ــــــــــ
يتردد اسم آبيه أحمد علي كثيرا منذ استلم رئاسة الوزراء في إثيوبيا (الحبشة) يوم ٢٧ / ٣ / ٢٠١٨م، وتجتمع في الروايات حوله التناقضات، فتبدأ مثلا بأنه أعاد الحريات إلى المحرومين منها، لتصل بالمقابل إلى اتهامه بحملة عنف دموية على أقلية شعبية داخل بلده، كما تشيد به في الحديث عن حصوله على جائزة نوبل للسلام تقديرا لجهوده الإقليمية في المصالحة الأثيوبية-الأريتيرية، لتصل بالمقابل إلى التنديد بتعنته في قضية سد النهضة تجاه مصر والسودان.
ولكن ليس من السهل استخلاص علامات فارقة في سيرته الذاتية بما يكفي لتفسير سياساته، والواقع أنه عندما استلم السلطة أخرج بالفعل كثيرا من المعتقلين من السجون، وألغى سلسلة من القوانين التي كانت تقيد حرية التعبير، فظهرت سياسته مختلفة تماما عن سياسات أسلافه الاستبدادية، منجستو هيلا مريام وهلاسي لاسي. ولكن وسائل إعلام غربية عديدة بدأت في وقت مبكر بالتشكيك في آبيه أحمد علي ونواياه، وتتكهن باحتمال أن يمارس الاستبداد بعد أن يوطد سيطرته على البلاد.
بموازاة ذلك كان فريق من المسلمين يستبشر برئيس الوزراء الجديد، المولود يوم ١٥ / ٨ / ١٩٧٦م في جيما في إقليم أورومو، وربما نشأ التفاؤل من توهّم متسرع أنه مسلم، ما دام يحمل اسم “أحمد علي” مما يذكّر بأن أباه كان مسلما، والأصح أن اسمه هو “آبيه”، ويعني باللغة الأمهرية: السيد أو الرائد القائد، أما “أحمد علي” فهو اسم أبيه الذي ينتسب إلى الإسلام دينا، وكان من بين زيجاته امرأة مسيحية هي أم آبيه، الذي تزوج بدوره من امرأة مسيحية أيضا، وهم الثلاثة من الطائفة الخمسينية من المسيحية البروتستانتية، ولا يزال آبيه حريصا على الصلاة مع أسرته بانتظام أيام الأحد في الكنيسة.
جانب أخر من تكوينه السياسي والعسكري يتجلى في أن آبيه أحمد علي مارس السياسة مبكرا، فكان ابن بضعة عشر عاما عندما انضم إلى “الجبهة الديمقراطية الشعبية” في أورومو، وشارك في القتال ضد منجستو هيلا مريام، الذي سقط نظامه الشيوعي عام ١٩٩١م، وانتقلت السلطة إلى ملس زيناوي، وآنذاك انضم آبيه (وكان عمره ١٥ سنة) إلى الجيش الإثيوبي، وعمل لاحقا في قطاع المخابرات والاتصالات العسكرية، ولم يتحول عن ذلك الجانب من نشأته العسكرية إلا سنة ٢٠١٠م، إذ دخل المجلس النيابي عبر عضويته في الجبهة الديمقراطية الشعبية في أورومو، وأصبح لاحقا عضوا في اللجنة التنفيذية للجبهة، ثم قطع خطوات أخرى متسارعة في حياته السياسية وزيرا للعلوم والتقنية، ومسؤولا عن مكتب التنمية والتخطيط في إقليم أورومو، وبعد أن شغل منصب نائب رئيس الإقليم فترة من الزمن، وصل إلى رئاسة الوزراء في إثيوبيا / الحبشة سنة ٢٠١٨م، وكان ذلك بعد اضطرابات عنيفة بين قبائل أورومو من جهة وحكومة زيناوي المركزية من جهة أخرى.
بدأ آبيه على الفور بسياسات إصلاحية، ساعده عليها اطلاعه العميق – منذ عمله في المخابرات العسكرية – على البنية الهيكلية لأجهزة الدولة وعلى الخبايا السياسية وغيرها للمسؤولين، فشملت خطواته الإصلاحية شبه الانقلابية تغيير المسؤولين عن رئاسة الأركان العسكرية، وأجهزة المخابرات، واعتقل العشرات من القيادات العسكرية والمخابراتية بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان من قبل، كما أقدم على توسيع حصة المرأة في المناصب الوزارية، فضلا عن إطلاق سراح المعتقلين وإلغاء الحملات الجارية ضد حركات مسلحة معارضة كانت تلاحق بتهمة الإرهاب، وساهم في المصالحات على مستوى تعدد العرقيات الشعبية في البلاد.
ويوجد الكثير من التناقضات أيضا فيما يقول به منتقدوه ومؤيدوه، مثال ذلك القول إنه سياسي شعبوي، كما ورد بقلم الصحفية ميشيلا رونج التي شبهته بترامب وبوتين، واعتباره – كمثال آخر – سياسيا ديمقراطيا، كما ورد في مقالة بقلم توم جاردنجر في مجلة “قضايا دولية” الأمريكية. وقد تعرض آبيه لمحاولات النيل منه بالعنف أكثر من مرة إنما أحبطت تلك المحاولات في الوقت المناسب، وهو ما ساهم في ازدياد شعبيته. كما اكتسب شعبيته أيضا بتحقيق نجاحات إقليمية، أهمها ما سلف ذكره حول إنهاء مرحلة العداء مع أريتيريا، وهو العداء المتواصل منذ استقلال الأخيرة عن الحبشة، وقد أوصل التفاهم بين الدولتين في عهد آبي أحمد علي إلى استخدام الموانئ على البحر الأحمر مجددا، وللغرض نفسه عقد عددا من الاتفاقات مع جيبوتي والصومال والسودان فانفسح المجال أمام بلاده للتحرك البحري رغم عدم وجود سواحل بحرية لها. بينما بقيت العلاقات مع مصر متوترة غالبا، وهو ما انعكس في التعامل مع أزمة سد النهضة على وجه التخصيص. وقد بدأ بناؤه عام ٢٠١١م، فبدأت الخلافات حوله قبل وصول آبيه للسلطة، إنما احتدمت الأزمة في عهده، وهو ما يرتبط ببعض المطبات في مسارات التعامل مع مشروع السد، إنما ارتبط ذلك أيضا بطموح آبيه أحمد علي، لا سيما بعد الفراغ من القسط الأكبر من تشييد السد والشروع في تعبئة خزانه. وكان من أبرز المطبات السابقة في غير صالح مصر والسودان ما تم الاتفاق عليه يوم 23 / ٣ / 2015م في قمة ثلاثية ضمّت عبد الفتاح السيسي وعمر البشير وهايلى ديسالين (رئيس وزراء إثيوبيا آنذاك) إذ تم التوقيع على ما يوصف بإعلان المبادئ، وهذا ما تشبث به آبي أحمد علي لاحقا؛ فمن إشكاليات الاتفاقية أنها اعتمدت عناوين دون مضامين مفصلة وتفسيرات للصياغة المجملة، ويسري ذلك على عشرة مبادئ في الاتفاقية تشمل التعاون، والتنمية والتكامل الاقتصادي، وتجنب إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، والاستخدام المنصف والعادل للمياه، والتعاون في عملية ملء الخزان الأولى والتشغيل السنوي، وبناء الثقة، وتبادل المعلومات والبيانات، وضمان أمان السد، واحترام السيادة ووحدة أراضي الدولة، والحل السلمي للنزاعات، وإنشاء آلية تنسيقية ثلاثية دائمة. ولعل عدم تفصيل الصياغة وغياب آلية فض النزاعات المحتملة والتحكيم عند الضرورة، كان من أبرز ما سبب تصعيد النزاعات مع مصر والسودان على حساب ما كان ساري المفعول لعدة عقود من قبل، من حيث حقوق الأطراف الثلاثة في حوض النيل ومنابعه وروافده.
نبيل شبيب