ــــــــــ
(يذكر الموقف العدواني يوم ٢ / ١١ / ٢٠١٧م من جانب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بمناسبة مئوية ما يسمّى وعد بلفور، بيوم ٢٩/ ٦/ ٢٠١١م عندما اعتقل رائد صلاح في بريطانيا بعد أن رفض القبول بقرار السلطات منعه من دخول البلاد، فبدأت معركة قضائية غير عادية انتهت جزئيا بعد أسبوعين تقريبا، بقرار من المحكمة العليا في بريطانيا آنذاك بالإفراج عنه، وواكبت الكلمات التالية حدث الاعتقال في حينه).
لله درّك يا رائد صلاح.. فما خطوت خطوة منذ عرفتك فلسطين وعرفتها، إلا وكانت خطوة نحو تحرير العقول والوجدان، على درب تحرير الأرض والإنسان.
في ختام مقالة له بعنوان (الديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب) تعليقا على عملية الاعتقال البريطانية الغادرة يقول د. عبد الرحيم كتانة: (ثم يأتي المسؤولون الغربيون ومثقفوهم ليسألونا لماذا تكرهوننا؟ ويسألنا بعض المثقفين الناطقين بالضاد لماذا نعادي الحداثة والديموقراطية الغربية؟ لأننا خبرناها على جلدنا ولم نشاهدها عن بعد: خبرناها على أجساد أطفال غزة والعراق ولا نريد أن نعطي فرصة أخرى لهم فمن “يجرب المجرب عقله مخرب”).. وفي كلمات د. كتانة هذه ما يشير إلى أنه لم يكتشف جديدا.
والغريب أن صانعي القرار في الغرب لا يزالون حريصين على تقديم مزيد من الأدلة عليه، وأن بعض من يعملون ويشتغلون باسم قضايا البلدان العربية والإسلامية ما يزالون في حاجة إلى مزيد من الأدلة!
إن اعتقال الشيخ الجليل، والمناضل الكبير، والرمز الفلسطيني المضيء، رائد صلاح حفظه الله ورعاه، بعد دخوله الأراضي البريطانية، للمشاركة في أنشطة فكرية ثقافية سياسية، لا تعدو أن تكون صيغة من صيغ حرية التعبير، يقول بملء الفم “البريطاني الغربي” للفلسطينيين، ولسائر العرب والمسلمين:
١- حرية التعبير في ضمير المسؤولين في الغرب وممارساتهم السياسية وغير السياسية، هي حرية سلمان رشدي الذي جعلوا من “آياته الشيطانية” رمزا يستحق الأوسمة، أو جيرت فيلدرز الذي برّأته المحاكم الهولندية من تهمة الإساءة للإسلام والمسلمين، أو حرية مناضلة تلاحق في ميانمار، أو فنان يعتقل في الصين، أو فرد غربي ما.. أيا كان.. يعتقل بعد ارتكابه جريمة من الجرائم في أنحاء العالم، ويأبى الغرب أن يحاكم حيث ارتكب جريمته.. ولكنها ليست قطعا حرية إنسان يدافع عن أرضه وشعبه ومقدسات أمته، من منطلق إسلامي إنساني عربي قانوني فلسطيني.
٢- الحريات السياسية في واقع سياسات الهيمنة الغربية العالمية هي حريات تحصين المعتدين وأعوانهم، على أرض فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو أي بلد آخر، حربا وتقتيلا وتعذيبا واعتقالا وتشريدا، ورفع الحصانة -بحق أو دون حق.. سيّان – عمن يرتكبون ما يرتكبون من جرائم بحق شعوبهم.. ولكن فقط في حالة عدم التوافق بين استبدادهم وبين المطامع الغربية، وإلا فهم محصّنون غربيا ولا يستحقون الملاحقة!
٣- الممارسات الإسرائيلية جميعا، جزء من الممارسات الغربية، يكمل بعضها بعضا، ويندمج بعضها في بعضها الآخر، سيّان ما هي العناوين التي ترفع، وكيفية الإخراج التي يقع الاختيار عليها، وعندما تتحوّل حملة “أسطول الحرية ٢” إلى ورطة إسرائيلية على المستوى الدولي، لا غرابة أن تشارك قوى الهيمنة البريطانية في العمل على مواجهة هذه الورطة، فكما تتحرك آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية ضدّ النشطاء من أنحاء العالم وهم يتحدون الحصار البحري الإجرامي لقطاع غزة، كذلك تتحرك آلة الحرب “القانونية الأمنية” البريطانية ضد النشطاء من قلب فلسطين المعتقل، وهم يدعمون هذه الحملة وأمثالها، ويتحدون الاغتصاب والاحتلال وإفرازاتهما الإجرامية بحق فلسطين وأهلها وبحق العرب والمسلمين.
٤- إن جميع ما صدر ويصدر عن المسؤولين الغربيين، تحت عناوين دعم الشعوب العربية في ربيع ثوراتها، بل والمشاركة الأطلسية العسكرية في تحقيق أهدافها، ورصد الأموال الطائلة والمؤسسات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية في الغرب من أجل “تعليم شباب الثورات العربية الديمقراطية الحقيقية”.. لا يعدو أن يكون جزءا من الثورة العالمية المضادة ضدّ ثورة التحرر العربية، لأن القوى الغربية المهيمنة عالميا تعلم أنّها ثورة ضدّ الاستبداد المحلي، وضدّ الاستبداد الدولي في وقت واحد.
٥- إن استهداف أحد الرموز الكبرى التي لا يختلف على مكانتها ونضالها عاقلان، من الأحرار حقا، رسالة موجّهة إلى كل فلسطيني، وكل عربي، وكل مسلم، وكل إنسان حر في أنحاء الأرض.. تقول بلغة الهيمنة الواضحة البينة: لا يمكن أن تعملوا من أجل تحرير الإنسان من كل جنس ولون ودين، ولا يمكن أن تعملوا من أجل تحرير الأرض أيّا كان انتماؤها وموقعها، إلا اعتمادا على أنفسكم.. فقط، وعلى تلاقيكم أنتم مع بعضكم بعضا، مهما تباعدت بينكم المسافات، وتناءت الآراء والتوجهات، وليس على تلاقي بعضكم مع غرب أو شرق أو شمال أو جنوب.
٦- إن فلسطين التي يحملها رائد صلاح معه حيثما حلّ وارتحل، في كل معتقل، كبير يسمى فلسطين التاريخية، أو صغير بعلم غربي، بنجمة سداسية أو أشرطة ونجوم أمريكية أو بريطانية.. هي فلسطين العربية الإسلامية الحضارية الجامعة لرموز تلاقي الإنسان مع أخيه الإنسان رغم الاغتصاب والاحتلال والطغيان.. وإن تحريرها أمانة في أعناق من ينتمي إلى جنس الإنسان، ويحمل – حقا لا كلاما – هموم حقوق الإنسان وحرياته، وتلك وحدها هي الشرعية الدولية الحقيقية، التي يُعتمد عليها، في تحرير فلسطين، وفي تحرير الإنسان، من قبضة الهيمنة الصهيوغربية التي صادرت إنسانية الإنسان وشوّهتها، واعتقلتها فيما صنعته من منظمات “دولية”، وآليات مفاوضات عبثية أبدية.
وليس وحده د. إبراهيم الحمامي عندما يخاطب شيخ الأقصى قائلا:
(يا شيخنا الفاضل جزاك المولى عنا كل خير، وجعل لك في كل خطوة أجراً عظيماً، وحفظك من كل سوء.. يا شيخنا الجليل نعلم علم اليقين أنك تعودت على الاعتقال والأسر، وأنه لن يزيدك إلا قوة وإصرارا، ونعرف أنك بابتسامتك التي لا تفارقك تقتلهم ألف مرة..)
لله درّك يا رائد صلاح.. ما خطوت خطوة منذ عرفتك فلسطين وعرفتها، إلا وكانت خطوة نحو تحرير العقول والوجدان، على درب تحرير الأرض والإنسان.
نبيل شبيب