تحليل
مقدمة أضيفت عام ٢٠١٣م:
على افتراض أن أضرار جريمة استخدام اليورانيوم المنضب في الحروب لم تكن معروفة بما فيه الكفاية قبل استخدامه سابقا، فقد أظهرتها وقائع استخدامه في هذه الأثناء، فما الذي يبرر القرار الأمريكي بتزويد أوكرانيا بهذا السلاح الإشعاعي في الحرب الدائرة مع روسيا؟
دون تبرئة الطرف الروسي أو غض النظر عن جرائمه، يبقى أن أضرار الإشعاعات يمكن أن تصيب الجنود والمدنيين الأوكرانيين أنفسهم عند استخدام الذخائر المنضبة. ويمكن التعرف على ذلك فيما ورد تحت عنوان (اليورانيوم المنضب) في موسوعة شبكة الجزيرة:
استخدم اليورانيوم المنضب في أنظمة الأسلحة الأميركية والبريطانية والروسية والإسرائيلية لما لا يقل عن ١٥ عاما وتم تصديره إلى أكثر من عشرين دولة…
استخدم اليورانيوم المنضب في المعارك التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية في الخليج عام ١٩٩١ وفي البلقان في الأعوام ١٩٩٤ و١٩٩٥ و١٩٩٩، وفي أفغانستان عقب أحداث ١١ سبتمبر / أيلول ٢٠٠١. وأثار استخدام السلاح غضبا عاما عندما ارتفع عدد الجنود الأميركيين والبريطانيين والأوروبيين المصابين بأعراض الإشعاعات التي تتصاعد من اليورانيوم المنضب.
ويعتقد كثير من علماء الفيزياء والأطباء أن غبار أكسيد اليورانيوم الذي استنشقه أو ابتلعه الجنود خلال حرب الخليج الثانية هو السبب أو العامل المساعد فيما عرف بأعراض الخليج التي يشكو منها أكثر من ١٣٠ ألف جندي أميركي وأوروبي من أصل ٦٩٧ ألف شاركوا في الحرب
٠ ٠ ٠
عند الحديث عما يسمى متلازمة البلقان أو متلازمة العراق بين الجنود الأمريكيين العائدين من حروب خارج حدود بلادهم، فالمقصود هو إصابات لا يُعلن لها تفسير طبي مقنع، بينما تشير تقارير عديدة من داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى أنها إصابات إشعاعية. إنما لم تُطرح أبعاد هذه الجريمة سياسيا وإعلاميا في الغرب إلاّ لفترة قصيرة عندما ظهرت أعراض الإصابة على جنود أوروبيين، لا سيما من إيطاليا، وتوفي بعضهم.
ولكن ماذا عن الجنود غير الغربيين؟
ثلاثمائة طنّ على الأقل -وبعض المصادر تقول أكثر من تسعمائة- من اليورانيوم المنضّب الداخل في تركيب أكثر من ٩٥٠ ألف قذيفة، سقطت على العراق في حرب الخليج الثانية، ولكن بقيت المشكلة مطروحة غربيا من زاوية تعرّض جنود غربيين استخدموا تلك الأسلحة وفق الأوامر العليا، فأصابهم بعض ضررها، ويسري شبيه ذلك على المشاركة الأطلسية في حرب البلقان.
القتلى في العراق بمئات الألوف، والضحايا من الأطفال بأضعاف ذلك، والأمراض السرطانية والتهابات السحايا لا يمكن حصرها، والعاهات الولادية عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل ما يسمّى حرب الخليج الثانية، وتضاعفت أكثر بعد حرب احتلال العراق، وقد تحرك بعض أصحاب الضمائر هنا وهناك، ولكن الضجة الكبرى التي أقلقت الرأي العام الأوروبي ردحا من الزمن، بدأت مع مقتل تسعة عشر جنديا أوروبيا بسرطان الدم، مع ترجيح الصلة المباشرة لذلك بعملهم في البلقان.
نستثني نسبة محدودة من أصحاب الضمائر من بين ما يسمّى أحرار العالم، إنما الحديث هنا عن التهاون العام في التعامل مع الإنسان العراقي، العربي، الشرقي، المسلم، وكذلك الافريقي أو الآسيوي، أي مع كل من لا ينتمي إلى حضارة “الإنسان الأبيض”، ولا نغفل عمّا تعنيه هذه الكلمة عنصريا أيضا.
ليست العنصرية طارئا من الطوارئ الحديثة في الفكر الغربي بل هي متأصلة تاريخيا في جانب كبير من تكوين التصورات الفاعلة في السياسات والسلوكيات الغربية الحالية، من عهد رقيق الرومان والإغريق عبر عهود الإقطاع والكهنوت، حتى تغليب عنصر القوة المادية على عنصر الحق حديثا.
بمنظور أهلنا وبلادنا:
ما الذي يدفع المسؤولين في بلادنا العربية، ولا سيما الخليجية، إلى السكوت، ولا نقول السكوت عن ضحايا العراق فقط، بل وعن الضحايا المرجحين في الكويت أولا، أي حيث كان استخدام تلك الذخائر بصورة مباشرة، ثم عموما بين الجنود العرب المشاركين في حرب الخليج الثانية، فهم الجنود الذين كانوا يُدفع بهم إلى المقدمة بعد توجيه الضربات الجوية، وهم من تعرض على الأرجح أكثر من سواهم من الجنود الغربيين، للغبار الملوث والتربة الملوثة وقطع السلاح المدمر الملوث، في ساحة المعركة بعد أن تحولت المنطقة إلى دمار وأشلاء.
أما القول بحساسية الموضوع على العلاقات مع الدول الغربية “الصديقة” فقد رد عليه موقف كالموقف الإيطالي الذي طالب بكل وضوح بوقف استخدام الذخائر المشعة، الأمريكية والبريطانية، تحت الأعلام الأطلسية المشتركة، بعد وفاة ستة أو سبعة جنود إيطاليين بسرطان الدم، فلم يمنع تحالف ولا علاقة مصلحية ولا صداقة وودّ من الموقف الذي فرضته المصلحة الوطنية الذاتية أولا.. هذا في إيطاليا.
إن لحضارة الغرب وجهين، ومن لا يبصر الوجهين معا يمكن أن يدخل جحر الضبّ إذا ما دخلوه.
وأستودعكم الله ومعكم جنس الإنسان في عالمنا وعصرنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب