أوراق المفاوض الجديد باسم الثورة في سورية

الإصرار على إسقاط النظام

رأي

يواجه المفاوض الجديد باسم الثورة في سورية في المفاوضات القادمة جملة من العراقيل والصعوبات، فهو يتحرك بوفد يشمل قبيل نهاية ٢٠١٧م بعض من يرون التراجع حتما مفروضا، وبعض من كانوا شركاء في التحرك المضاد للثورة، وفريقا تحت عنوان تمثيل الفصائل وقد سبق احتواء تحركها الميداني، أما الإطار العام فعملية التفاوض تحت الحصار كشعب سورية الثائر، وتحاصرها قوى دولية وإقليمية معادية أصلا وأخرى مقيدة بمصالحها وظروفها وإن كانت تودّ “لو” تنتصر الثورة.

رغم ذلك إذا أراد المفاوض باسم الثورة فعلا ألا تجرفه المفاوضات في أحد هذه الاتجاهات ليساهم في التراجع المستمر منذ سنوات، فلا بد أن يضع لنفسه هدف العمل لوقف التراجع حيث وصل إليه على الأقل ولزرع بذور جديدة لعكس المسار نحو الاتجاه الصحيح.

لا يتحقق وقف التراجع وعكس مساره دون “ثوابت” في عملية التفاوض وأسلوبه تنبثق عن “ثوابت” أهداف الثورة الشعبية في سورية.

عندما يتكرر الحديث جولة بعد جولة عن تمسك المفاوض باسم الثورة برحيل رأس بقايا النظام الهمجي ومحاكمته مع أركان عصابته وإجرامه، فليس هذا العنوان اعتباطيا، ليس شعارا قابلا للتبديل، وليس تعنتا يزول بالمساومة، وليس هو أحد الأهداف فحسب أي يمكن تأجيله إلى ما بعد التفاوض على سواه، وجميع ذلك من الثغرات التي استطاع التحرك الدولي المضاد للثورة النفاذ من خلالها ليصنع التراجع في القاعات السياسية بموازاة الهجمة الشرسة من جانب قوى الاحتلال وقوى العداء لصناعة التراجع ميدانيا.

كذلك المفاوض باسم الثورة لا يحصل على هذا الوصف اعتباطا، بل بقدر ما يرتبط تصورا وتصرفا بالمسار الثوري التغييري، وهو ثابت منذ نداءات ارحل والشعب يريد إسقاط النظام، يدور مع بداياته الشعبية تلك وحتى اليوم، حول بند ثابت، نستوعبه بمختلف وجوهه المتكاملة معا:

١- الرحيل والمحاكمة أولا.. هدف شعبي تشريعي للثورة، وهو الأول والمحوري، وكل ما يحيد عنه في المفاوضات أينما جرت، يحيد عن مشروعية تمثيل إرادة الشعب.

٢- الرحيل والمحاكمة أولا.. هدف قانوني دولي للثورة الشعبية بجميع المعايير المعتمدة في المواثيق الدولية ناهيك عن القانون الدولي الإنساني.

٣- الرحيل والمحاكمة أولا.. هدف سياسي تغييري لكل من يتحدث باسم الثورة أو يزعم دعم إرادة شعبها وهو مصدر مشروعية المفاوض، ومشروعية ما يوقع عليه.

٤- الرحيل والمحاكمة أولا.. هدف إجرائي تفاوضي فكل خطوة تسبقه كصياغة دستور أو إطلاق مرحلة انتقالية لا قيمة لها بل هي خطوة إلى الوراء، لأنها تفرغ الهدف الشعبي المشروع من محتواه ومقصده، وتوهم بمشروعية بقاء الاستبداد جزئيا أو كليا وقابلية المقايضة على محاكمته على جرائمه، لا سيما بعد اندلاع الثورة.

إذا أراد المفاوض باسم الثورة ألا يشارك في استمرار التراجع، وأن يعمل لعكس مساره، فلا بد أن يدرك استحالة ذلك في حالة غياب أي بند من هذه البنود الأربعة عن تصوره الذاتي بصدد مشروعية تفاوضه ومغزاه.

لقد ارتبطت جولات مفاوضات سابقة دوما بجهات تمسك بزمام توجيهها، على الصعيد السوري الثوري بالمجلس الوطني ثم ائتلاف القوى الثورية والمعارضة ثم الهيئة العليا للتفاوض، والآن بهيئة بديلة، وعلى الصعيد “الإقليمي والدولي” بالقوى التي اعتبرت نفسها من وراء الثورة فكانت مجموعة الأصدقاء ثم ربط الملف السوري بقطر ثم ربطه بالسعودية، وكان من أهم جوانب النقص الفادح في إدارة التفاوض في جميع تلك الجولات السابقة:

١- إعطاء الأولوية لما تريده الجهة السورية التنظيمية الموجهة وتجاوزها أحيانا، و/ أو لما تريده الجهة الدولية والإقليمية الحاضنة، مقابل إهمال الأولوية للمرجعيات ذات الكفاءة التخصصية، من أصحاب الفكر والتخطيط الاستراتيجيين، ومن أصحاب الدراية بالتفاوض وفنونه ومداخله ومخارجه، فضلا عن المتخصصين في القانون الدولي والدستوري.

٢- تجري كل جولة من جولات المفاوضات دون التواصل الكافي العلني مع الشعب الثائر، فلا يواكبها جهد حقيقي (وليس الإعلامي الاستعراضي فحسب) من أجل التواصل الدائم بين الشعب، مصدر المشروعية، وبين المفاوض باسمه وباسم ثورته.

صحيح أن الوفد المفاوض الجديد يتحرك في ظروف متغيرة ومعطيات جديدة، تشمل تبدلات سلبية على الأرض ميدانيا، وفي العلاقات السياسية خارجيا، ولكن العنصر الثابت لم يتبدل:

هذه ثورة، فإما أن يحفظ المفاوض ثوابتها ويجعلها ثوابت ممارسته للتفاوض، أو أنه سيمضي مع من مضى من قبل في متاهات بعيدة عن شعب الثورة وعن ممارسة السياسة بحقها وعن إدارة التفاوض وآلياته، ويبقى مسار التغيير الثوري، بما في ذلك الجانب السياسي منه، قائما بانتظار من يرتفع بنفسه إلى مستوى حمل أمانته وأعبائه، وإتقان مداخله وخارجه، فالتغيير الثوري قادم لا محالة، ومن يقبل بمحاولة ترحيل التغيير إلى أجل غير مسمى، سيرحل هو دون تحقيق ذلك.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب

التغييرالتفاوضثورةسورية