تحليل
كانت نواة الجيش الوطني الحر تتكون عبر تحركات اقترنت باسم حسين هرموش ثم باسم رياض الأسعد بعد مرور عدة شهور على التحرك الشعبي السلمي في سورية الثائرة على التسلط الاستبدادي الأسدي، وهو تحرك جيل الشباب الذين واجهوا الدبابات والرشاشات والاعتقالات والتعذيب، بالمظاهرات والهتافات والصدور العارية لشهور عديدة؛ فلا يحق بعد ذلك لأحد التشكيك في مشروعية تحرك فريق من العسكريين بالسلاح، وإن بقي القرار موضعا للنقاش وتعدد الآراء بصدد التداعيات المنتظرة.
على جميع الأحوال لم يكن هذا المسار المسلح ليفرض نفسه…
– لولا أن العهد الاستبدادي في سورية المغتصبة، بدأ منذ أيامه الأولى بمسلسل تسريح الضباط الوطنيين الشرفاء ليحوّل قاعدة ربط كفاءة القيادة العسكرية بمعايير الوطن، إلى قاعدة الولاء للاستبداد المتسلط على الشعب مع اعتقال الوطن…
– ولولا أن الاستبداد الأسدي بدأ بترسيخ وجوده على جماجم الرفاق الذين اعتقلهم ونفاهم وقتلهم، من الجيش والحزب وحتى من الطائفة التي أصبح انتساب الأسديين يلوّث سمعتها، وهذا مع ضرورة تجنب أي تعميم في هذا الجانب أو سواه…
– ولولا اعتماد السلطة الاستبدادية على بضعة عشر جهاز استخبارات قمعي، تكونت من عناصر يبيعون الذمم والوطن برخيص المتاع…
– ولولا أن العهد الاستبدادي بدأ بصناعة ميليشيات موالية للاستبداد بعناصرها وتدريبها ومهامها، ومزودة بأسلحة ثقيلة أحدث وأشد فتكا من تسليح سائر الفرق العسكرية الرسمية، لتستخدمها السلطة ضد الأبرياء، حتى في المساجد كما كان في مسجد السلطان في حماة والأموي في دمشق ثم في كل مكان من أرض سورية…
– ولولا أن الجيش الوطني السوري أصبح بمعظم أفراده، معتقلا كالشعب في المعتقل الكبير، وتحت الرقابة والفتك كالشعب في الوطن الأسير…
– لولا أن سورية أصبحت بذلك دولة دون عرف ولا قانون، ولا نظام قويم يتولى الجيش فيه مهمة الدفاع عن البلاد ضد الأخطار الخارجية؛ لا أن يجد الشرفاء فيه أنفسهم مضطرين إلى دعم الشعب، وهو يحرر سيادته وصناعة قراره بنفسه، ويحرر كرامته وحقوقه، ويدفع الثمن بتضحيات جسيمة يومية عبر ثورته السلمية.
أما من أراد استيعاب استمرارية سلمية الثورة الشعبية فلينظر إلى جموع المتظاهرين في الشوارع، والملاحقين في القرى والحقول والبساتين، والمعذبين داخل أقبية المخابرات، والأبطال الذين يتحدون كل يوم دون سلاح، طاغوتا مدججا بالأسلحة.
من أراد لهذه الثورة الشعبية الأبية البطولية النصر على الاستبداد القمعي الإجرامي الفاجر، فليعلم أن الاستبداد لم يملك يوما مشروعية ممارسة السلطة، فلم يملك بالتالي مشروعية ما فرضه على القوات العسكرية أيضا.
بل إن كل ضابط وكل جندي يطيع أوامر التسلط الاستبدادي، ينتهك مشروعية سيادة الشعب على وطنه وجيشه، وهو بهذا جزء من الاستبداد القمعي، أو أنه كان مرغما على ما يصنع، أما بعد الثورة فلم يعد يوجد ما يسوغ بقاءه في موقعه، ولا ما يعفيه من المسؤولية إلا بتحرير نفسه فور توافر الفرصة الأولى له، كما صنع سواه من الضباط والجنود الأحرار الشرفاء، ليكون فعلا جزءا من الجيش الوطني… الجيش الوطني الحر.
إن الذين انشقوا عن الشعب هم أولئك الذين أصبح ولاء قسمهم العسكري وشرفهم العسكري للاستبداد وليس للشعب، أما الجيش الحر فهو ركن من أركان تحقيق النصر الثوري التغييري، ومحوره استرداد تراب الوطن واستقلاله، وتحرير إرادة الشعب وسيادته، والتمكين للدولة ووحدتها، بما يشمل جيشها الذي اعتقل منذ عقود.
وأستودعكم الله وأستودعه سورية وأخواتها أرضا وشعوبا وجيوشا حرة كريمة، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.