ــــــــــ
الكاتبة: “كبرى جوموشيه – Kübra Gümüsay”
الطبعة الأولى كانون ثاني / يناير ٢٠٢٠م
دار نشر هانزر – Hanser في برلين
طبعة خاصة: المركز الاتحادي للتوعية السياسية
* * *
كتبت مارتينا لويبلي في جريدة “نويه تسوريخر” السويسرية يوم ٢٦ / ١ / ٢٠٢٠م تقول:
“هذا كتاب يحررنا مع مناشدة بجودة أدبية راقية وقوة سياسية مؤثرة”.
وكتبت كاترينا تويتش في أسبوعية “دي تسايت” الألمانية يوم ٣٠ / ١ / ٢٠٢٠م:
“مرافعة حافلة بالمشاعر دفاعا عن التنوع الثقافي، إنه كتاب “اللغة والكينونة” المنعش كندى الفجر، إذ يحاول بالحجج الناجعة والأمثلة الواضحة إحياء العالم مجددا”.
وجاء في برنامج الفنون الغربية في إذاعة “غرب ألمانيا – WDR” يوم ٧ / ٣ / ٢٠٢٠م القول:
“هذه دعوة حيّة من أجل تفهّم أكبر ومجتمع أعدل”.
وجاء بقلم نيلس مينكمار قوله في مجلة “دير شبيجل” يوم ٧ / ٣ / ٢٠٢٠م أيضا:
“اللغة والكينونة، كتاب يفكّك حاضرنا ويوضح ما يربط بيننا، وهو التطلع إلى أن نتكلم بحرية كما كنا يوم نطقنا لأول مرة”.
ويوم ٢٦ / ٣ / ٢٠٢٠م أعلنت لجنة التحكيم للقائمة الدورية لأكثر الكتب رواجا وفق أسبوعية “دي تسايت” اعتبارها هذا الكتاب:
“كتابا من أجل مجتمع يستطيع أفراده الحديث مع بعضهم رغم تنامي الاختلافات”.
وفي إذاعة “وسط ألمانيا” قالت بيتينا بالتشيف يوم ٢٠ / ٥ / ٢٠٢٠م في برنامج ثقافي:
“إنه دعوة شخصية ومنعشة ألا نعتبر نظرتنا إلى العالم بدهية مفروغا منها وألا نرفض وجهات النظر الأخرى أو نخشاها”.
وكتب تيلمان فارنئيكي في جريدة “تاجس شبيجل” يوم ٢٣ / ٦ / ٢٠٢٠م أنه كتاب:
“فائق التفاعل مع الواقع، ولا غنى عن قراءته”.
هذا غيض من فيض ما تلاقى عليه النقاد عبر مختلف وسائل الإعلام الناطقة بالألمانية فيما نشروه عام ٢٠٢٠م حول هذا الكتاب، ولا يزال بين يدي كاتب هذه السطور المزيد من الأمثلة كقول مرجريت ستوكوفسكي: “هذا كتاب بالغ التأثير أدبيا وسياسيا في وقت واحد”، أو قول سياني صوفيا هودر: “أطروحات كبرى جوموشي صيحة إيقاظ لنا”.
والواقع أن الكتاب شغل في عام ٢٠٢٠م لعدة أسابيع مرتبة متقدمة في القائمة الأسبوعية لأكثر الكتب رواجا في ألمانيا، ولعل من أبلغ ما يعبر عن قيمة محتواه أن المركز الاتحادي للتوعية السياسية (وهو مؤسسة شبه حكومية، ذات مكانة معتبرة فكرا ونشاطا وعلى مستوى راقٍ ثقافة وإنجازا) طلب من دار نشر هانزر في برلين، أن تخصص له طبعة خاصة لنشرها باسم المركز ضمن مواده ذات المستوى الرفيع في ميدان التوعية السياسية.
* * *
قليلا ما تعرف ساحة الناقدين مثل هذا التلاقي على تفاعل إيجابي مع كتاب جديد كما كان مع هذا الكتاب بقلم “كبرى جوموشي – Kübra Gümüṣay”، وهي من مواليد ١٩٨٨م في مدينة هامبورج شمال ألمانيا، حيث كانت تعيش أسرتها من أصل تركي. وبدأ ينتشر تأثيرها عبر الإعلام في وقت مبكر، حتى أصبح لها – وهي في الثانية والعشرين من العمر – عامود تحرير ثابت في جريدة “تاجس تسايتونج”، وقد أعطته عنوان “الحجاب”، وسردت فيه تباعا ما كانت تعايشه من قصص واقعية في حياة فتاة مسلمة ترتدي الحجاب في ألمانيا، و”كان حجابها يعبّر عن فخرها وحرصها على أن تظهر إسلامها علنا”، كما كتب عنها في الموقع الشبكي لمجلة “دير شبيجل” ، الكاتب والإعلامي المعروف ماتياس ماتوسيك.
واظبت كبرى على هذا العامود ثلاثة أعوام، إنما عُرفت بكتاباتها قبل ذلك، منذ عام ٢٠٠٨ بمدونتها الشبكية المتميزة، تحت عنوان “قاموس الكلمات”، وكان الإقبال كبيرا على ما تكتب فيها من ميادين العالم الافتراضي والسياسة والحركة النسوية والمجتمع والإسلام، ورُشّحت المدونة لجائزة “Grimm”، ولم ينقطع عطاء قلمها أثناء دراستها العلوم السياسية في هامبورج، ثم مع زوجها علي أصلان في كلية الاستشراق والدراسات الأفريقية في لندن.
وساهمت كبرى في أنشطة عديدة علاوة على مساهماتها التحريرية في عدة كتب تدور حول واقع الوجود الإسلامي في ألمانيا، وحول قضايا الاندماج الإيجابي وما تعترضه من مشكلات، وبرزت من خلال مشاركاتها في مشاريع عديدة مما يفتح أبواب الأوساط الثقافية والإعلامية أمام الناشطين من جيل الشبيبة من المسلمين، مع دعمهم على أرض الواقع العملي والعلمي، ولعل من أشهر أنشطتها على هذا الصعيد المشاركة في تأسيس منتدى “العجلات المسنّنة – Zahnräder”، وفي توجيه أنشطته فترة من الزمن.
إنما يبقى هذا الكتاب الذي صدرت الطبعة الأولى منه مطلع عام ٢٠٢٠م تتويجا لما سبقه من عطاءات المؤلّفة، وربما بداية للمزيد من العطاء المرجو في مجال التأليف والنشر، فمحتوى الكتاب يشهد على قدرة متميزة للإبداع في الأفكار المطروحة وفي الأسلوب المتبع لبيانها.
* * *
يضم الكتاب أكثر من ٢٠٠ صفحة من القطع المتوسط، في عشرة فصول اختتمت بثلاث صفحات تحت عنوان “شكر”، مع تقديم بالآية الكريمة من سورة الروم [وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ] الآية – ٢٢.
ويمكن أن يظهر إبداع أسلوب التعبير لدى الكاتبة من خلال الإهداء بكلمات تقول:
(إلى من عبّدوا الطريق لنا ومضوا أمامنا دون أن تظهر كينونتهم للعيان..
إلى الطفل الذي أمسك يدي بلين وطاف بي في أنحاء العالم)
ففي هاتين العبارتين ما يعبر عن الفكرة التي نذرت كبرى لها الكتاب، حيث تتداخل كلمات اللغة مع الأفعال السلوكية وتصنع نوعية كينونة الفرد ونوعية العلاقات الاجتماعية على محاور ما يتراكم من ذلك، من جيل إلى جيل، بدءا بجيل مضى وقد عبّر من خلال ما صنع عما أراد، انتهاء بجيل قادم يعبر عن نفسه من قبل أن ينطق أو من خلال التعبير عن نفسه بلغته طفلا. وتستكمل فكرة الكتاب عقب الإهداء بعبارة مقتبسة من جلال الدين الرومي: “بين الصواب والخطأ يوجد فناء لنلتقي فيه”.
عناوين فصول الكتاب وحدها كافية لتنطلق بالقارئ عبر لوحة أفكار الكاتبة، خطوة بعد أخرى، لتصل به بأسلوب أدبي مشوّق، ونصوص ترسم مشاهد شبه قصصية، إلى غاية مرسومة، قد لا تظهر في عبارة مباشرة وواضحة، إنما لا ينقطع التعبير عنها بما فيه الكفاية لتنشيط دافع التغيير الذاتي. وعناوين الفصول هي على التتالي: سلطان اللغة، ما بين اللغات، الفجوة سياسية، التفرّد كميزة، علم دون قيمة، خادمة التنظيف المثقفة، جدول أعمال اليمينيين، العقيدة المطلقة، الكلام بحرية، الكلام الجديد.
في الفصلين الأخيرين يظهر ما وصفه كثير من النقاد بالدعوة أو النداء بأسلوب لين ومفعول كبير للتواصل والتفاعل من خلال لغة لا تتحول إلى ضغوط وقيود تمنع من تطور كينونة فردية وكينونة المجتمع عبر علاقات إيجابية.
والحديث عن المحتوى لا يغني عن قراءة الكتاب نفسه، إنما يمكن طرح تصور جزئي عنه بالوقوف عند أحد فصوله، وليكن الفصل الخامس بعنوان “علمٌ دون قيمة” وتفتتحه الكاتبة باقتباس من أقوال الفيلسوف الفرنسي المصنف تحت عنوان ما بعد الحداثة، ميشيل فوكو: “ليس من الضروري أن أعلم ما أنا تماما، ولكن أهم ما في الحياة أن يصبح المرء على شاكلة لم يكن عليها من قبل”، في إشارة إلى أهمية أن يطوّر المرء نفسه من حال إلى آخر عندما يكتشف أنه لم يكن على صواب فيما يقول ويفعل.
على خلفية ذلك تنطلق كبرى بأسلوبها القصصي، ومن الأمثلة والشواهد من واقع ما يعايشه القارئ في مجتمعه بصورة مباشرة، مع إعطاء ذلك أرضية حجج منطقية، تدفع إلى الاقتناع بضرورة العمل لتغيير ما هو عليه نحو “شاكلة” جديدة، وتتحدث أولا عن دراسات أمريكية حول تأثير مقولات نمطية شائعة في الولايات المتحدة الأمريكية، مثل “البنات لا يحسنون في الرياضيات” أو “الآسيويون يحسنون الرياضيات” فيتساءل أصحاب تلك الدراسات، ما الذي تعنيه هذه المقولات التي تتردد وكأنها بدهيات، بالنسبة إلى فتيات آسيويات الأصل، ولدن ونشأن في الولايات المتحدة الأمريكية”؟
وقد ظهر من تجارب عملية لتحصيل جواب منهجي، أنّ ما يقال نمطيا ودون دليل عن فئة من الفئات يؤثر على الحدود التي تتحرك ضمنها تلك الفئة في الواقع العملي، فتتصرف عموما داخل هذا النطاق دون وجود مانع حقيقي لتتجاوزه، وهذه صورة من صور تأثير اللغة التي نستخدمها حول إنسان بحيث تصنع قيودا ذاتية على تطور كينونته الفعلية في الواقع المعاش. وتنتقل الكاتبة إلى جمهور قراء كتابها باللغة الألمانية، فتصف ما يعنيه ذلك في المجتمع الألماني كما يظهر من مثال مشردة سورية تعيش في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، وقد ركزت على دراسة اللغة الألمانية وتحصيل الشهادة الثانوية، وعايشت في المدرسة كيف اختلفت إحدى المعلمات مع فتى سوري لاجئ، وتحول الاختلاف إلى مشادّة بينهما حول الإسلام، وفي اليوم التالي وقعت جريمة إرهابية قرب ميونيخ سقط تسعة أشخاص ضحية لها، وكانت المعلمة على ثقة بأن ذلك الفتى السوري هو الذي ارتكب الجريمة، وتحدثت بالفعل مع الطلبة عن عزمها تبليغ الشرطة، فلما ظهر أن مرتكب الجريمة لم يكن مسلما أصلا، قالت المعلمة: “لا شك أنه كان يعاني من اضطراب نفساني” وهنا تساءلت إحدى الطالبات ما إذا كانت المعلمة ستقول ذلك عن الفتى المشرد السوري لو كان فعلا هو مرتكب الجريمة، ثم علام لا يذكر التبرير بالاضطراب النفساني بحق أولئك المشردين، إذا ما انحرف أحدهم وارتكب عملا مرفوضا، وهم قد عايشوا ما عايشوا من دماء وقتل واضطهاد، ما من شأنه تسبيب حالات نفسانية خطيرة؟ ثم تابعت تلك الطالبة – وكانت أفغانية الأصل – ثم ما الذي يقال عن القتلى الأفغان من ضحايا الهجمات الأمريكية، “ألسنا بشرا، هل نحن حيوانات؟!”.
ويستخلص القارئ من هذا الفصل ما يمكن أن ينطبق عليه هو نفسه؛ لا يستهان بتأثير ما يقال على وجه التعميم عن فئة من الفئات وعن معتقداتها وعاداتها، ولكن سيان كم يعلم المرء عن حقيقة تلك الفئة وعن المعتقدات والعادات، لا يبقى الكثير من القيمة لذلك العلم في مواجهة مفعول تلك الشائعات والأحكام المسبقة، أي مفعول لغة من نوعية معينة تفقد المعلومات قيمتها، بمعنى فاعليتها.
نبيل شبيب