يا أصحاب الفخامة والسمو
بلا مقدّمات فالأجواء حولنا هي المقدّمات
ودون أسماء، فالجواب غير مطلوب، وما اعتدنا على إجابة
الحبل – للأسف – مقطوع بين أمثالنا من البسطاء وأمثالكم من الزعماء.
* * *
أصبحنا نصيح صياحا، عبر قنوات فضائية عديدة، ومفتوحة لكل من هبّ ودبّ
ونتفلسف عبر قنوات سياسية ضيقة، صارت متنفسا لمن يعاني من ضيق التنفس بين قضبان الوطن الكبير
والصوت يغيب بين أصوات الملايين أو عشرات الملايين، ولا أحد يحصر أصواتهم ولا تجدي ملاحقتهم.
يشجّع على الكلام دون خوف، أنّكم لا تهتمّون بصوت ضائع في صياح مليوني “من المحيط الهادر.. حتى الخليج الثائر” ولا أضيف ما كان يقال في غابر الأيام: “لبيك عبد الناصر..”، أقصد ذاك الزعيم الذي مات قبل عشرات السنين، فهل تذكرونه، وهل تذكرون مَن مِن أشباهه رحل قبله وبعده، ومَن قد يلحق به وبهم منكم قريبا؟
تساهم في ظني بعدم اهتمامكم بأمثالي، دراسات وتحليلات أمريكية تحبونها تريد إقناعكم بأنه لا داعي أصلا للاهتمام بنا، وأنتم تقتنعون بسرعة! واسمحوا لي أن أضيف: هم لا يهتمون بكم أيضا، إلا لغايات هي عندهم أغلى منكم، ويمكن أن يستغنوا عنكم من أجلها، ولكن لا يستغنون عنها من أجلكم قطعا!
وعلام يهتمون ومصالحهم آمنة تحت حمايتكم، لا يصل إليها جام غضبنا، وأنتم – كما يزعمون – تحت حمايتهم، فهل تعلمون ممّن!
* * *
معذرة من هذه النقلات السريعة، إذ تسبق القلم في تحوّلها إلى مداد مقروء، قد تصلح لفيلم ساخر لولا أنها ملوّنة بدماء تُهدر، ومخلوطة بتراب وطن ومقدّسات تُدنّس، ومصوّرة مع كرامة إنسان يُقهر.
* * *
يا أصحاب الفخامة والسمو..
ما أغبى من يطالب منا بموقف يتحدّى سيدتكم الأولى؟
يريدون أن نموت من الظمأ دون الكوكا كولا، ومن الجوع دون ماك دونالد، وأن نركب الجمال بدلا من البويك والكاديلاك.
يريدون أن ينشأ أطفالنا دون والت ديزني وصحبه، وأن يكبر شبابنا دون صحبة جيمس بوند ومايكل جاكسون ورامبو.
أهذا كلام أناس متحضرين؟
علام يحرجون بمثل هذه المطالب دولنا المتحضرة؟
أولا يرون أن المسؤولين مشغولون بما أنجزوه على دروب التقدم، والرقي، والتصنيع، ومكافحة البطالة، ونشر التعليم، وترسيخ الحريات، وإبادة الأمراض، وإصلاح الأرض، ومشاريع الري، فما معنى مطالبتهم بأسلوب “التعجيز” بإضافة إنجاز تحرير البلاد والعباد والمقدسات إلى تلك الإنجازات؟
ثم ألا يرون أن من سار على طريق التقدم من الأمم الأخرى، لم يحقق شيئا إلا بفضل روح التحضر والسلام! هذا ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الأمم المتقدمة، فهي لم تشارك إلا في ١٥٠ حربا في خمسين سنة ماضية، ولم تصنع من السلاح مع زراعة القمح سوى ما يزيد على بضعة عشر ألف رأس نووي وبضعة وأربعين ألف طن من الأسلحة الكيماوية، لا تكفي مع بعضها بعضا إلا للقضاء على الأرض وما عليها من بشر وشجر بضعا وثلاثين مرة فقط، ولهذا فهي تحتاج إلى صواريخ كونية مضادة للصواريخ لتدافع عن نفسها!
