ورقة بحثية
تناولت هذه الورقة البحثية كلمة العالم الإسلامي كمصطلح متداول، كما تناولت شروط تطبيع العلاقات مع العالم الغربي على خلفية الخطبة التي ألقاها باراك أوباما في القاهرة، عقب توليه منصب الرئاسة الأمريكية، والتي جرى تصويرها وكأنها عرض حقيقي طرحه من أجل تعاون حقيقي مع العالم الإسلامي.
العالم الإسلامي بين دلالات المصطلح وظلال الواقع
وردت كلمة العالَم في صيغة الجمع “العالَمين” في القرآن الكريم مرارا، واستخدمت في اللغة العربية بمعناها المألوف، وصفا لجمع من المخلوقات، يشترك في صفة تميزه عن سواه، وإن كان في نطاقه تنوع وتعدد كبيران، بدءا بكلمة العالم التي تشمل البشرية، مرورا بعوالم الحيوانات والنباتات، انتهاء بما انتشر استخدامه في تعابير العالم الغربي والعالم الإسلامي والعالم العربي وما شابه ذلك، كما انتشر شبيه ذلك الاستخدام المتعدد للألفاظ الأجنبية المرادفة لهذه الكلمة في لغات عديدة.
يمكننا القول بادئ ذي بدء إذن، ليس في قولنا “العالم الإسلامي” ما يسوّغ وجود اعتراضات على استخدام الكلمة أو مواقف تأييد لها، فهي ككثير من الكلمات الوصفية الحيادية الأخرى، وإن جرى توظيفها كما لو كانت سببا في بلوغ هدف إسلامي أو القصور عن بلوغه، لهذا يمكن أن نقول العالم الإسلامي المتقدم أو المتخلف، والموحد أو المنقسم على نفسه، دون أن تفقد الكلمة مدلولها الأصلي.
ولكن توجد مواقف تأييد واعتراض حماسية ومتسرعة أحيانا، دون التمحيص بصدد دراسات وبحوث تتناول جانبيا البعد الاصطلاحي للكلمة، ولكن قليلا ما خُصصت لذلك دراسة بحثية متكاملة. إلا أننا عندما نقرأ هذه الكلمة في الكتابات المتداولة بين أيدينا، لا يقف أكثرنا عند مدلولاتها الدقيقة كثيرا، لا سيما وأنه غلب علينا تداول جزئي للمقصود من كلمة العالم الإسلامي من خلال تأثير ما يوضع بين أيدينا من الخرائط الجغرافية التي تحمل عنوانه، أو من خلال مسميات منتشرة لمنظمات ما مثل منظمة مؤتمر العالم الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي لاحقا)، أو رابطة العالم الإسلامي، أو ما شابه ذلك.
هل المقصود بالكلمة إذن رقعة جغرافية معينة؟ ولو صح ذلك فكيف نفهم إذن عبارات من قبيل: الحوار بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، أو: الإساءة لمقام النبوة إساءة للمسلمين وللعالم الإسلامي.
العالم الإسلامي مصطلحا
د. نادية محمود مصطفى المعروفة بمكانتها المرموقة في الدراسات السياسية والحضارية، تقول في سياق مقدمة دراستها القيمة “الفقه الإسلامي للأقليات المسلمة”: (من المصطلحات الشائعة لوصف الإطار الجامع للمسلمين: مصطلح العالم الإسلامي)(١) ولا يخفى التحفظ أو الحذر العلمي في هذه العبارة، وهو ما يشاركها فيه كثيرون، مثل المفكر والسياسي المغربي د. عبد الله إبراهيم، كما يؤخذ من كتابه “المركزية الإسلامية.. المطابقة والاختلاف” وفيه (ص ٣٥) مع ملاحظة انطلاقه في العبارات التالية من مصطلح دار الإسلام باعتباره سابقا من الناحية التأريخية لمصطلح العالم الإسلامي:
(يصعب من ناحية تاريخية تحديد اللحظة التي بدأ يُتداول فيها مصطلح دار الإسلام.. فدار الإسلام لم ترتهن أبداً لمعنى جغرافي مباشر. كانت تتمدد وتنحسر على وفق درجة حرارة البعد الثقافي للإسلام كمنظومة ثقافية يوجهها بعد ديني لتفسير العالم. فوحدة دار الإسلام كانت ثقافية بالدرجة الأولى، وجرى باستمرار تهميش للعوامل العرقية والجغرافية، ولكن هذا لا يقصد منه طمسها، إنما هي انتماء طبيعي، فيما العقيدة انتماء ثقافي)(٢)
هذا البعد الثقافي أو العقدي الحضاري هو ما يعبر عنه بشكل مباشر المدير العام للمنظمة العربية للعلوم والثقافة – إيسيسكو، د. عبد العزيز بن عثمان التويجري، إذ يشير في محاضرة له يوم ٢٦ / ٧ / ٢٠٠٧م بعنوان: العالم الإسلامي والغرب – التحديات والمستقبل، إلى أن مصطلح العالم الإسلامي غربي النشأة، نحته المستشرقون وصدرت عام ١٩١١م مجلة إنجليزية بهذا الاسم THE MUSLIM WORLD، وكان القس صموئيل م. زويمر أول رئيس تحرير لها. ثم يضيف التويجري:
(ولكن هذا المصطلح ينطوي الآن على مضمون يتجاوز الرقعة الجغرافية التقليدية، والتي تشمل البلدان الإسلامية، إلى المسلمين عامة حيثما وجدوا. ولذلك فإن المسلمين في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي -مثلاً- هم جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي، بهذا المفهوم الحضاري الثقافي، لا بالمفهوم السياسي والجغرافي. فالمسلمون أينما كانوا، هم حملة رسالة الحضارة الإسلامية، ودعاة سلام وتعايش وتفاهم بين الشعوب والحضارات والأديان)(٣)
هذه النماذج هي الغالبة في فهم كلمة العالم الإسلامي اصطلاحيا فيما ينشره المفكرون والدارسون عموما عندما يستخدمون الكلمة في كتاباتهم العربية.
تداول المصطلح فكريا
في الوقت الحاضر تُستخدم كلمة العالم الإسلامي بشكل مماثل لاستخدامها في تعبير العالم الغربي مثلا في لغات أقوامه، أي بالمضمون الثقافي الحضاري للكلمة، أكثر من استخدامها انطلاقا من عناصر الجغرافيا والتاريخ.
ويشهد على ذلك التأمل في مواضع استخدام تعبير العالم الإسلامي من جانب الكتاب والمفكرين في الدائرة الحضارية الإسلامية على امتداد العقود الماضية، ولا يمكن حصرها، إنما نجد بعض الأمثلة على ذلك فيما يعدده د. عبدالعزيز بن راشد المطيري في مقالة له بعنوان: دراسات حول العالم الإسلامي(٤) حيث يذكر كثيرا من الكتب المعروفة لنا كشواهد على ذلك، مثل العالم الإسلامي والاستعمار السياسي والاجتماعي والثقافي لأنور الجندي، ووجهة العالم الإسلامي لمالك بن نبي، والعالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر الهجري لفتحي يكن، وكتب عديدة في التاريخ والجغرافيا لمحمود شاكر، وجغرافية العالم الإسلامي لأحمد شقلية، وجغرافية العالم الإسلامي لمحمود طه أبو العلا، والعالم الإسلامي المعاصر لجمال حمدان، وغيرها.
ومع أن بعض هذه الكتب استهدف الحديث عن الجغرافيا والتاريخ، فإن مؤلفيها لم يقفوا عند حدود جغرافية بالمعنى التقليدي للكلمة، بل جمعوا مثلا بين الحديث عن البلدان ذات الغالبية السكانية المسلمة وعن الأقليات المسلمة في بلدان أخرى، وأوردوا الكثير عن المميزات المنبثقة عن العوامل العقدية وكذلك الثقافية والحضارية والاجتماعية، الشاملة لغير المسلمين أيضا في وسط سكاني إسلامي.
مصطلح العالم الإسلامي منتشر في الأدبيات السياسية والتاريخية والجغرافية والثقافية والفكرية على امتداد القرن الميلادي العشرين، بأقلام المسلمين وغيرهم، دون أن ينطلق من يستخدمونه من معيار عنصر الحكم بالإسلام بالضرورة، وبذلك لا يتعين اعتبار كلمة العالم الإسلامي مصطلحا جديدا بديلا عن مصطلح دولة الخلافة، وهي التي لم تكن تشمل دوما جميع البقاع الجغرافية لانتشار الإسلام والمسلمين وانتشار الحكم بالإسلام، بينما يكمن هنا أحد أسباب الاعتراضات ذات الصبغة الحماسية، وفيها ما يخلط بين مصطلح العالم الإسلامي ومصطلحات أخرى، ذات مضامين إسلامية اجتهادية قديمة وحديثة، مثل الأمة، ودار الإسلام.
ولا ينبغي أن يفوتنا في هذا الموضع أن الخطاب القرآني للأمة يعتمد عبارة “يا أيها الذين آمنوا” وليس يا أيها الذين أسلموا، وفي ذلك إشارة إلى الانتساب العقدي للمؤمنين خاصة، دون وجود أي تناقض مع الخطاب القرآني “يا أيها الناس”، أو مع مصطلحات قرآنية مثل “شعوب وقبائل وأقوام”.
ولا يفوتنا أيضا أن الربط بين العقيدة والأرض في الخطاب القرآني ينطلق من أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، ويمكّن فيها لمن يهتدي بهديه ويقيم شرعه، وقد تعني كلمة الأرض حسب السياق القرآني بقعة جغرافية كبيرة أو صغيرة.
إن عدم التمييز بين العناصر المتعددة ذات العلاقة بكلمة العالم الإسلامي، وفي مقدمتها عنصر العقيدة وموضعه المتميز، وعنصر الحكم الإسلامي –هنا بمعنى السلطة وليس القضاء– وموقعه فقهيا، وعنصر الجغرافية والحدث التاريخي، وعنصر الانتساب الثقافي والحضاري، هو الذي جعل استخدام كلمة العالم الإسلامي أحيانا موضع تساؤل في غياب ذلك التمييز، فهو مصطلح [ملتبس للغاية] على حد تعبير مجموعة من المؤلفين شاركوا في نشر كتاب [العالم الإسلامي والغرب.. حوار غير مألوف] من إصدار المؤسسة الألمانية للعلاقات الخارجية، وقد ورد عن محتواه في عرض له بقلم يوسف حجازي:
(مصطلح العالم الإسلامي هو مصطلح ملتبس للغاية. فما هو معناه؟ هل المقصود به المناطق الجغرافية المأهولة بالمسلمين أم يقصد به دول المؤتمر الإسلامي السبعة والخمسون؟ أم هي هذه الدول مجتمعة مع التجمعات الإسلامية المقيمة في دول أخرى غير إسلامية أوروبية أو أمريكية؟… إلا أن أصحاب التقرير –برغم عدم رضاهم عن مصطلح العالم الإسلامي –لا يقترحون بديلاً ولا يستخدمون مصطلحا آخر)(٥).
مثل هذا الالتباس لا يراه الغربيون في استخدام كلمة العالم الغربي، رغم اقتصارها إلى وقت قريب على رقعة جغرافية محددة اتسع نطاقها فباتت تشمل ما كان يعرف بالعالم الشرقي أو الشيوعي، وبات يستخدم تعبير العالم الغربي بصورة شاملة لها، ناهيك عن التعامل السياسي أيضا كانضمام عدد من دولها إلى منظمات العالم الغربي كحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
مواقف هامشية
من جهة أخرى يشهد استخدام مصطلح العالم الإسلامي على نطاق واسع خلال القرن الميلادي العشرين على شذوذ بعض المواقف التي تنطلق من اعتبارات سياسية محضة، فتقول مثلا:
(لم يُطرح مصطلح العالم الإسلامي قبل انتصار الثورة الإسلامية -المقصود: الإيرانية ١٩٧٩م- وقسّمت المناطق التي يقطنها المسلمون وفقاً لأوضاعها الجغرافية وجغرافيتها السياسية إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقية وجنوب شرق آسيا والشرق الأدنى. وأما مصطلح العالم الإسلامي فقد طرح في قاموس العلاقات الدولية بعد انتصار الثورة الإسلامية)(٦).. ومعروف أن ذلك كان عام ١٩٧٩م فماذا عن الكتب المشار إليها قبل ذلك التاريخ؟
كما يؤكد انتشار استخدام تعبير العالم الإسلامي من جانب الكتاب والمفكرين المسلمين لعقود عديدة أن كثيرا من مواقف التأييد أو الاعتراض الحماسية ليست ذات اعتبار، كالقول مثلا إن من دواعي استخدام تعبير العالم الإسلامي ضرورة تجنب تعابير أخرى نشرها الغربيون لتمزيق العالم الإسلامي سياسيا وجغرافيا، وأشهرها الشرق الأوسط والشرق الأدنى والشمال الإفريقي، والجواب أن تعبير العالم الإسلامي نحته مستشرقون غربيون –حسب كلام التويجري– وقد تزامن وفق التاريخ الذي أورده: ١٩١١م، مع نحت تعبير الشرق الأوسط من جانب مؤرخين بريطانيين أيضا.
بل إن هذه الأقوال الحماسية تلتقي دون قصد مع ما عبر عنه الصحفي “بارجا خانا” منطلقا من قاعدة فرّق تَسُدْ الاستعمارية، فيما نشره في صحيفة واشنطون بوسط مطالبا به الرئيس الأمريكي (الأسبق) باراك أوباما ألا يستخدم تعبير العالم الإسلامي قائلا:
(نلاحظ أن أوباما على غرار سلفه بوش يتوهم أنه يستطيع التخاطب مع مجتمع أسطوري يسمى العالم الإسلامي، وعلى غرار الكثير من الساسة والمفكرين الغربيين، حاول خلق معنى لهذا المصطلح، لكن استخدامه غير الصحيح له أفقده فرصة حقيقية لكسب القلوب والعقول)(٧)
البحث المنهجي في المصطلح
لا ينشأ المصطلح في العلوم الإنسانية نتيجة ابتكاره بجهد فردي وتعميمه، إلا نادرا، إنما ينشأ مثلما نشأ مصطلح العالم الإسلامي نشأة طبيعية من خلال تداوله دون تثبيت مفهوم قطعي الدلالة له، ثم يمكن أن يجد جهدا علميا منهجيا لتلافي ذلك النقص، وتحسين معطيات توظيف المصطلح في خدمة الفكر والتعامل البشري، ومع ملاحظة اتساع نطاق استخدام كلمة العالم الإسلامي، وتعدد المواقف منها، لا تخفى الحاجة إلى جهد متميز من جانب المتخصصين للنظر في تثبيت مفهوم اصطلاحي لها.
والأصل هو أن استخدام تعبير العالم الإسلامي يجب أن ينطلق من دواع ذاتية، أي من السؤال عن الحاجة المعرفية الذاتية، التي تضمن تلاؤم الكلمة لغويا وتلاؤم الدلالة الاصطلاحية لها مع الاحتياجات الذاتية للمجموعة البشرية المعنية أو المنطقة الجغرافية المقصودة أو كلتيهما معا، فإذا انطلقنا من قبول المحور الثقافي للكلمة بأبعاده الحضارية كما ورد في بداية الحديث، وجب أن يكون في تعريف كلمة العالم الإسلامي اصطلاحيا ما يشمل:
١- الدائرة الحضارية التي تنتسب إلى الحضارة الإسلامية.
٢- المجموعة البشرية من المسلمين وغير المسلمين ممن انطلق وينطلق من معايير الحضارة والثقافة الإسلامية.
٣- بيان نقاط التقاطع والتمايز مع كلمات اصطلاحية أخرى مثل الأمة الإسلامية، ودار الإسلام، وجماعة المسلمين.
٤- بيان نقاط التقاطع والتمايز مع الرقعة الجغرافية التي يُطلق عليها وصف العالم الإسلامي في الأدبيات السياسية والتاريخية تخصيصا، ويقصد بها الأقطار ذات الغالبية المسلمة من السكان.
التعامل الغربي مع العالم الإسلامي
سيان كم يُبذل من جهد على الصعيد النظري والفكري لتثبيت مفهوم محدد لكلمة اصطلاحية من ميدان العلوم الإنسانية، يبقى الخلاف حولها قائما في الأعم الأغلب، كما يتعرّض استخدامها لمؤثرات عديدة من خارج نطاق الفكر النظري، وهذا ما يسري على كلمة العالم الإسلامي على الجدل المثار حول هذا المصطلح، بسبب كلمة باراك أوباما التي أعلن منذ انتخابه إنه يريد توجيهها إلى العالم الإسلامي، ويحسن هنا تأكيد نقاط أساسية في هذا الحديث:
١- إن تصوير هذه الكلمة أنها حدث الساعة من الطراز الأول ينطلق من دوافع وعوامل سياسية لا علاقة لها بأصل المصطلح واستخدامه.
٢- هذا السلوك يسبب فوضى اصطلاحية وفوضى سياسية أيضا، فإخضاع فهم المصطلح لظروف سياسية ما ومواقف سياسية متقلبة، لا يشكل أرضية منهجية للتعامل مع المصطلحات الأساسية كالعالم الإسلامي، كما أنه لا يشكل منطلقا سليما للتعامل مع الأحداث والتطورات السياسية.
٣- ليست كلمات أوباما وأمثاله مصدرا لتغيير مفهوم كلمة العالم الإسلامي، إنما قد تأتي كلمته في سياق تصحيح سياسي لما ساد من تصورات أمريكية عن الكلمة أو في سياق المضي في محاولة توظيفها كسواها أو مع سواها مثل الشرق الأوسط الكبير والصغير والجديد والعتيق لأغراض سياسية.
٤- إذا كان المطلوب من العالم الإسلامي بمعنى الكلمة الثقافي الحضاري اصطلاحيا أن يستمع لمعرفة ما يريده رئيس أمريكي جديد، فالمطلوب منه أولا أن يستوعب ما تعنيه الكلمة عند أهلها والتي جعلها ذلك الرئيس أحد محاور سياساته.
٥- لا بد تبعا لذلك من تحديد معيارين للتعامل مع كلمة أوباما:
أ- هل فيها ما يكشف عن الإقرار بالصبغة الحضارية والثقافية المميزة للعالم الإسلامي لإخضاع المواقف السياسية وغير السياسية لها؟
ب- هل فيها من المواقف السياسية وغير السياسية ما يلحق الأضرار بالعالم الإسلامي ويستدعي الرفض أو ما يثبّت منطلقات جديدة لتعامل قويم ويستدعي الانفتاح المشروط بالتقويم المتجدد لتلك المواقف، فهي متطورة ومتبدلة باستمرار؟
واقع العالم الإسلامي
إذا اعتبرنا كلمة أوباما مهمة لأنه رئيس دولة كبرى تنتمي إلى عالم آخر هو العالم الغربي وتؤثر على صناعة القرار الدولي أكثر من سواها، فإن هذا لا يقدم كثيرا ولا يؤخر من حقيقة أن ما نستشعره في الواقع الراهن ويمكن وصفه بمشكلة العالم الإسلامي أو أزمته، إنما يكمن في هذا الواقع بأبعاده الذاتية، ويتطلب النظر فيه ما لا يمكن حصره في مقال أو بحث أو محاضرة أو مؤتمر، إنما نركز على عناوين عريضة:
١- التنوع الكبير في العالم الإسلامي ميزة طبيعية لم تكن تمثل إشكالية في تاريخه الطويل ولا ينبغي أن تمثل إشكالية في حاضره ومستقبله، بل تكمن الإشكالية الأكبر في اضطراب الوعي المعرفي بالعنصر الحضاري الثقافي المشترك فهو الذي يجعل العالم الإسلامي عالما مختلفا عن سواه كالعالم الغربي، وبقدر ما يتحقق من تنمية هذا الوعي المعرفي يكتسب العالم الإسلامي قوة التماسك بين أطرافه المتعددة والتجانس بين أجزائه المتنوعة.
٢- تعدد المنطلقات الفكرية والسياسات اليومية والتطبيقات العملية داخل نطاق العالم الإسلامي المشترك، ظاهرة ثابتة عبر الحقب التاريخية، وثابتة في الحاضر والمستقبل، والأهم هو تحقيق الإنجازات، فإن اقترنت هذه المنطلقات بتفعيل منطلق العنصر الحضاري الثقافي المشترك، أمكن تحقيق تكاملها على طريق النهوض والتقدم بالعالم الإسلامي بمجموعه وعلى مستوى مكوّناته، وإن بقي تعطيل مفعول هذا العنصر المشترك مستمرا، غلبت النزاعات على الإنجازات من خلال توظيفها في خدمة أطراف النزاع والقضاء عليها عبر أشكال الصراع الناجم عنه، وليس هذا خاصا بالعالم الإسلامي، بل سرى ويسري على سواه كالعالم الغربي.
٣- إن العلاقة بين دائرة حضارية وأخرى في تاريخ البشرية وواقعها ومستقبلها، ستبقى على الدوام مرتبطة بمدى سريان مفعول العناصر الإنسانية البشرية المشتركة، بالمقارنة مع سريان مفعول الاختلافات القائمة، وعندما يتحقق التوازن في العالم الإسلامي بين ما يقتضيه خطاب [يا أيها الذين آمنوا] وخطاب [يا أيها الناس]، ويصبح هو المصدر لصناعة القرار فيه على مختلف المستويات الفكرية والسياسية والثقافية والأمنية والاقتصادية، تتحول العلاقة بالآخر من دائرة حضارية أخرى إلى علاقة تأثير متبادل على أسس قويمة.
٤- كما أن العالم الغربي لا ينتظر [ولا يقبل] من العالم الإسلامي مطلبا من قبيل تغيير العنصر الثقافي الحضاري المشترك الذي يقوم عليه وجود العالم الغربي، فلا يمكن أن تستقيم العلاقة بين الجانبين دون إسقاط أي مطلب [من جانب العالم الغربي.. أو داخليا في العالم الإسلامي] من قبيل تغيير العنصر الثقافي الحضاري المشترك الذي يقوم عليه وجود العالم الإسلامي.
أطروحة الحوار وصناعة القرار
إن المعالم الأساسية المذكورة أعلاه بإيجاز شديد هي الأرضية التي يفتقدها العالم الإسلامي في الوقت الحاضر في إطار علاقاته البينية وعلاقاته بالآخر على السواء، وهذا ممّا يجعل الالتقاء والصدام موزعا على ملفات عديدة منفصلة عن بعضها بعضا، رغم أن تأثيرها على بعضها البعض أمر مشهود على أرض الواقع ويجعل قابلية تحقيق هدف إيجابي على صعيد أي منها مستحيلا من الأصل، أو مؤقتا.
من الشواهد على الصعيد البيني داخل العالم الإسلامي كأمثلة:
١- لا تنفصل قضية الإصلاح السياسي بمعنى الوصول إلى أوضاع تنبثق فيها إرادة السلطة وقرارها عن إرادة الشعب وقوالب التعبير عنها، عن قضية الاستقرار والأمن الداخليين، ولا يزال الفصل قائما في الواقع التطبيقي مما لا ينتظر أن يزول بغض النظر عن وسيلة إزالته، دون نشأة أوضاع تقوم فعلا لا كلاما على أرضية الوعي بالعنصر المعرفي الثقافي والحضاري المشترك بين مكوّنات القطر الواحد وبالتالي بين فئة تتولى السلطة (تحكم) وبين المحكومين، للتخلص من انطلاق السلطة من وضع مفهوم استقرارها هي وأمنها هي في قالب فرض ما تريد مهما تناقض مع من تفرضه عليهم من الشعوب.
٢- لا تنفصل قضية النهوض والتقدم في مختلف الميادين العلمية والتقنية والاقتصادية وغيرها عن قضية التعاون والتكامل بين بلدان الدائرة الحضارية الإسلامية، وتركيز العلاقات مع الآخر على نقاط الالتقاء التي توصف عادة بالمصالح المتبادلة، ولا يزال الفصل قائما بتغليب نقاط الاختلاف وجعلها حاجزا دون التعاون والتكامل فيما لا يوجد اختلاف حول فائدته، وبتغليب العلاقة القويمة أو المنحرفة مع الآخر خارج نطاق الدائرة الحضارية المشتركة على العلاقة مع الآخر داخلها.
ومن الشواهد على الصعيد الخارجي للعلاقة بين العالم الإسلامي وسواه:
١- لا تنفصل مشكلة الإرهاب باستخدام عنف غير مشروع لتحقيق هدف مشروع أو غير مشروع، عن قضية مقاومة العدوان المشروعة وسيلة وهدفا، ولا يبدو أن هذه العقدة في العلاقات بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ستجد حلا لها، ما دام العنصر الإنساني البشري المشترك مغيّبا عن صناعة القرار السياسي، وهو ما يوصف أحيانا بازدواجية المعايير، ويترجم أحيانا أخرى بإساءات الافتراء على الإسلام باعتباره مصدر الأرضية المعرفية للدائرة الحضارية الإسلامية.
٢- رغم الانقسام القائم في العالم الإسلامي لأسباب تاريخية ومعاصرة، لا يمكن أن يزول في الوعي المشترك القائم في الدائرة الحضارية الإسلامية الارتباط الوثيق بين القضايا الساخنة كأفغانستان وفلسطين والشاشان والصومال، وبالتالي ستبقى الأطروحات الغربية للتعامل مع العالم الإسلامي وتعامل صانع القرار فيه معها، أطروحات صراع شمولي وإن حملت لأغراض ما صيغة سلام أو إقرار بحقوق ما كما قيل عن التعامل مع كوسوفا، ولم تحمل سلاما قائما على مبادئ إنسانية مشتركة، كالحق والعدالة، على صعيد مختلف القضايا الساخنة.
أوباما وغياب الحوار المطلوب
لا تبدو كلمة أوباما الموجهة إلى العالم الإسلامي على ضوء ما سبق حدثا مفصليا في العلاقة مع العالم الغربي كما يجري تصويرها بأسلوب إحلال الموقف الرمزي –كالعنوان والمكان ولهجة الخطاب– مكان صناعة القرار العملي وتنفيذه.
رغم ذلك يمكن النظر فيها بعد أن انتشر الحديث عنها على هذا النحو غالبا، وأدناه جعلها منطلقا للسؤال المطروح بأكثر من صيغة: هل ستكون بداية حوار حضاري بدلا من صدام الحضارات؟
إذا استثنينا الشكليات الرمزية التي لا تغير من المضمون شيئا وإن وظفت لاصطناع أجواء إيجابية، تبقى كلمة أوباما مفتقرة إلى جميع الشروط الفاعلة في تحقيق حوار حضاري، ومن ذلك على سبيل المثال دون الحصر:
١- الشرط الأول الإقرار المتبادل بوجود صيغتين حضاريتين تتحاوران على العناصر المشتركة بينهما لتحقيق الأفضل للأسرة البشرية، وجميع ما صدر عن أوباما بهذا الصدد لا يتعدى الإقرار –الذي سبقه إليه كثيرون سواه في الغرب– بأن المنطلقات الحضارية الإسلامية كان لها دور في التاريخ البشري، أما ما يتعلق بالواقع الراهن للأسرة البشرية، فكان المنطلق الغربي ولا يزال، مع أوباما ومن دونه، هو مركزية الحضارة الغربية وهيمنتها عالميا، وتثبيت شرط “قبول” معاييرها الذاتية للتعامل مع الآخر.
