ورقة تحليلية
لا يزال يغلب علينا الإحساس بالألم والحرص على مواساة أهلنا في المغرب وفي ليبيا تخصيصا وكذلك في الجزائر التي غابت متابعة كارثة حرائق الغابات فيها وراء كارثتي الزلزال والفيضانات، إنما لا يصح تأخير ما تنبغي مراجعته من حصيلة التعامل مع الحدث قبل أن يلعب مرور الزمن دوره في تأخير أداء الواجب مجددا، وإلاّ فقد نجد أنفسنا بعد فترة وجيزة في مواجهة أحداث أليمة أخرى، قبل أن تجد الإيجابيات الحالية مزيدا من المراعاة وتجد السلبيات مزيدا من الحرص على تجنبها مستقبلا ومن الجهد اللازم لذلك، لا سيما وأن سنة ٢٠٢٣م قد شهدت العديد من الكوارث مع مزيد من المعطيات لتوقعات سلبية مستقبلية.
٠ ٠ ٠
توجد مصادر إعلامية مثل (سي – إن – إن – بالعربية) تنوّه إلى مؤشر المخطط العالمي الذي يشمل ١٩٣ دولة، حيث نجد أن غالبية البلدان العربية تحتل مواقع متوسطة من حيث درجة خطورة التعرض للكوارث الطبيعية، ويعتمد تقدير ذلك على معايير موزعة بنسبة خمسين في المائة لخطورة موجودة طبيعية، كالموقع الجغرافي على أحد الأشرطة الأرضية والمائية الأكثر تعرضا للزلازل؛ ثم تحدد نسبة خمسين في المائة لتحديد درجة الخطورة الناجمة عن ضعف الاستعدادات الوقائية والإغاثية، مثل معدات البحث والإغاثة، والإدارة المتخصصة، والفرق المتأهلة، ومدى الالتزام بالتعليمات الخاصة بمواد البناء وتشييد الأبنية هندسيا وعمرانيا، ناهيك عن عنصر المحاسبة الذاتية بضمير حي، مقابل انتشار ممارسة الفساد والمحسوبيات وما يتبع لها.
في كارثة زلزال الحوز في المغرب كان المصدر الأكبر لشدة الكارثة هو الوعورة الصخرية الجغرافية، ويبدو أن التكاليف المادية كانت كبيرة فلم توضع بما فيه الكفاية بعين الاعتبار للتصرف بإجراءات وقائية كافية للتعامل مع القرى النائية وسكانها حين وقوع كارثة ما، أما بالنسبة إلى الفيضانات في ليبيا فكان المصدر الأشدّ تأثيرا في بلوغ حصيلة الكارثة درجة غير مسبوقة لم يكن في شدة إعصار دانيال بقدر ما كان في غياب الإجراءات الوقائية بما فيها الإنذار المبكر وانعدام وجود مخططات رسمية لإخلاء السكان عند تسجيل بوادر كارثة ما، وهذا ما يعود إلى أن أولويات المسؤولين في شرق ليبيا وغربها كانت مركزة على النزاع والسيطرة وتأمين أسباب الغلبة عسكريا وأسباب الاستبداد سيطرة على مفاصل الدولة وثرواتها، على حساب أعمال الصيانة للسدود لتحقيق درجة ما من الأمان في مسارات الفيضان حال انهيارها.
وبغض النظر عن الموقف من نظام الحكم في كل من البلدين على حدة، كان الالتحام الشعبي الوطني في المغرب أظهر للعيان، فضلا عما وجده المغرب من دعم دولي لا سيما من أسبانيا وبريطانيا وتونس وتركيا وقطر، وهو ما وجد الترحيب من جانب المسؤولين، مقابل رفض العون الفرنسي وفي ذلك إشارة إلى مدى ما فقدته فرنسا من الثقة بها بسبب سياسة رعناء مارسها المسؤولون فيها وازدادت عجرفة بزعامة ماكرون، تجاه أفريقية عموما والشمال الأفريقي والإسلام تخصيصا، وكذلك مقابل تجاهل المغرب لعرض العون الجزائري وهذا ما يعني تفويت فرصة نادرة للمصالحة الثنائية رغم الألم المرتبط بالمناسبة الكارثية.
أما الوضع في ليبيا فكان كارثيا على الصعيد السياسي بقدر ما كان كارثيا بسبب الفيضانات، فقد عجز المسؤولون المنقسمون على أنفسهم شرقا وغربا عن مجرد التلاقي على جهة مشتركة لمتابعة تعداد الضحايا والمصابين والمشردين، فضلا عن الإقرار المباشر بتحمل المسؤولية السياسية، حتى أن التصريح بحجم القصور من حيث صيانة السدود مع توجيه طلب رسمي للنائب العام للتحقيق مع المسؤولين ومحاسبتهم، كان مقترنا بتجاهل المسؤولية الذاتية المفترضة على لسان صاحب الطلب، وهو كبير المسؤولين السياسيين عما يقع من قصور في نطاق مسؤوليته تحديدا.
٠ ٠ ٠
إن الدروس المستخلصة من الكارثتين كثيرة وجميعها دامية وموجعة، إنما في مقدمتها ضرورة تعزيز الإجراءات الوقائية والبنية الهيكلية الإغاثية من فوق كل خلاف وتناقض سياسي، وهيهات أن يتحقق ذلك ما بقيت لغة السلاح وبقي الاستناد إلى تبعيات أجنبية، هما منطلقات التعامل بين العناوين السياسية المتعددة بذريعة المصلحة والحقوق، حتى عندما تضيع سائر المصالح المشروعة والحقوق الإنسانية.
وأستودعكم الله وأستودعه أهلنا في المغرب والجزائر وليبيا وفي كل مكان، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب