رأي
لم يعايش جيل الشباب في منطقتنا العربية والإسلامية المرحلة التاريخية الذليلة التي بدأت بنكبة ١٩٦٧م، وتلتها نكبة كامب ديفيد الأخطر منها تحت قناع “انتصار عسكري” جزئي سنة ١٩٧٣م، ثم لم تلبث أن ألقت ثورة الخميني الإيرانية بأثقالها السياسية والعسكرية إقليميا، لتتحول إلى جولة تالية دون تبدل كبير في الأدوار على مسرح التعامل مع الأنظمة العربية، لا سيما الخليجية، التي دخلت أكثر من مرة في مصيدة التخيير بين أمرين أحلاهما علقم مرّ، أي بين شرطي الخليج الإيراني المدعوم أمريكيا وغربيا، والمشروع الصهيوني الإسرائيلي المدعوم أمريكيا وغربيا أيضا، وكلاهما يمد أذرع الهيمنة في منطقة سبق أن خربتها جولات الصراع بين عرب رجعيين وعرب تقدميين، أو بين عرب تحت مظلة أمريكية وعرب تحت مظلة سوفييتية.
لقد تحركت ثورة الخميني تحت عنوان إسقاط الاستبداد، فوجدت تأييدا شعبيا إقليميا، كان تأييدا مبدئيا، ولكن سرعان ما كشفت عن مشروع جديد للهيمنة، فلم تتردد إيران ما بعد الشاه عن التحالف الفوري مع أشد الأنظمة استبدادا ودموية كما كان نظام حافظ الأسد آنذاك، أي قبل نشوب الحرب العراقية – الإيرانية، وسرعان ما فقد النظام الإيراني الجديد كل تأييد شعبي في المنطقة، وأصبح كسواه من أنظمة في المنطقة، التي غرقت في حمأة الصراعات البينية على حساب الشعوب والأوطان والثروات المحلية، وعلى حساب أي مكانة تستحق الذكر على مسرح الأحداث والتطورات العالمية والدولية.
هذا ما يسري أيضا على ما جرى تسويقه وما زال جاريا علنا من تحالفات لخوض جولات صراع جديدة. إن الأنظمة العربية التي تتحرك للتحالف مع الأمريكيين والإسرائيليين بحجة التصدي للخطر الإيراني إنما تتحرك على الطريق التي سببت منذ عشرات السنين مزيدا من التخلف والنكبات والصراعات دون أن تكسر قيود التبعية الأجنبية ولا أن تتخلى عن الاستبداد والفساد لتصلح علاقاتها مع الشعوب المنكوبة بها.
وإن ما يوصف بالخطر النووي العسكري الإيراني لا يختلف اختلافا يذكر عن الخطر النووي العسكري الإسرائيلي، وإن ما يمكن اعتباره مشروعا للهيمنة الإيرانية إقليميا لا يختلف اختلافا يذكر عما يعتبر مشروعا للهيمنة الإسرائيلية إقليميا.
وإن الرفض الشعبي العربي للجرائم التي ارتكبتها ميليشيات إيرانية أو تابعة للنظام الإيراني فسببت الكوارث على الصعيد البشري والاقتصادي والسياسي في أكثر من بلد عربي علاوة على فقدان البقية الباقية من تأييد شعبي قديم، لا تختلف بمساراتها وحصيلتها عن الجرائم التي بدأت في فلسطين من خلال منظمات إرهابية صهيونية قبل نكبة ١٩٤٨م وبعدها، وتجددت في الحروب العدوانية التالية حتى حرب احتلال العراق وما تلاها.
كما أن مسارات الثورات الشعبية التحريرية كشفت كيف أحرقت إيران البقية الباقية من أي رصيد شعبي إقليمي كانت تعتمد عليه من حقبة إسقاط نظام الشاه الاستبدادي بتبعيته الأجنبية العلنية، بينما أصبحت إيران نفسها أحوج ما تكون إلى تأييد يسندها في جولات تنافسها أو صراعها مع المشروع الصهيوني الإقليمي، ولن تجد تأييدا شعبيا، فهي تخوض صراعا يقتصر على “حجم” الدور الوظيفي الإقليمي للهيمنة محليا في إطار مطامع ومصالح غربية وأمريكية أوسع نطاقا.
بالمقابل لا يفيد اللعب بورقة تطلع الشعوب العربية إلى مواجهة الخطر الإيراني، ولو كان على ذلك على حساب تطلعها إلى التحرر من أغلال التخلف والاستبداد والفساد؛ فمصالح هذه الشعوب وسواها في المنطقة لا تتحقق من خلال انضواء أنظمة الحكم تحت جناح مشروع إيراني أو إسرائيلي، ومشروع أمريكي أو روسي، ومشروع غربي أو شرقي، إنما تتحقق من خلال مشروع ذاتي مشترك، يستعيد اللُحمة بين الأنظمة والشعوب، بين عرب وعرب، بين مسلمين ومسلمين، بين تيارات وتيارات، داخل القطر الواحد، وفي تحركات ومبادرات عابرة للحدود مع التخلص من سياسات وممارسات تخدم المصالح الأجنبية، على حساب الإنسان والأوطان على كل صعيد، بل وعلى حساب المصالح الذاتية الضيقة للأنظمة نفسها في مختلف الميادين.
وإلى لقاء قادم أستو،دعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب