استهداف السعودية بسهام سعودية

الدولة أهم من السلطة

رأي

في البداية يحسن التأكيد، أن مجرد استخدام كلمة السعودية اسما للدولة، يثير الاستياء إذ كأن من اختاره يريد نشر الوهم أن الأرض وشعبها وثرواتها تمتلكها العائلة من آل سعود، فيمكن أن تصنع فيها ما تشتهي. في ذلك ما يذكر بقول أبي مسلم الخولاني للخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان (أيها الأجير) ثم كيف شرحها بأن من يتولى مسؤولية السلطة ليس أكثر من عبد استأجره ملك الملوك، رب العالمين، ليؤدي أمانة تلك السلطة وسيحاسبه على ذلك.

ليس هذا محور المقال، إنما هو تمهيد لتأكيد النأي بالنفس عن أي ضرب من ضروب الممالأة قد يوحي به القول برفض شعور من يعارض السياسات والممارسات السعودية أو جلها، بالارتياح والرضى، ناهيك عن الشماتة، مع وصول الوضع إلى حالة خطيرة تحت ضغوط خارجية كبيرة، انطلقت من التفاعل الدولي مع جريمة اغتيال جمال خاشقجي رحمه الله، وهو تفاعل ينسجم مع وجود رغبة دولية عامة باستبقاء الهيمنة شبه المطلقة على جميع بلادنا، لا سيما من يملك إمكانات وطاقات كبيرة منها، مثل السعودية ومصر وتركيا، وحتى إيران رغم كثرة ما ارتكبت سلطاتها من جرائم داخلية وخارجية.

لقد أصبحت تركيا مستهدفة منذ تغلبت إرادة الشعب على استبداد عسكري طويل، وأصبحت مصر مستهدفة بسبب ثورة قامت لتحرير إرادة الشعب وسيادة الوطن فواجهت انقلابا عسكريا دمويا، وكانت السعودية ولا تزال منذ عشرات السنين مستهدفة، وكانت السيطرة الأجنبية شبه المطلقة على صناعة القرار فيها عبر سلطات محلية هي الوسيلة لذلك الاستهداف.

رغم ذلك يبقى الأمل في إخفاق أغراض القوى المهيمنة عالميا، ولا يكون ذلك دون أن تنطلق السلطات في تلك البلدان وأمثالها من إرادة شعوبها، وتسعى للتقارب والتكامل والتعاون على كل صعيد.

الجريمة جريمة، والمجرمون مجرمون، ويجب الكشف عن جميع جوانبها ويجب أن يجد مدبروها ومرتكبوها العقاب، ليس من أجل أي دولة أخرى، صديقة كتركيا، أو عدوة كالولايات المتحدة الأمريكية، وليس من أجل سلطات في بلدان أجنبية تدعي الدفاع عن الحقوق والحريات وعن الإنسانية والإنسان، وهي تنتهك جميع ذلك ليل نهار أو تسكت عن ذلك عندما يكون في السكوت خدمة لمصالحها ومطامعها، أو عندما يبقى الحدث دون مستوى تحريك الرأي العام أي الناخبين لديها.

يمكن أن يكون الحدث وسيلة لتحريك الضمائر على مستوى عالمي وإنساني، ولكن الأهم من ذلك:

– يجب الكشف عن الجريمة ويجب عقاب المجرمين من أجل السعودية نفسها

– من أجل شعب يعيش في بقعة من الأرض تحمل هذا الاسم

– من أجل تحرير ثروات وطن من أوطاننا، وأكبر ثرواته وأعظمها وأهمها مكة والبيت الحرام والمدينة والمسجد النبوي، وتاريخ ١٤٥٠ عاما مضت

– من أجل مستقبل أفضل مما كان حتى الآن

– من أجل خدمة هدف أبعد مدى هو أن ينشأ في بلادنا وعالمنا وعصرنا عدد من المرتكزات في عدد من الدول الناهضة، عساها تتلاقى على قواسم مشتركة وأهداف مشتركة ومشاريع مشتركة لخدمة شعوبنا وبلادنا وخدمة الأسرة البشرية بما يحررها من ويلات معادلة التبعية والهيمنة المفروضة منذ عشرات السنين، وقد أصبحت من أخطر منابع الشرور والأضرار على جنس الإنسان في كل مكان.

يجب أن نطالب كل قادر من داخل السلطة في السعودية وخارجها بالعمل على الانطلاق من هذا الحدث المفجع، وما ترتب عليه، لشق طريق جديد، قد يبدو صعبا في اللحظة الراهنة، ولكنه أجدى من المضي قدما في طرق مهترئة، لم تؤد -رغم الترف والتجبر- إلى أي نتيجة إيجابية منذ عشرات السنين، ولعل شق طريق جديد للبلد وأهله، وللعرب والمسلمين من وراء ذلك، هو أفضل عزاء حقيقي لا كلامي، لذوي خاشقجي ومحبيه، فآنذاك يمكن القول إن دماءه ساهمت في تعبيد الطريق لبداية جديدة، لا نرى بوادر لها حتى هذه اللحظة، ولكن كثيرا من جوانب الواقع الذي نراه بأعيننا اليوم كانت بداياته أحلاما وتمنيات في أيام غابرة.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

 

اغتيالاتالسعوديةجمال خاشقجيمحمد بن سلمان