خواطر
إذا استمر الأمر على منواله الحالي ما بين التنديد بمرتكبي إثم التطبيع بكلمات الشتيمة المحترقة بذروة الغضب، وبين كلمات تمجيد شاذة، في هاوية التيئيس وحضيض الهوان، فلن يجد أبناؤنا وأحفادنا بعد عشرين سنة أو أكثر قليلا أو أقل سوى تكرار خطوات الانحطاط في اتجاه مناقض لكل منطق وعقيدة وحق وعدل وكرامة.
إن أحداث التاريخ لا تصنعها الكلمات بل تصنعها قوة الحق، أو قوة الباطل، والنتيجة هي حصيلة العمل، انطلاقا من رؤية قويمة أو فاسدة، وأهداف مشروعة أو باطلة، وفي الحالتين من خلال وضع لبنة فوق لبنة من بناء متواصل، تخطيطا وتنفيذا وبذلا وصبرا وتصحيحا للأخطاء وتطويرا للإمكانات.
كثير منا كان يذرف دموع التأثر العميق إزاء خطوات التطبيع الأولى مع كامب ديفيد ووادي عربة، ويسجل الكلمات التي يسمعها، ويوزعها، مع عبارات الإعجاب والإطراء، وهي إما من نصوص خطب عصماء أيام الجمعة والأعياد أو من نصوص صخب إعلامي يتمسّح باتجاه سياسي أو فكري من الاتجاهات المتعادية..
في القضايا المصيرية لا يصح القول إن غياب الوعي كان عذرا، وقد غاب عند كثير منّا، عند من كان يتخذ مواقف التأييد أو الإعجاب أو التعليل إزاء من كانوا بخطبهم الصاخبة وكتاباتهم الصاخبة، يعارضون من قبل التطبيع مثلما ينددون به اليوم، فعلام استغراب أن تكون الحصيلة مزيدا من الهوان والتخلف من أجل كرسي اسمه كرسي السلطة، وقد أصبح رمزا للمهانة على كل صعيد.
* * *
علينا أن نوفر الأقلام والأصوات والأعصاب ونوفر مشاعر من يتابعها، فلا نستخدمها للتنديد بمن لا يستحقون تمجيدا ولا تنديدا، وللغضب ممن لا يفقهون للغضب سببا ولا دافعا، وبالتالي ألا نساهم في جعل التنديد والغضب يسيطران خلال عقود تالية على الأذهان والمشاعر والأفكار والكلمات مثلما كان في عقود ماضية دون نتيجة مشرّفة.
وعلينا بدلا من ذلك تأكيد منطلقات للأمل والعمل:
١- أن يكون أول ما نلتزم به ونعمل لبيانه، أنّ كل هدف كبير يبدأ من الحضيض فإن اقترن بالعمل تجاوزنا العقبات مهما كانت جسيمة، وإن اختزلنا العمل في الكلام، سقطنا وإن لم نواجه عقبات حقيقية.
٢- أن نعتبر الإخلاص للقضايا المحورية والمركزية، كفلسطين والتحرر والتقدم، هو المعيار من فوق اختلاف انتماءاتنا وتوجهاتنا، وأن يكون هذا الإخلاص الظاهر في الممارسة وليس في المزاعم الكلامية وحدها، هو القاسم المشترك الأول بيننا.
٣- أن نركّز على إبداع الوسائل والأساليب والآليات المناسبة للعمل، رغم الاستبداد المحلي والدولي، وللوصول بها إلى نشر المعرفة والوعي بقضايانا وكيف نخدمها بالأمل والعمل، وذلك على صعيد أنفسنا وأهلينا، ولا سيما الأطفال والناشئة، والآباء والأمهات، والأساتذة والكتاب، والعلماء والدعاة، والمفكرين والأدباء.
٤- أن يكون ذلك منطلقا للبحث عن مزيد من القواسم المشتركة والمعايير التي تصلح لقواعد عمل مشترك، عبر التواصل والتشبيك وعبر التخصص والتكامل.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب