السودان بين يوم الانقلاب ويوم السقوط

درس من الحراك الثوري الشعبي

رأي

بدأت سلطة عمر البشير في السودان بانقلاب عسكري أطلق عليه وصف ثورة الإنقاذ، وحانت نهايته بعد ثلاثين سنة من التشبث بالسلطة بانطلاق ثورة شعبية ضده لإنقاذ البلاد وأهلها من “ثورة الإنقاذ”.

بعيدا عن التكهن حول نوايا الانقلابيين ومن دعمهم وحول التحركات الخارجية المضادة ومفعولها، فإن ما بدأ به البشير كان يحظى بشيء من الشعبية، كما كان يواجه كثيرا من العداء الخارجي والمشكلات الداخلية. ويبقى أن الحدّ الأدنى الممكن قوله إنه أخفق في مواجهة التحديات، فتآكلت شعبيته تدريجيا ووصلت إلى الحضيض، وبالتالي إلى نشأة الحراك الثوري الشعبي.

أخطر ما انزلق إليه البشير -مع افتراض حسن النوايا- أنه لم يتصرف تبعا لإخفاق سلطته (لفترة زمنية طويلة) إما بالرحيل الطوعي عن كرسي السلطة، أو بفتح الأبواب أمام مشاركة آخرين فيها أو أمام خوض التنافس على السلطة عبر انتخابات عامة نزيهة، والعودة بذلك إلى تحكيم الإرادة الشعبية.

يمكن أن يعود الإخفاق المتواصل في السلطة إلى العجز عن مواجهة التحديات لا سيما الخارجية، ولكن مهما بلغ حجم التحديات فليس العجز عذرا عند حمل مسؤولية السلطة السياسية، فكيف وقد جاء حملها عن طريق انقلاب عسكري.
أليس في بلد يتمتع بخيرات وفيرة كالسودان المعروف بوعي شعبه سياسيا فريق جدير بالقيادة الجماعية الضرورية في عالمنا المعاصر، يكون بتكامل طاقاته أقدر على مواجهة التحديات؟

وكيف يمكن الجواب على هذا السؤال في حالة التشبث بكرسي السلطة العسكرية أو الانفرادية أو الحزبية على اختلاف التسميات والتوجهات؟

وعلى افتراض حسن النوايا ألا يمكن أن يكون من بين أسباب الحرص على البقاء في السلطة رغم الإخفاق خشية المسؤول الأول سياسيا من المحاسبة على ما تنكشف خلفياته من أخطاء جسيمة بعواقب وخيمة كالوضع المعيشي، وانفصال الجنوب، واستمرار أزمة دارفور وسواها؟

إن سلوك البشير خلال الفترة الأخيرة تخصيصا تحول إلى تصرفات انتهازية محضة: تفاهمات ملغومة مع واشنطون، التورط في حرب اليمن ضد ثورة الشباب فيه، اللقاء المشين مع بشار الأسد المتسلط عسكريا ودمويا على سورية وشعبها، وهذا ما يُظهر للعيان أن وباء تشبث المستبدين بالسلطة، يجعلهم ينحدرون تدريجيا إلى الحضيض في ممارسة الاستبداد، في الرأي والتصرف، حتى في حالة الانطلاق من حسن نواياهم وما يقولون والظن في بداية عهودهم أنهم مخلصون أو حريصون على خدمة الشعوب والأوطان.

لا بد أن يفضي الحراك الثوري الشعبي في السودان إلى التغيير، ويرجى ألا يكون ثمن ذلك باهظا، إنما تؤكد حالة السودان أكثر من سواها قاعدة ذهبية ينبغي التشبث الشعبي بها عموما، ومع كل حراك ثوري، تشبثا أقوى بكثير من قوة تشبث المتسلطين بكراسي سلطة مغتصبة، وهي:

لا يوجد مستبد عادل وغير عادل، بل الاستبداد مرفوض مهما كان شأنه، بأي صيغة وأي اتجاه، وسيان هل حقق نتائج إيجابية في بداية التسلط أم لم يحقق. الاستبداد مرفوض لذاته، والاستبداد يبدأ بمجرد إغلاق الأبواب أمام الآخر في أي ميدان وأي مرحلة وفي أي بلد وتحت أية راية.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

الانقلاباتالتغييرالسودانثورة