المؤتمر الوطني للإنقاذ سورية

الميزة الأكبر تجنّب الإقصاء

هيئات

المحتوى:

هل نجح المؤتمر أم أخفق؟

الإطار العام لدور مؤتمر الإنقاذ

بطولات الثوار وجهود الناشطين

توحيد المعارضة السورية.. هدف واقعي؟

– لا يخلو مؤتمر أو مبادرة من أخطاء وسلبيات وهذا ما يسري على المؤتمر الوطني للإنقاذ، إنما المعيار هو حجم ذلك بالمقارنة مع الإيجابيات

– الخطأ الأكبر هو ممارسة إقصاء الآخر من الحاضنة الوطنية المشتركة، بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عبر الحرص على إعطاء ثورة الشعب في سورية صيغة يغلب فيها لون معين يتناقض مع ما تعبّر عنه غالبية فعالياتها في الداخل، وهذا ما يسري على عدد من المؤتمرات والمبادرات، ظهرت قبل المؤتمر الوطني للإنقاذ وبعده.

وقد وصلت ثورة الشعب في سورية إلى منعطف بالغ الأهمية، عبر تواصل البطولات المذهلة، واحتراق أوراق النظام الاستبدادي الفاسد في مواجهتها.. فبات أمر سقوطه مفروغا منه، وبات التساؤل عن كيفية ترسيخ دعائم الدولة بعد استرداد الوطن تساؤلا ملحّا.

لعلّ عامل اللحظة المناسبة هذه لعب دورا في تركيز الأنظار على المؤتمر الوطني للإنقاذ يوم ١٦ / ٧ / ٢٠١١م، فضلا عن أسباب عديدة أخرى، بدءاً بتوافر إجماع وطني واسع على شخصية هيثم المالح استنادا إلى عنصري الثبات والنقاء في تاريخ تعامله مع الواقع السوري منذ عشرات السنين، انتهاء بتميز مبادرته هذه بالحصول على نسبة متزايدة من أصوات التأييد في أوساط الثائرين، مع الحذر حينا ومع تأكيد الالتزام بمسار الثورة حينا آخر.

هل نجح المؤتمر أم أخفق؟

على أنّ هذه الأسباب وسواها رفعت سقف الآمال المنعقدة على المؤتمر، وبالتالي سقف التوقعات إلى درجة استحالة تحقيقها موضوعيا، فضلا عن عدم ادّعاء التطلع إلى تحقيقها من جانب القائمين على التحضير للمؤتمر، إنّما كان الهدف الممكن والمعلن من البداية هو السعي ليكون المؤتمر منطلقا (أو خطوة حاسمة كي يكون التواصل من خلاله منطلقا) نحو النقلة النوعية الضرورية بين عهد استبدادي فاسد يستحيل استمراره وعهد مستقبلي منشود تتطلب نشأتُه الأولى جهودا ضخمة.

مع ارتفاع سقف التوقعات المسبقة يرتفع سقف معايير النجاح والإخفاق، هذا رغم أن المؤتمر عبارة عن لقاء أوليّ، ليوم واحد، بحضور مجموعة كبيرة، يعبّر عدمُ تجانسها عن التعددية المراد تثبيتُها نهجا مستقبليا، ولم يسبق أن التقى معظم أفرادها، ومنهم من ولد خلال عهد الاستبداد الطويل فلم يعايش بنفسه في الواقع السوري ما يعنيه الالتزام بالتعددية. هذا إضافة إلى تغطية إعلامية مكثفة، ضاعفت الاهتمام وساهمت في رفع سقف التوقعات والمعايير، لا سيما بطرح التساؤلات عن النجاح -إلى درجة التشكيك- من قبل أن يُختتم المؤتمر وتظهر حصيلته فعلا.

موضوعيا ينبغي قياس النتيجة على الهدف المسبق المعلن، وهنا نجد في ختام المؤتمر تطابقا نسبيا مع ما أُعلن ساعة افتتاحه هدفا له، وهو انتخاب هيئة مؤلفة من ٢٥ شخصا (تضمّ ٥٠ آخرين من الداخل) للقيام بالخطوات التالية، فضلا عن بيان ختامي يحدد موقع المؤتمر في مجرى الثورة.

الإطار العام لدور مؤتمر الإنقاذ

منذ تثبيت المعالم الأولى للمبادرة، ومع ظهور شخصية هيثم المالح من ورائها ومعه عدد من الشخصيات المعروفة، مثل عارف دليلة ومنتهى الأطرش ووليد البني وغسان النجار وغيرهم، ظهر الحرص على أن يكون هذا التلاقي التعدّدي انتماء وتوجّها سياسيا، مدخلا إلى التعبير عن وحدة الشعب السوري وثورته وتثبيتها. كما ظهر الحرص على شمول المبادرة لقطاع كبير من المعارضين والناشطين في الشتات أيضا، فتقرّر انعقاد مؤتمرين توأمين، أو شقّين لمؤتمر واحد، أحدهما في دمشق والثاني في إسطنبول.

لعلّ هذا ممّا ضاعف إحساس السلطات الاستبدادية بالخطر، فتدخلت عبر محاولة دموية لتقويض مساره، وقتلت بالرصاص الحيّ أكثر من عشرة متظاهرين أبرياء في حيّ القابون بدمشق، حول القاعة المخصصة لانعقاد مؤتمر الداخل، فتقرّر الامتناع عن اللقاء لتجنّب مزيد من الشهداء من عامّة أهل الحيّ. على أن المجتمعين في إسطنبول -وقد تجاوز عددهم الخمسمائة- وجدوا بعض العزاء في حديث غسان النجار ووليد البني من وراء الحدود، يؤكّدان الحرص على أداء المهمة المطلوبة وإن تأجّل تنفيذها.

يظهر للعيان على هذه الخلفية أن السؤال “هل نجح المؤتمر أم أخفق؟” كان متسرّعا، ويُفترض للرؤية الموضوعية تثبيت بعض المحدّدات الرئيسية لموقعه في نطاق مجرى ثورة شعب سورية على الاستبداد والفساد، ومن ذلك:

١- هدف الثورة الأول الثابت هو إسقاط النظام، وهو هدف مفروغ منه شعبيا.. وهو أوّل منطلقات المؤتمر ومن موجبات انعقاده، مع تأكيد (أ) أنّ إسقاط النظام هو ما يعمل له الحراك الثوري داخل سورية، و(ب) أنّ مصداقية الخارج مرتبطة بدعم الحراك الشعبي الداخلي، و(ت) أنْ ليس لأحد حقّ الوصاية عليه، بل لا يمكن ذلك واقعيا.

٢- كل شكل من أشكال الحوار مع النظام القمعي المتهالك أصبح مستحيلا، وهذا بدوره أمر مفروغ منه من قبل انعقاد مؤتمر الإنقاذ ولا يوجد في وثيقة مبادئه ولا في نتائجه ما يفتح بابا مباشرا ولا مواربا على هذا الصعيد أو يمهّد له.

الجدير بالذكر على صعيد هذين المنطلقين أنّ مؤتمر الإنقاذ مضى خطوة أبعد من خلال التأكيد المتكرّر أنّ النظام القائم فاقد للمشروعية بمختلف المعايير منذ زمن بعيد، ورسّخ ذلك بنفسه عبر ما صنعه أثناء الثورة، وبالتالي فإن إسقاطه واستحالة الحوار معه أمران محتمان أصلا، فلم يعد السؤال المطروح: كيف يسقط، بل كيف يتم الإعداد للفترة التالية لسقوطه.

3- مؤتمر الإنقاذ جزء من جهود مبذولة، فهو لم يعتبر نفسه بديلا عن مؤتمرات وبدائل أخرى، بل يريد متابعة التواصل مع جميع الأطراف إلى أن تنشأ أرضية مشتركة للمعارضة السورية كما ذكر المالح في ختام المؤتمر، وهو ما يراد منه أن يواكب مسار الثورة، حتى إذا سقط النظام لا يكون “الفراغ السياسي والدستوري” سبب اضطرابات ما  في مرحلة انتقالية تالية.

بطولات الثوار وجهود الناشطين

لا يخفى أن التجارب الحية عبر مسار الثورات العربية تثير لدى الثوار في الداخل السوري، تساؤلات محقة تجاه كل نشاط أو تحرك أو موقف يصدر عما يوصف بالمعارضة التقليدية، ومن التساؤلات:

– لم يتحقق إسقاط النظام وإنهاء الاستبداد والفساد عبر عدة عقود، فما الذي يمكن أن تصنعه الآن؟

– ألا يمكن أن يميّع تحرّكها الآن هدف الثورة الأول: إسقاط النظام؟

– ألا يحتمل الالتفاف على هدف التغيير الجذري عبر حوار ما مع نظام أثبت هو استحالة الحوار معه؟

رافقت هذه التساؤلات مؤتمر الإنقاذ أيضا، وإن تراجعت حدتها جزئيا من قبل انعقاده، وعلى أي حال انعكس مفعولها في تأكيد المؤتمر نصا التمسّك المطلق بهدف إسقاط النظام والرفض القاطع لمختلف أشكال الحوار، باستثناء لحظة تسليم السلطات للشعب على افتراض تسمية ذلك “حوارا”!

