين الثغرات فيما نعتقد، وليس في وعد الله جل وعلا.
ولا يقولنّ قائل: فعلت ذلك ولم يفعله الآخرون.. فكل منا مسؤول فردا، وما يصنع ينتقل لمن حوله، وينتشر كالنور في ظلمات الآفاق.
ولا يقولن قائل: نحن من الفصيل الفلاني على صواب دون الآخرين.. فالصواب هو الرؤية المشتركة وهو ما يجمع ولا يفرق، وإن الله وعد أن يظهر دينه.. لا أن يظهر هذه الفئة أو تلك من بيننا.
وإن الله تعالى متمّم نوره، فلنحذر أن نكون من المقصرين وإن هتفنا: الله معنا، فسيتمم نوره آنذاك على أيدي قوم سوانا، يحبهم ويحبونه {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ولا نضره شيئا، بل سيسألنا عن قصورنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
نبيل شبيب