رأي
مع كل استفزاز فعلي أو مزعوم، ومع كل رد عنيف على الاستفزازات، تتصاعد مخاطر المواجهة بين فريق صغير نسبيا من الأتراك وفريق صغير نسبيا من السوريين في تركيا، ولكن بلغت المخاطر مؤخرا ما بلغته في قيصري ومدن أخرى مع انتقال الشرارة إلى جزء من الشمال السوري.
لقد تحول الوجود السوري في تركيا دون مبرر موضوعي مباشر إلى عنوان مستهدف عمدا، مع ظاهرة ما يسمى بالعامية (ضاعت الطاسة) إذ اختلط العنصر السياسي بالاجتماعي بالثقافي بالاقتصادي، كما اختلط بالأقاويل المغرضة بأسلوب التعميم، واختلاق افتراءات مجحفة باطلة، ليصب جميع ذلك في عمليات تحريض متكررة؛ وهذه حلقة مفرغة من مضاعفات تتغذى من الأجواء المسمومة، وقد أصبحت تساهم في صناعتها وفي تراكم تداعياتها مواقف سياسية رسمية، بأساليب تبيح الاتهام بأنها على حساب قضية سورية وثورة شعبها، كما تساهم في ذلك مواقف مضادة تستهدف الحكومة التركية مباشرة، كما تستهدف استضافتها المشكورة، للمشرّدين عن أرضهم السورية، حتى أصبحت تركيا آخر دولة تتبنى قضية الحق والعدالة لصالح شعب سورية، ولمصالحها الذاتية بطبيعة الحال؛ وهذه صورة توشك أن تتبدل أيضا وتتشوه، بمساهمة مباشرة وغير مباشرة من الطرفين التركي والسوري معا.
ولكن هنا تكمن مفارقة كبيرة، فالطرف التركي دولة تتجسد في حكومة ومعارضة، ومؤسسات ووزارات، وأحزاب ومسؤولين وطاقات كبيرة وعلاقات دولية، أما الطرف السوري المقصود هنا من بين سواد المعنيين بالثورة وبكل ما يمس السوريين في الشتات خارج موطنهم الأصلي، فإنه طرف لا يملك سياسيين محترفين، ولا أحزابا عريقة ولا مؤسسات مستقرة، بل إن ما يوجد تحت عناوين عريضة وأسماء كبيرة لا يتعامل مع القضية العادلة تعاملا ناجحا، ويكاد لا يتجاوز حدود محاولة تبرئة نفسه مما لوّث سمعته.
هذا خلل في الوزن السياسي وفي ثقل ما يصدر عن كل طرف بالمقارنة مع الآخر.
لهذا تبقى الساحة خالية لأفاعيل من يزرع الفتن ويثير التناقضات، ويستغل كل حدث طارئ استغلالا أثيما. حتى في نطاق ما يوصف بالمعارضة هنا وهناك، إذ نجد الخلل ذاته عند المقارنة بين طرفين، فهذا طرف من تركيا بنسبة محدودة ولكن يتضخم حجمه لأن أحزاب المعارضة ومؤسساتها تحتضنه وتدافع عن أفعاله وقد تشارك في بعضها، وجميع ذلك ضمن ما تحسبه لعبة سياسية جائزة، وبالمقابل هذا طرف من معا رضة سورية، بنسبة محدودة أصبحت تحرك كثيرا من أفعاله ومواقفه عداوات عتيقة، لا سيما تجاه البقية الباقية من توجهات إسلامية في الدولة التركية نفسها، التي ينفث عداواته لها وهو على أرضها، وكذلك تجاه البقية الباقية من مظاهر إسلامية من تيارات سورية توصف بالمعارضة.
الخلاصة أنه لا يوجد بين أيدينا أنداد في الخصومة، ولا بين إمكاناتهما، وهذا مما يضاعف مسؤولية الحكومة التركية عن سواد أهلنا من السوريين في تركيا ويضاعف تخصيصا مسؤوليتها عن حمايتهم، سياسيا واجتماعيا وإنسانيا وإعلاميا وأمنيا، مع بيان حقيقة المصالح الكبيرة، والمشروعة، المتبادلة ما بين تركيا الدولة وبين السوريين في الشتات.
هنا لا تكفي المواقف السياسية التقليدية دون محاسبة كل من يرتكب العنف أو يحرض عليه.
ولا يكفي التعبير الكلامي عن تأييد جانب الحق والعدالة في ثورة الحرية والكرامة وتداعياتها، دون التركيز على وضع مخططات لتنفيذ مشاريع هادفة، تصدر عن جذور العلاقات التاريخية والثقافية، والمستقبلية والسياسية، وعن رصد ثمارها شعبيا، مع تعزيز العوامل المالية والاقتصادية والتربيوية، لتتعانق روح العدالة الجامعة للشعبين، من جهة في ثورة شعبية تحمل عنوان منتصف آذار / مارس في سورية (وأخواتها) ومن جهة أخرى في ثورة شعبية تحمل عنوان منتصف تموز / يوليو، في يوم مشهود لتجسيد الرفض الشعبي الباسل دفاعا عن وجود الدولة التركية ورفضا للانقلاب العسكري عليها.
إن للشعبين حقوقا يجب أن تراعى وللشعبين أخوّة قادرة على الصمود في وجه الأخطار الخارجية، ولا ينبغي تعطيل مفعولها من خلال أخطار داخلية وبينيّة، تُصنع صنعا لتنال من عمق العلاقات الوثيقة المستدامة بين الشعبين.
وأستودعكم الله في سورية وتركيا وأخواتهما، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب