خواطر
بين أيدينا ظاهرة خطيرة عنوانها الوجه الإسلامي للثورة الشعبية، وتكمن الخطورة أن ذلك يُربط كخطأ جسيم غير مقصود، أو يربط بقصد التزييف المتعمد، بكل من يحمل عنوان “إسلاميون” فعلا أو انتحالا، وليس بالإسلام مباشرة، والإسلام هو مصدر الحكم على من يُنسب إليه بحق أو دون حق، وليس العكس، ويمكن اعتبار هذه الظاهرة من أسباب عرقلة مسار الثورة على أكثر من صعيد، ومن ذلك:
١- التوفيق بين تعابير “ثورة شعبية” و”ثورة إسلامية”
٢- التعامل بين الفصائل “المسلحة” عندما يصف كل منها نفسه بالثوري الإسلامي
٣- العلاقة بين عمل ثوري وعمل سياسي تحت عناوين “إسلامية”
٤ الخلط المتعمد بين نهج ثوري إسلامي اجتهادا ونهج “إرهابي” انحرافا، وصناعة الذرائع الإقليمية والدولية للمكر بالثورة
من أسباب انتشار سلبيات هذه الظاهرة ما نحمل المسؤولية المباشرة عنه، إذ أصبحنا نتعامل مع بعضنا بعضا عبر “قنوات المصطلحات” التي صممها سوانا وفق أغراضه، فتلقفناها غافلين عن مفعولها المدمّر.
مقارنات
نشأ جانب من الفوضى عن إطلاق وصف “إسلامي” على كل تنظيم أو عمل يعطيه أصحابه هذا العنوان، والجدير بالذكر أن هذه الفوضى في خلط المسميات ليست مقتصرة على توجهات إسلامية، وبين أيدينا كمثال وصف “ديمقراطي”، وقد انتحلته لنفسها دول شيوعية لم تعرف “التعددية” كما انتحلها طغاة مستبدون.
مع ذلك نادرا ما نجد متخصصين في العلوم السياسية والقانون الدولي يطلقون على تلك الأنظمة الشيوعية والاستبدادية وصف “ديمقراطية” لمجرد تسمية نفسها كذلك مادامت لا تحقق معايير أساسية للديمقراطية هي المعتمدة لدى المتخصصين، فعلام يغيب التعامل المنهجي المماثل مع ظاهرة انتحال وصف “إسلامي” دون معايير؟
إسلامي وغير إسلامي
لا بد في توصيف نظام أو تنظيم أو عمل بأنه “إسلامي” من الرجوع إلى معايير وثوابت، ويسري هذا في حقبة الاستقرار كما في فترة التحولات التاريخية المديدة التي نعايش أحدها ولا نزال في بدايته عبر الثورات الشعبية العربية.
لا يوجد مصدر “اجتهادي” يصلح أن يكون “معيارا”، بل المصدر الوحيد الملزم هو ما ثبته الإسلام في نصوص شرعية (الوحي) قطعية الورود وقطعية الدلالة.
أما الانتقال بذلك إلى ميدان النصوص غير القطعية في دلالاتها فيعني دخول مجال اجتهاداتٍ تلزم من يقتنع بها فقط، أما وصفها بالإسلامية تحقيقا فمرهون بمعيار كان دوما مجال إجماع دائم: “مقاصد الشريعة”.
معايير
أما الثورات فلا تنسب إلا للشعوب، وكل نسب آخر لا يعمم على “الثورة” نفسها إنما يقتصر على الاتجاه الغالب على فعالية ثورية ما.
يبقى أن القسم المشترك بين نهج الإسلام ونهج الثورة الشعبية هو “هدف” رفع الظلم عن سائر البشر، مسلمين وغير مسلمين. ولكن هل كل من “ينسب نفسه” إلى الاتجاه الإسلامي تسمية أو شعارا أو حتى منهجا هو وسيلة “ثورية إسلامية” بحق؟
لا بد من العودة في ذلك إلى معايير أساسية لنقول:
١- كل نهج “نظري” وكل سلوك “عملي” يتناقض تناقضا مباشرا صريحا مع “مقاصد الشريعة” بكلياتها الثابتة في الإسلام، أي يتناقض مع المعايير الإسلامية لا ينبغي إدراجه تحت عنوان “ثوري إسلامي”، وإن وصفه أصحابه بذلك.
٢- بالتالي لا ينبغي التعامل معه وكأنه مجرد طرف إسلامي “أخطأ في الاجتهاد” فمن جهة لا يؤخذ بالاجتهاد الخاطئ في التطبيق أصلا ومن جهة أخرى لا يوصف بأنه خطأ (بمعنى جانب الصواب صاحبه دون قصد منه) إلا عندما يلتزم المجتهد بشروط الاجتهاد وفق أصول الفقه، ولا اجتهاد في نصوص قطعية المصدر والدلالة وحيا، وهذا ما يمكن وصفه بالثوابت.
٣- إن الأخذ بذلك مسؤولية كبرى وبالتالي واجب مفروض، لا سيما في حالة “الثورة الشعبية” التي يترتب على الخطأ فيها إزهاق أرواح وطول معاناة.
مطالب
إن الثورة الشعبية في سورية في حاجة ماسة إلى:
١- الوعي المعرفي بالإسلام نفسه كما أنزل.
٢- الوعي المعرفي بواقع مسار الثورة وتطوراته.
٣- الوعي المعرفي بما يترتب على انحراف المنحرفين عن الثورة الشعبية، وعن الثوابت الإسلامية.
٤- التلاقي على القواسم المشتركة التي تجمعها الأهداف الثورية الكبرى بين جميع من يلتزم بها صادقا.
٥- التلاقي على الثوابت الإسلامية الكبرى بين الثوريين الملتزمين بها.
٦- الرجوع في ذلك إلى معايير ثابتة وليس إلى اجتهادات متعددة متباينة وأحيانا ضعيفة ومتناقضة.
كما أننا في حاجة إلى تفكيك ما تداخل من عناصر تحت عناوين إسلامية، بين ما هو:
عقدي وتعبدي، دعوي وسلوكي، مجتمعي وسياسي، ثوري وقتالي، وليس هذا موضوع الحديث في هذه الخواطر.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب