خواطر
تتردد في أوساط السوريين (٢٠١٨م) أسئلة لا تجد أجوبة دقيقة بالضرورة، ومنها:
هل أغلقت ألمانيا الباب المفتوح كما يقال عن سياسة اللجوء الألمانية منذ ٢٠١٥م؟
كلا، كان فتحه مؤقتا، وأصبح مغلقا واقعيا من قبل الانتخابات العامة الأخيرة عام ٢٠١٧م، وبهذا الصدد لم يطرأ جديد عبر ضجيج الأزمة الحكومية وصخبها في النصف الثاني من حزيران / يونيو ٢٠١٨م.
هل يمكن بعد هذه الأزمة أن يتأثر وضع اللاجئين والمشردين السوريين في ألمانيا؟
السؤال ينوه بارتباط الباب المفتوح بموجة من مئات الألوف منهم عام ٢٠١٥م، ولكن ما يطرح الآن لا يتعلق بهم وأوضاعهم عموما، وهي أوضاع أقل سوءا بكثير من أوضاعهم في دول شقيقة، ولكن التشدد الأوروبي حاليا موجه مجددا نحو ما يوصف بقوارب الموت على الحدود المائية الجنوبية مع القارة الإفريقية، وقسم من هؤلاء يهبط في الأراضي الإيطالية أو المالطية ويواصل التحرك عبر الحدود نحو النمسا ومنها إلى ألمانيا.
حول ماذا دارت الأزمة الحكومية الألمانية إذن وآثارها في مجرى الحياة السياسية والحزبية الألمانية؟
هذا ما يحتاج إلى بعض التفصيل وهو في الفقرات التالية لمن يرغب.
نزاع علني وحل وسطي دون مفعول تطبيقي
نشب نزاع سياسي داخل ما يسمى الاتحاد المسيحي أي بين حزب المسيحيين الديمقراطي بزعامة آنجيلا ميركل، وحزب المسيحيين الاجتماعي بزعامة وزير الداخلية هورست زيهوفر، وبلغ درجة الخطر واحتمال سقوط الحكومة الائتلافية ولم يمض على على تشكيلها، ستة شهور مضت بعد انتخابات ٢٠١٧م. وانتهى النزاع بحل وسطي وبقي السؤال:
ما الذي تبدل على صعيد سياسة اللجوء؟
كان المقصود بسياسة الباب المفتوح قرار ميركل عام ٢٠١٥م تيسير دخول مئات الألوف من المشردين السوريين في جبال أوروبا ووديانها حيث وجدوا صلفا إجراميا في التعامل معهم، ما بين حدود بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وكانت هذه خطوة استثنائية تخرج عما سبق إقراره أوروبيا واتخذ صيغة تقوم على جناحين:
الأول: ما تقتضيه اتفاقية شنجن وهو اقتران فتح الحدود بين الدول الأوروبية الأعضاء بتحصين الحدود الخارجية، كالحدود المائية الإسبانية والإيطالية واليونانية والحدود البرية الشرقية والجنوب شرقية؛ وجميع ذلك لا يكلف ألمانيا بالنظر إلى موقعها وسط أوروبا، سوى المشاركة في النفقات والإدارة.
الثاني: ما تقتضيه اتفاقية دبلن وهو استلام طلبات اللجوء والتعامل معها قانونيا في أول بلد يتجاوز المشردون حدوده الرسمية الخارجية. هذا ما يعني أيضا تحميل الدول الأوروبية ذات الحدود الخارجية المسؤولية عن أعباء استقبال المشردين واللاجئين بدرجة أعلى من أعباء ألمانيا بفضل موقعها الجغرافي.
من هنا تعني كانت سياسة الباب المفتوح عام ٢٠١٥م تمثل استعداد ألمانيا لاستثناء نفسها من هذه الميزة، واستقبال أعداد أكبر من اللاجئين، ولا يهم هنا كثيرا ربط القرار بمصالح اقتصادية ذاتية، كما تردد مرارا بشأن الحاجة الألمانية الملحة إلى طاقات وكفاءات تخصصية مهنية، وهو ما يعرف عن نسبة عالية من المشردين السوريين.
التراجع التطبيقي عن الباب المفتوح
من الناحية التقنينية والسياسية الرسمية لم يتبدل هذا الإطار العام، ولكن على أرض الواقع لم يعد الباب المفتوح مفتوحا، لاسيما عبر الحدود البرية الشرقية، وساهم في ذلك الاتفاق الأوروبي مع تركيا، علاوة على انخفاض عدد المشردين السوريين إلى عشرات الألوف بعد تشريد أكثر من نصف شعب سورية.
إنّ تجدد العمل لمضاعفة تحصين الحدود الأوروبية الخارجية..
وتجدد مساعي الضغوط على المنظمات غير الحكومية..
وتكثيف الجهود الأوروبية لحصار المشردين قبل مغادرتهم المواطن الإفريقية..
جميع ذلك قطع أشواطا كبيرة بالمشاركة الألمانية ما بين ٢٠١٥ و٢٠١٨م وأصبحت نتائجه واضحة للعيان وعبر الأرقام.
تنافس سياسي بنكهة صراع
الجديد هو إعلان وزير الداخلية الألماني زيهوفر عن خطة للتعامل مع طالبي اللجوء تتضمن بندا يقول بإقامة مراكز تجميع على الحدود الألمانية للنظر في أوضاع من يصل إلى الحدود الألمانية لاجئا، وعدم السماح بدخول من سبق أن أصبحت له معاملة جارية للنظر في طلب لجوئه في بلد أوروبي آخر، وإعادة ترحيله دون معاملات مطولة أو قرار قضائي إلى ذلك البلد.
الحل الوسطي اختصر ذلك على ثلاثة مواقع على الحدود البافارية الألمانية مع النمسا، واشترط موافقة الدول المعنية مثل إيطاليا والنمسا بإعادة الترحيل إليها.
الحصيلة أن ما سمي الحل الوسطي لإنهاء الخلاف الحزبي، المسيحي المسيحي في الحكومة الألمانية فأصبح مجرد زوبعة (خطيرة) في فنجان صراع سياسي، أما الأهداف الحقيقية من ورائها فترتبط بالانتخابات المحلية القريبة في ولاية بافاريا.
هذه طريقة لاستعادة الأصوات تعني زيادة التشدد الحزبي اليميني أصلا ولا تفيد كثيرا، فالناخب إذا أراد التشدد فسيختار حزب البديل بتشدده اليميني الأصيل وليس حزبا يحاول منافسته على مواقفه وسياساته.
إن الحصيلة الحالية للزوبعة الكبيرة هي هبوط أسهم زيهوفر نفسه، وحزبه، وهبوط أسهم ميركل أيضا من حيث مكانتها القيادية، أما التشدد في سياسة اللجوء فقد سبق واتخذ مجراه عبر ثلاث سنين مضت، وجعل الباب المفتوح شعارا أكثر منه واقعا.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب