رأي
منذ مرحلة الاحتلال العسكري الأولى بفلسطين -أو النكبة الأولى كما توصف- كان واضحا حجم الخطر الكبير المتفاقم عبر ما يصنع العدو، وما يرتكب من مذابح وينفذ من مخططات الاستيطان الأولى، على حساب الأرض وأهلها والمنطقة ومستقبلها، ولكن بقي الخطر الأكبر بمغزاه ونتائجه هو خطر الطعنات الغادرة في الظهور تحت عناوين تزعم خدمة قضية فلسطين.
هذا ما تكرر في نكبات تالية ووصل إلى أقصى درجات العلنية الاستعراضية في الوقت الحاضر، فأصبح يتجسد في مشهدين متزامنين:
مشهد عمليات القتل المتوالية للمرابطين القابضين على الجمر في أكناف الأقصى وما حوله من الأرض المباركة، وهو مشهد يؤكد أيضا أن إجرام العدوان المتفاقم لا يطفئ شعلة المقاومة الشعبية المشروعة ولا يدفع للتنازل عن هدف التحرير المشروع…
يقابل ذلك مشهد السقوط في حمأة ما يوصف بالتطبيع وتبجح أتباعه بمضمونه وتوقيته ليأخذ صورة طعنات غادرة في ظهور الشهداء وأهلهم، وكأن من يمارسون ذلك يقولون: مهما بلغت بشاعة الجريمة الجارية في الأرض المباركة، سيستمر الإصرار دون حياء على دعم مرتكبيها.
يبقى اليقين بأن ما يصنع علنا في الموجة الأخيرة لتطبيع الأنظمة في القطاع التجاري وغير التجاري، لن يوصل إلى أي صيغة من صيغ التطبيع على مستوى الشعوب، بل سيكون مصيره كمصير ما مضى عليه بضعة وأربعون عاما وحمل عنوان نكبة كامب ديفيد وما تلاها في وادي عربة.
. . .
ويوجد جانب خطير آخر في مسار الأحداث إذ نرصد ممارسات أخرى تكشف الصيغة التنفيذية للمشاركة في مسارات التطبيع، ودعمها مضمونا وتوقيتا، ومحور تلك الممارسات هو العمل على اغتيال الإرادة الشعبية في المنطقة، ومن ذلك أثناء الأحداث الأخيرة في الأقصى وما حوله، على سبيل المثال دون الحصر:
في تونس: خطوة أخرى استهدفت القضاة، ضمن استهداف سيادة شعب تونس على حق تقرير مصيره ومستقبل ثورته التحررية…
في سورية: التعامل بحسّ متبلد مع الكشف الموثق عن مذبحة حي التضامن الدمشقي، وفي ذلك بيان الإصرار الاستعراضي إقليميا ودوليا على التعامل مع همجية الطغيان الاستبدادي تعاملا متبجحا علنيا لنشر التيئييس، وإحباط عزائم المتشبثين بأهداف الثورة والتحرر حتى الآن…
في مصر: تصدر أحكام صورية جديدة استهدفت فيمن استهدفت من يعمل في قطاع تحرير الإعلام من الاستبداد ليتزامن ذلك مع اغتيال عدد من زملائهم بفلسطين لاسيما شيرين أبو عاقلة وغفران وراسنة…
يمكن ذكر مزيد من رسائل مشابهة من المنطقة العربية والإسلامية، ويبقى المغزى المحوري لها واحدا، هو أن بلادنا وشعوبنا وقضايانا الحيوية تتعرض في وقت واحد إلى هجمات عدوانية ضارية، أجنبية خارجية، ومحلية غادرة.
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا وذاك سيحقق بعض أهدافه، إنما لن يطول أمد ذلك وسيكون من ردود الفعل على هذه الضغوط أن تشهد المنطقة انفجار مساعي التحرر من جديد، وهو ما لن يتوقف آنذاك عند حدود ما وصلت إليه الثورات الشعبية التغييرية خلال عقد ونيف من الأعوام.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب