يزعم من يزعم بوجود شيء اسمه “الاستبداد العادل”، وهذه مغالطة كبرى مع تناقض صارخ، إنما يخدم القائل بذلك استبداد المستبدين.
سيان هل أصاب المستبد أحيانا أم أخطأ؛ فمجرد حرمان إنسان من ممارسة حقوقه الأصيلة أو بعضها استبداد، وفي الشأن الجماعي تتساوى الحقوق الإنسانية الأصيلة في صناعة القرار. إن انتهاك هذه القاعدة هو الاستبداد، وهو المرفوض جملة وتفصيلا حتى وإن حقق المستبد بعض الإنجازات واعتبرها “ثمنا” لاستبداده، وشبيه ذلك ما أطلقوا عليه تزويرا: “المستبد العادل”.
ولكن.. من أين يجزم بعضنا أن البديل “الوحيد” عن الاستبداد هو “الديمقراطية”؟ ألا يذكرنا ذلك بأساطير “منطق الزعيم الأوحد”؟
صحيح أنه ليس بين أيدينا منذ قرون سوى أنظمة استبدادية وأخرى تعتبر نفسها ديمقراطية، وأن إجرام المستبدين ظاهر للعيان، بينما تظهر عيوب الديمقراطيين بين الحين الحين فحسب ويزداد تواتر ظهورها مؤخرا، إنما هل أصبح الخيار الوحيد بين أيدينا هو ما بين السيّئ والأسوأ؟
يوجد من يقول بقابلية طرح نظام حكم أفضل ويعني بالعودة إلى الإسلام بقيمه ومقاصده الكبرى، ولكن ليس الأمر بالتمني والشعارات؛ بل العبرة في التطبيق، والتطبيق لا يصنعه “تصور” بل “مشروع” مدروس واقعي، والمسؤول عن وضع ذك هم أولئك الذين يستوعبون الواقع والعصر لطرح المشروع ثمّ لتطبيقه، فإن أظهروا أنهم على مستوى متطلبات هذه المسؤولية الكبيرة فسوف يجدون التأييد، وآنذاك يمكن أن نصل عبر الرؤية القويمة والتخطيط الرصين والجهد المتواصل إلى نماذج واقعية مرئية، يحترمها ويتطلع إليها ويحتذي بها من ينعم اليوم بميزات يجدها في الديمقراطية ولا يجدها في الاستبداد قطعا، ولكن في الوقت نفسه لا يرى أفضل منها على أرض الواقع.
نبيل شبيب