الأنظمة الشقيقة لبقايا نظام إجرامي

الواقع العربي من إفرازات الواقع الدولي

رأي

كيف لإنسان عاقل لديه قسط من الوعي أن يستغرب صدور الإعلان عن إعادة مجرم الحرب إلى جامعة الأنظمة العربية، وكأنها ليست أنظمة شقيقة مخلصة لبقايا نظامه، أو كأن وجودها في تلك الجامعة يقوم على الحق والعدل والقانون والسياسة؟

بل كيف يبقى بعض المنتسبين للنخب من السوريين يتحدثون حتى النهاية عن الأمل في مواقف بعض الأنظمة التي تعارض القرار، كما لو أننا نتعامل مع سياسات ذات أخلاق وقيم تحفظها وتضبطها؟

وأشد من ذلك مدعاة للاستغراب أن يوجد حتى الآن من ينتظرون من الدولة الأمريكية أن تتجاوز نفسها، وتقف حاجزا بين تلك الأنظمة -ومعظمها تابع لها- وبين قرار تعويم الغارق في الدماء البريئة حتى أذنيه، كما لو أن واشنطون سبق ونفذت عبر السنين الماضية، ولو خطوة فعالة واحدة ضد ارتكاب المجرم لجرائمه المتوالية بدءا بحكايا الخط الكيمياوي الأحمر انتهاء بصور قيصر الموثقة والقانون الأمريكي العتيد بناء عليها؟

إن من أخطائنا أو أخطاء نخبنا، على اختلاف التوجهات والإمكانات والمواقع، ألّا نستوعب حتى الآن ما تعنيه وتستدعيه كلمة ثورية صادقة صدرت عن حناجر من يوصف بالبسطاء من أهلنا الثائرين: يا ألله، ما لنا غيرك يا ألله.

مهما أردنا تجنب التعميم، ومهما حرصنا على استبقاء الثقة بجدوى تعامل مدروس مع بعض الساسة العرب والمسلمين والدوليين، فمن المفروض أن ندرك بعد اثني عشر عاما مضت على انطلاقة مسيرة التغيير، أن الجميع يرون في تلك المسيرة ما يتناقض مع مطامعهم الذاتية أو حتى مصالحهم المشروعة، ويرون فيها خطرا على أنفسهم وأنظمتهم، أو يخشون عموما من عواقب التعامل المنصف معها، ولهذا فهم جزء من التحرك المشؤوم ضدها، أي ضد تحرير الإرادة الشعبية عبر التغيير؛ وهم يستخدمون التواصل مع “النخب” أحيانا للظهور بمظهر الحرص على العدل والحق، ولكن لا يمكن أن يمضوا بذلك إلى درجة الاحتضان والدعم والتأييد.

لا يوجد في بلادنا وعالمنا نظام محلي دون ارتباطات وعلاقات خارجية، إقليمية ودولية، معظمها وظيفية تخدم قوى أجنبية وحتى معادية، وعندما تقوم ثورات شعبية تنادي بوضوح: الشعب يريد إسقاط النظام، فهي تعلن بوعي وقصد أو دون ذلك، أنها تستهدف مع النظام المحلي شبكة تلك العلاقات والارتباطات الخارجية وما تنطوي عليه من منافع ومصالح غير مشروعة، وشبكة خدمات وظيفية مرفوضة من الأساس؛ فهل نتوقع من تلك الأنظمة خطوة إيجابية حقيقية فعالة مستدامة، أم نتوقع المراوغة إلى أن يحين موعد قرار إعادة بقايا النظام في سورية الملوث بالدماء إلى الحضن العربي المأساوي المشترك؟

هذا مشهد واقعي فلا مكان لما يلوح خارج إطاره، من توقع أو أمل أو وهم، ولا جدال أو مساومة على صفقة، وقد أصبح الانزلاق إلى الانشغال بذلك أشبه بنواح على الأطلال، لا يعيد الحياة لميت ولا ترجى منه فائدة لحيّ، والأجدى تجديد التواصل لتوجيه الجهد الأكبر والفكر المشترك للتوصل معا إلى تقدير موضوعي متوازن لواقع ما بلغه مسار التغيير، ولصياغة رؤية مشتركة، حول محور واحد: كيف نتابع الطريق، بدلا من طرح ألف سؤال وسؤال حول من يمارسون التحرك المعادي المضاد: ماذا يصنعون وماذا يريدون، وهل يصدقون أم يكذبون، وكيف يبررون ومتى يتوبون!

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

جامعة الدول العربيةسورية