وينبغي التأكيد بالمقابل أنّ ظهور التساؤلات أمر طبيعي، وغيابها غير طبيعي، فهي من صميم روح الثورة والتصميم الشعبي على المضيّ بها نحو النصر مهما بلغت التضحيات، وقد تضاعف القلق لدى صانعي الثورة في الداخل، نتيجة بعض المواقف المبهمة في صياغتها، وبالتالي القابلة للتأويل في اتجاه تجاوز الخطوط الحمر التي رسمتها دماء الضحايا في ميادين الثورة.

إنّ مؤتمر الإنقاذ الذي يدعم الثورة ولا يقودها ولا يعتبر مهمته بديلا عنها، بل مرتبطة بها وبطريقها، وهي: التعاون والتواصل من أجل وضع رؤية مستقبلية لسورية في مرحلة ما بعد الثورة، لم يتجاوز “الخطوط الحمراء” ولا يمنع ذلك من التأكيد تجاه مؤتمر الإنقاذ وسواه: لقد بلغ الشعب الثائر من الوعي ما لا يترك ثغرة أمام انحرافٍ ما بثورته، فمن يخاطر بذلك يخاطر بوجوده هو نفسه في ميدان قضية سورية، وليس بالثورة الماضية نحو هدفها دون انحراف.

توحيد المعارضة السورية.. هدف واقعي؟

من أسباب بعض اللغط حول المؤتمر أثناء انعقاده، ظهور تصوّرات متعدّدة مختلفة عن بعضها بعضا ما بين أكثر من طرف شارك في المؤتمر، وهو ما كان علنيا أمام عدسات التصوير والبث المباشر، ولا يمكن الدخول في التفاصيل في حدود ما يوجبه الإيجاز من جهة، والاعتقاد بعدم جدوى الخوض في التفاصيل من جهة أخرى، فيكفي الختام بتأكيد عدد من النقاط الرئيسية:

١- الدعوة إلى توحيد المعارضة السورية قائمة على أمرين: (أ) أحدهما الأمل العام بهذا الصدد فوحدة المعارضة وضع “مثالي”، وهنا تكمن المشكلة، أي في حقيقة أن هذا الأمل غير واقعي (ب) ثانيهما حملة تضليلية مقصودة من جانب النظام الاستبدادي بدعوى ضرورة ظهور صوت واحد للمعارضة يطرح مطالبها للتحاور حولها.

٢- الأصل هو التعددية وليس التوحيد، ويمكن الالتقاء على “قواسم مشتركة” وهي في الحالة السورية: إسقاط النظام وتطبيق نهج التعددية، والكلمة تنطوي ذاتيا على وجود تصوّرات ومناهج مختلفة، متعدّدة.

٣- الواقع القائم الآن قريب من حيث الأساس ممّا يراد أن يستقر في مستقبل سورية، ولا يكاد يوجد في أي بلد من البلدان المستقرة (سياسةً ونظاما: “حكومة ومعارضة”) بنية هيكلية موحّدة لأطراف المعارضة، إلا في حالات استثنائية، إنّما يلتقي الجميع على كليّات كبرى من قبيل المصالح العليا، أو تحكيم الإرادة الشعبية، وغير ذلك، ويختلفون جميعا على ما يتجاوز هذه الكليات الكبرى.

٤- لا تتطلّب المرحلة الآنية توحيد المعارضة بل إيجاد أرضية تقوم على القواسم المشتركة والقدرة على التعامل بموجبها دون ممارسات الإقصاء بمختلف أشكاله.

الواقع أن “توحيد المعارضة” هدف يتناقض موضوعيا مع مقتضيات الالتزام بالتعددية، ومن يستخدمه يقصد واقعيا بلوغ درجة عالية من التنسيق على قواسم مشتركة تلتقي تحت سقف المصلحة العليا. وقد تكرّر الحديث عن “توحيد المعارضة” في اسطنبول، كما انعكس على أرض الواقع من خلال حضور د. برهان غليون المعروف، والناشط في إطار مؤتمرات ومبادرات أخرى، وقد دعا هو أيضا إلى التواصل بين المسؤولين في الهيئات التي أسفرت وتسفر عنها هذه الأنشطة، ليمكن التوصّل معا إلى طرح مشترك بين أطراف المعارضة.

وأستودعكم الله وأستودعه سورية وسائر بلادنا وشعوبنا ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

التغييرالمؤتمر الوطني للإنفاذ - سوريةثورةسوريةهيثم المالح