٢- الشرط الثاني إقرار المبدأ البشري المشترك للمساواة بين كافة البشر، وكافة الشعوب، لبلوغ الأهداف المشروعة على أساس الحق والعدالة وليس على أساس ما تفرضه القوة المتفوقة في حقبة تاريخية ما، وهذا ما لا يزال بعيدا كل البعد عن منطلقات العالم الغربي في اتخاذ قراراته المشتركة بين دوله أو الانفرادية على السواء، في التعامل مع قضايا العالم الإسلامي وشعوبه، مما يسري حتى في حالة التراجع الجزئي عن موقع من المواقع نتيجة عجز فعلي أو شكلي عن تحقيق الهيمنة بالقوة، فالتراجع مقترن على الدوام باللجوء إلى وسائل أخرى وليس بإسقاط هدف الهيمنة غير المشروعة ابتداء.
٣- الشرط الثالث إيجاد المعطيات الأساسية للحوار الهادف بين الطرفين المعنيين، وهنا تكمن المعضلة الأكبر في العالم الغربي، وأهم عناصرها أنه أقام علاقات حكوماته وصانعي القرار فيه –المرتبط وجودهم بتمثيل الشعوب وفق آليات هذا التمثيل الغربية– على أساس ما يعتبره مصالح له مع الجهات التي تضمن له تلبية تلك المصالح دون النظر في حقيقة تمثيل تلك الجهات: الحكومية وغير الحكومية، لشعوب دائرة الحضارة الإسلامية، سواء كان هذا التمثيل المغيّب وفق آلياته الغربية أو كان وفق آليات تنبثق عن الأرضية المعرفية لدائرة الحضارة الإسلامية.
باختصار
توجد عوامل ذاتية عديدة للقول إن واقع العالم الإسلامي ما يزال بعيدا عن قابلية الدخول في حوار حضاري متوازن مع الطرف الآخر، ويجب بذل الجهود الذاتية لتحقيق ذلك، إنما توجد عوامل سلبية حاسمة في واقع العالم الغربي وتعامله مع الأسرة البشرية عموما، ومع الدائرة الحضارية للعالم الإسلامي تخصيصا، هي التي تحول دون حوار مثمر، رغم أن العالم الغربي في وضع يمكنه، أو من المفروض أن يمكنه، من العمل على إيجاد شروط موضوعية ليكون الحوار حوارا، وليعود بالفائدة المشتركة على الأسرة البشرية بمعناها الشامل، وليس على العالم الغربي وعلى المعاني الضيقة والمنحرفة التي سادت فيه حول مصطلحات أساسية في دورة الحضارات الإنسانية، كالأسرة البشرية، والعالم، والآخر، وهو ما ينصرف على فهمه لمصطلح العالم الإسلامي أيضا.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب
ــــــــــــــــــ
هوامش
http://www.islamonline.net/iol-arabic/qadaya/qadaya-april-2000/qd6.asp-١
٢- د. عبد الله إبراهيم، “المركزية الإسلامية.. المطابقة والاختلاف”، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب.
http://www.isesco.org.ma/arabe/publications/D%C3%A9fis%20et%20avenir/p1.php -٣
http://www.manaratmag.com/arabic/details.asp?CatID=1119 -٤
http://ar.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-471/_nr-97/i.html-٥
–http://www.tebyan.net/index.aspx?pid=31143&BookID=25805&PageIndex=12&Language=2 -٦
(٧) نشر عرض لمحتوى المقال في موقع إسلام أون لاين (قبل غيابه من الشبكة) وفي وسائل إعلامية عربية عديدة، ومنها: ملحق الرسالة التابع لجريدة “المدينة” السعودية يوم ٨ / ٥ / ٢٠٠٩م بقلم نزار عبد الباقي
http://al-madina.com/node/135237/risala