تحليل
في فرنسا، بعد ازدياد الشكاوى من مظاهر التمييز العنصري في تعامل كثير من عناصر الشرطة مع من يوحي مظهره أو لون بشرته بأصوله العربية أو الإسلامية، لا يُصنع ما ينبغي للحد من التمييز العنصري، بل يصدر بغالبية أصوات حزب ماكرون الحاكم قانون جديد يعطي الأولوية لأمن الشرطة، مثل منع تصوير العناصر التابعين لها أثناء فض المظاهرات أو تنفيذ عمليات الاعتقال، ومثل تسهيل مراقبة الشرطة لآلات التصوير العامة، وتسهيل مواجهة المظاهرات على مستوى البلديات، وجميع ذلك وسواه مع ضمان عدم تعرض عناصر الشرطة للمساءلة والمحاسبة.
في فرنسا، بعد اعتراض مظاهرات شعبية ومنظمات حقوقية على مشروع قانون كان يحمل عنوان: مكافحة الإسلام الانفصالي، أُدخل على نصوصه بعض التعديلات التجميلية الطفيفة، وأْعطي عنوانا آخر، فصدر يوم ٢٣ / ٧ / ٢٠٢١م، تحت ذلك العنوان: قانون تعزيز قيم الجمهورية.
ويتساءل المسلمون في فرنسا وخارج فرنسا: هل الإسلام هو المستهدف؟
التصريحات الرسمية تنفي ذلك، ولكن نجد في محتوى نصوص القوانين الجديدة وما يترتب عليها:
١- مراقبة الأسر التي تلجأ إلى التعليم الخاص كتدريس العربية والإسلام لأطفالها.
٢- حظر الحجاب في كافة مؤسسات التعليم ما قبل المرحلة الجامعية.
٣- فرض التثقيف العلماني بحيث يكون إلزاميا على كافة موظفي القطاع العام.
٤- منع المرضى من اختيار الأطباء / الطبيبات وفق جنسه / جنسها، لاعتبارات دينية أو غير دينية.
٥- فرض الرقابة على المؤسسات الدينية وإدارتها وتمويلها وأنشطتها.
بالإضافة إلى فرض عقوبات بالسجن والغرامات المالية الباهظة لأسباب عديدة.
مرة أخرى: هل الإسلام هو المستهدف؟
قد يصح استنتاج ذلك من خلال بعض الأمثلة على التطبيقات الأولى للقوانين الجديدة ومنها:
١- إقالة أئمة مسلمين بأوامر من وزير الداخلية الفرنسي، كالإمام مادي أحمدا، بدعوى قراءته آيات من سورة الأحزاب خلال خطبة عيد الأضحى، إذ رأت الداخلية الفرنسية أنها تتنافى مع قيم الجمهورية العلمانية.
٢- فصل إمام آخر من مسجد جينيفيلييه بسبب انتقاده ألبسة بعض النساء في خطبة سبقت صدور قانون القيم المذكور.
٣- منع تدريس اللغة العربية والدين في بعض المساجد كمسجد عمر بن الخطاب في باريس بعد مداهمة الشرطة له.
ويقول رئيس جمعية الإيمان والعمل المشرفة على هذا المسجد ومساجد أخرى، حمادي الهمامي، إنه في الوقت الذي يسمح للأطفال المسيحيين بالذهاب إلى الكنائس لتعلم دينهم، يمنع أطفال المسلمين من تعلم دينهم في المساجد بحجة أن الفصول الدراسية تحتاج لموافقة خاصة.
الجدير بالذكر هنا عدم جدوى الحديث عما صدر باسم جهات إسلامية فرنسية، تحت عنوان: ميثاق مبادئ شؤون المسلمين، فحسب نصوص ذلك الميثاق بدا وكأنه يستهدف اصطناع إسلام علماني فرنسي وإن لم يتوافق مع النصوص الإسلامية نفسها، وقد صدر الميثاق في مطلع سنة ٢٠٢١م تحت الضغوط الرسمية العلنية، ومن ذلك تهديد ماكرون نفسه بقوله: في حال لم يوقع البعض على هذا الميثاق، فسنضع عواقب لذلك، كما ذكرت محطة أويرونيوز الأوروبية يوم ١٧ / ١ / ٢٠٢١م.
الحصيلة:
١- مع التأكيد أن الوجود الإسلامي في الدول الغربية لا يمكن أن يكون صورة طبق الأصل عما ينبغي أن يكون في بلدان بغالبية سكانية من المسلمين، ناهيك أن يصبح الإسلام فيها مصدرا لتوجيه مناحي الحياة…
٢- مع التأكيد أنّه إن وجد من يسعون لذلك في بلد غربي كفرنسا، فلا يمثل ذلك إلا أقلية لا تذكر من مجموع المسلمين فيه، مقابل وجود نسب أعلى بكثير لمتطرفين يساريين ويمينيين من مجموع السكان أو مجموع غير المسلمين من السكان…
٣- مع التأكيد أن المسلمين في الغرب لا يمثلون بغالبيتهم العظمى جاليات وافدة بل جزءا من المجتمعات القائمة، بالولادة أو وفق أصولهم الغربية الأولى، أو بالجنسية المكتسبة…
٤- مع التأكيد أن العلمانية المتشددة بقوانينها وساستها في فرنسا حالة شاذة في العالم الغربي…
مع تأكيد ذلك كله ينبغي التأكيد أيضا أنه لا فائدة من ردود أفعال متشنجة تجاه التحركات القانونية وغير القانونية الرسمية الجديدة في فرنسا، فكما أن أسلمة العلمانية مستحيلة كذلك فإن علمنة الإسلام مستحيلة، في الغرب وفي سواه من أرجاء العالم، إنما يسيء المتطرفون، أيا كانت توجهاتهم، من مواقعهم الرسمية ومن خارجها، إلى المجتمعات التي يتطرفون في نطاقها، وهم الذين يعرضون مستقبل أهلها ومبادئها وقيمها للخطر، وهذا بالذات ما يرتكبه إيمانويل ماكرون ورهطه في الوقت الحاضر.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب