أوكرانيا وثورة سورية

حدود تبدل المعطيات الدولية

خواطر 

كانت فكرة هذا الموضوع جاهزة للصياغة، وقبل الشروع في النشر وصلتني من أخ عزيز أقدّره الكلمات التالية عبر مرسال “واتس أب”:

(هل استفادت الثورة السورية من حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا وداعميها؟

وهل يمكن للثورة أن تستفيد من داعمي أوكرانيا بأي طريقة، خاصة أن المصالح التقت بيننا وبين أوروبا؟)

ولا يقتصر الحديث على الثورة الشعبية في سورية، بل يشمل بمضمونه مسارات الثورات الشعبية الأخرى في بلداننا، وإن اختلفت التفاصيل.

منطلق السؤال أو منطلق هذه الخواطر هو التبدل الجديد نسبيا في معطيات العلاقات الدولية، الناجم عن نشوب الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وأحسب السؤال مطروحا في أوساطنا على نطاق واسع؛ ونلاحظ في البداية، أن التبدل الجديد بمعيار دولي سبقته تبدلات أخرى، بعضها كبير يستوقف الجميع لارتفاع صخب السلاح فيه، وبعضها أقل حجما وأدنى ضجيجا.

أما الشطر الأهم من السؤال المطروح فهو: ما الذي ينبغي صنعه للاستفادة من التبدلات حولنا، الجارية بين أيدينا ومن خلفنا، سواء كانت إيجابية بمنظورنا أم سلبية.

مع اعتبار الشأن السوري مثالا، فلا شك أن روسيا التي ارتكبت حربا إجرامية فاحشة في سورية، تتعرض لضربات متنوعة في حربها ضد أوكرانيا، ليس من حيث العجز عن خوض حرب خاطفة كما أرادتها، ولا من حيث التقدم والتراجع عسكريا على أرض المعركة فحسب، إنما علاوة على ذلك من حيث إنهاكها عسكريا وإصابتها بأضرار كبيرة، اقتصاديا وماليا، وبالتالي الكشف عن نقص كبير في الشروط الضرورية لتكون لاعبا متقدما في ساحة صراع الأقطاب عالميا. وعندما تكون روسيا على هذه الحالة فليس سهلا أن تتابع حربها الإجرامية في سورية على الوتيرة التي كانت عليها.

لا شك أيضا أن أوروبا أي الدول الرئيسية فيها لم تعد تتعامل مع روسيا كما كانت تتعامل معها قبل انطلاق حربها في أوكرانيا، وأن جزءا من المتغيرات هنا يصب في صالح ثوراتنا الشعبية في سورية وأخواتها، وأن بعض ما تحتاج إليه أوروبا لتستعيد أمن استهلاك الطاقة فيها، هو مما تمتلك بعض الدول العربية والإسلامية تأمينه لأوروبا، وهنا يمكن الحديث بمعطيات جديدة لاستخدام لغة المصالح.

هنا نصل لجوهر السؤال المطروح:

ماذا نريد صنعه للاستفادة من المعطيات المتبدلة لا سيما في العلاقات الروسية الأوروبية؟

هل نريد العمل من أجل سياسات أفضل تجاه الثورة الشعبية؟ هل نريد لتحقيق ذلك مثلا دفع دول مثل قطر والجزائر والسعودية والإمارات لتعديل سياساتها في قضايا سورية وتونس والسودان وغيرها، باعتبارها -أي قطر والجزائر والسعودية والإمارات- تمتلك من الوفرة في مصادر الطاقة ما يسمح بتوظيفه للتأثير على السياسات الأوروبية، ومن بينها ما يتعلق بالضغوط على روسيا وهي أقرب ما تكون إلى دولة احتلال في سورية مقابل التدخلات شبه العسكرية في دول أخرى؟

كيف نوازن بين ذلك -وهو مثال مبدئي- وبين ما بدأ يصيب أوروبا نفسها من أضرار، ليس اقتصاديا ونقديا فقط، بل على الصعيد السياسي والأمني أيضا، فمما تخسره أوروبا حاليا جزء من استقلالية قراراتها عن واشنطون، ولم تتبدل سياسات واشنطون تجاه ثورات شعوبنا، فهل يمكن التأثير على السياسات الأوروبية لصالح الثورة الشعبية، بمعزل عن ارتباطها بالسياسات الأمريكية؟

ليست هذه الأسئلة من باب الاستغراب أو استبعاد القدرة على تحقيق المطلوب، إنما نحتاج إلى استيعاب الشروط الأولى للتحرك والعمل، ومنها بصيغة مبسطة للغاية:

١- ظهور ما يشبه جهاز مصنع للتفكير، يبلغ مستوى مرجعية فكرية، لمتابعة المتغيرات واستخلاص الصياغات الأصح للهدف البعيد والأهداف المرحلية ومتابعة ما يطرأ من متغيرات تالية.

٢- الخروج من واقع الجمود وما هو أدنى من الجمود على صعيد السياسات والقيادات في مسار الثورات الشعبية، إلى حالة الفعالية المؤثرة والتي تتكون من خلالها مرجعيات قيادية متكاملة متعاونة.

آنذاك نستطيع تحديد ما هو في مصلحة الثورات وأين تلتقي في ذلك مع قوة دولية أو إقليمية وكيف نستخدم لغة المصالح المتبادلة في خدمة الثورات والشعوب الثائرة وخدمة مستقبلها.

وحتى لقاء قادم أستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

أوكرانياالثوراتسورية