ومنعا للالتباس وجب التوضيح:
الأهم هو مصالحنا المشتركة مع دول العالم المتحضرة، وليس بين بعضنا بعضا، مصالحنا مع من أثبتت مكانتها ما بين حرب فييتنام وتمرّد كوبا، وأعطت ألف دليل ودليل على قيمة صداقتها، ومن لم يصدق فليسأل شاه إيران في قبره أو رفيقه بينوخيت حيّا وميّتا!
ومن لا يعلم عن وفائها لأحبابها العرب.. فليسأل شوارع فلسطين!
* * *
عفوا.. هل تدرون أين تقع فلسطين؟
إنها هناك، ما بين “إسرائيل” و”إسرائيل”
ولكن يبدو أن هؤلاء الناس المتظاهرين لم يتعودوا بعدُ على ما ينبغي أن يتعودوا عليه، تَلْقينا بعد تلقين بعد تلقين، عبر الخطب والتصريحات، والمقالات والتحليلات، والكتب والأفلام وجوائز التكريم والتبجيل.. أن فلسطين هي “إسرائيل” وأن الصهاينة الغاصبين بشر عاديون، وأن الأرض الممتدة من الفرات إلى النيل هي أرض حرب بين العرب الميامين!
ألم يستوعبوا أن بلادهم لم تعد “الوطن العربي الكبير” ولا الصغير، إنّما هي بلاد “شرق أوسطية” و”شمال أفريقية” و”متوسطية” قد دبّت فيها روح السلام في مدريد، وسرت سريان سمّ الأفعى في كل طبق شهي من أطباق التعليم والتثقيف والتوعية ووسائل إعلام فضائية وشبكية، حتى في المناهج الدراسية، وحتى باللغة الأمريكية في رياض أطفال المستقبل، فضلا عن وسائل إعلام سميعة مطيعة.
* * *
يا أصحاب الفخامة والسمو..
هل من نصيحة لمواجهة روح انتفاضات شعبية “غبية” تحت الرماد وفوق الرماد؟
نعم.. نصيحة من أذكر اسمه يوميا، ولا أخفيكم أنني أُتبعه كل مرة بأن لعنة الله عليه، فاسمعوه يهتف بكم:
لا تسمعوا صوت الشعوب!
فلا يفيد سماع صوت الشعوب ولا الالتحام بها شيئا، فسندكم المعتمد عند سيدتكم المحبّة لكم، هو الاسـتقرار، وهو لا يتحقق في قواميسها بإرضاء الشـعوب بل بقهرها، ولئن اسـتحال الحفاظ على اللجام على أفواه أبنائها، فيكفيكم تجاهل ما يقولون!
لا تسمعوا صوت الشعوب!
صحيح أن حصار الشعوب حصارا إعلاميا محكما وفق إرادة السلطات، قد انهار وسقط، ولكن هل غير ذلك من أوضاعكم واستقرار خيوط أنظمتكم العنكبوتية؟
اطمئنوا إذن وتابعوا دروبكم على ما كنتم عليه آمنين على أنفسكم!
(ملاحظة اعتراضية قبل أن تنسوا: مازال هذا من نصيحة إبليس.. وكلامه!)
لا تأبهوا بالشعوب، ولا تسمعوا لصوتها، وامضوا على ما كنتم عليه حتى الآن، وإبليس اللعين يكفل لكم أن الشعوب لن تثور عليكم، ولن يقع انفجار مهما بلغ الغليان، ولن يتزعزع عرش مهما تمادى الطغيان، طغيان واشنطون في التعامل معكم وليس مع شعوبكم فحسب!
أما صهيون فلعل أشد ما تخشاه، أن يتحول الالتحام بين الشعوب عبر الحدود، إلى التحام بين الشعوب وأصحاب السلطة وبين أصحاب السلطة، على امتداد الأرض العربية والإسلامية، فاحذروا ثم احذروا – باسم إبليس اللعين – أن تصنعوا ما تخشاه “صهيون” منكم.
لا تسمعوا صوت الشعوب!
نبيل شبيب