تحليل
في سورية كنموذج على تعرض مسارات الثورات التغييرية للخطر، دخل التعامل الإقليمي والدولي مع الثورة الشعبية مرحلة جديدة تعتمد على:
١- وصول المعاناة درجات لا تطاق
٢- انشغال الشعوب “الشقيقة والصديقة” عن سورية نتيجة تعدد المآسي وضبابية الوضع
٣- تطورات دولية مواتية على خلفية نزاعات وتفاهمات دولية وإقليمية
٤- المماطلة في التعامل مع ملف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية
٥- شلل قنوات التمويل الإقليمية المتعددة
٦- غياب الرؤية السياسية الثورية المشتركة
٧- تراكم عواقب انشغال الفصائل المسلحة بنفسها أو ببعضها بعضا
منذ سنوات بدأ التحرك المضاد للتغيير يعمل لتحويل المواجهة من ثورة شعبية ضد استبداد محلي إلى نزاعات إقليمية وإرهابية عشوائية، وقد أثبتت السنوات الماضية أن وصول المعاناة إلى أقصى مداها إنسانيا لا يغير قرارا سياسيا دوليا أو إقليميا، ولكن ألا ينبغي أن يغير طريقة التفكير والعمل على مستوى الفصائل الثورية والهيئات السياسية؟ يبقى من الثابت:
إما توحيد الصفوف وتوحيد الرؤية السياسية الثورية، أو الغياب نهائيا فلا يبقى شيء لتوحيده، وتزداد الفوضى الهدامة فتحول دون أي رؤية مشتركة.
لقد وصل مسار ثورة سورية -كسواها- إلى موقع مفصلي جدير بتعبير في فم الخطر، يعني أننا نخلّف تدريجيا مرحلة سابقة ونقف على أبواب مرحلة تالية، من مسار تغييري تاريخي، بدأته الثورات الشعبية عام ٢٠١١م، وأصبح استمراره على ضوء ما يجري في هذه الأثناء، رهنا باستيعاب احتياجات المرحلة المستقبلية وتلبيتها، فإن تحقق ذلك كانت أفضل مما سبق، وإن لم يتحقق فسوف يقع التغيير على كل حال، ولكن في الاتجاه نحو الأسوأ، إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويقيّض له القادرين على متابعة الطريق.
إن وجوهنا الحالية -معذرة- وجوه عتيقة مهترئة، رغم الأصبغة العديدة لتجميلها، ورغم التسميات المبتكرة لبعضها من شرعيين وقادة ميدانيين وعباقرة القلم والفكر، ولا نصلح بوجوهنا هذه لصناعة ما تحتاج ثورة شعبية إليه الآن، ويحتاج شعب ثائر إليه الآن، لتلبية متطلبات المرحلة المقبلة، بعد المرحلة المأساوية الحالية.
ونتساءل ماذا بعد الاختلاف إلى درجة الاقتتال، وبعد العشوائية إلى درجة الاضمحلال:
١- لقد وحّدت المعاناة أهلنا في كل مكان، فهل يوجد من بقايا القيادات من هو على استعداد لتوحيد الصفوف في اللحظة الأخيرة ميدانيا كيلا يسري علينا (لا يصلحون للمرحلة القادمة)؟
٢- هل يوجد من يراجعون أنفسهم وما طرحوا من رؤى سابقة، ليبدلوا فكرهم وعملهم حقا لا ادعاء، كيلا يسري علينا (لا يصلحون للمرحلة القادمة)؟
٣- في اللحظة المفصلية الحالية ما بين مرحلتين في مسار الثورة، هل سيتحول أحد من حاملي الرايات السياسية إلى سياسيين، ومن أصحاب الأقلام إلى مفكرين وأدباء، ومن أصحاب التخصصات القانونية والاستراتيجية وما شابهها إلى ناشطين منتجين، ومن يوصف بالإعلاميين إلى إعلاميين، لنحمل جميعا ومعا مسؤوليتنا الفعلية لا التجميلية والاستعراضية والنفعية، لخدمة القضية حقا، إقليميا وعالميا، كيلا يسري عليهم (لا يصلحون للمرحلة القادمة)؟
من العسير أن نحصل على جواب متفائل على أي سؤال من هذه الأسئلة الثلاثة التي تحدّد أعمدة أي عمل تغييري أو ثوري. ولن يمنع ذلك من بداية مرحلة أخرى من مسارات ثورية تغييرية أيضا، ولكن لن يكون آنذاك بالوجوه الحالية، ولا التجمعات السياسية الحالية، ولا الفصائل المسلحة الحالية، سواء في ذلك ما مضى عهده مع العقود الماضية، أو ما ولد في رحم الثورة وترهل قبل مضي وقت طويل عليه.
منذ مشهد الشهيد الطفل حمزة في سورية كمثال على سواها كان يوجد ما يكفي من الدوافع والأسباب لنغير أنفسنا ووجوهنا وعنادنا وانشغالنا بالتفاهات من خلافاتنا، ولم نفعل، لهذا أصبحنا في خبر كان من مجرى التاريخ، وسواء عاندنا أم لم نعاند، فقلنا ذلك علنا أو لم نفعل، أصبح الانتقال من مرحلة إلى أخرى خارج أيدينا، ولم نعد نملك سوى التأكيد:
الأمل من بعد الله عز وجل معقود على شباب جيل التغيير الذين صنعوا الثورة، وتصنعهم الثورة وتؤهلهم للحلول مكان سواهم وحمل مسؤولية متابعة الطريق حتى يتحقق التغيير المنشود.
فيا شباب ربيعكم العربي بعد خريفنا وشتائنا وظلمات قبورنا، يا جيل المستقبل المرجو، لا تقتفوا آثارنا فهي حارقة ماحقة -إلا من رحم ربي- واصنعوا من أنفسكم صناع التاريخ لأمتكم وللبشرية من حولكم، فأنتم أهل لذلك، ولعلكم تذكرون أمثالنا بدعوة في ظهر الغيب، فننال المغفرة عما كان في استطاعتنا صنعه، ولم نفعل.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب