ــــــــــ
من علم كوريا الشمالية التمرد على المعاهدات الدولية لصناعة أسلحة نووية؟
هذا سؤال طرحته قبل فترة (هذه السطور من عام ٢٠٠٣م) صحيفة ألمانية، وليست ألمانيا ولا إعلام ألمانيا من تلك الفئة الموصومة بالإرهاب ودعمه وفق القائمة الإرهابية الوزارية الأمريكية! ولكن قد يتم تصنيفهما قريبا، لأسباب عديدة، منها ما اقترفته ألسنة مسؤولين ألمان بحقّ الدولة المتحضرة ومعارضتها في بعض الأمور، ومنها جواب الصحيفة على ذاك السؤال – وما هي بالوحيدة في مثل هذه الأقوال – فقد كان الجواب واضحا ومباشرا: واشنطون هي أستاذة تلك الدولة المارقة في سائر ما صنعت!
الدولة المارقة خرجت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية..
ومن قبل خرجت الدولة المتحضرة من معاهدة حظر صناعة صواريخ مضادة للصواريخ..
الدولة المارقة خرجت من أجل متابعة برنامجها النووي دون قيود..
والدولة المتحضرة خرجت من أجل متابعة مشروعها باسم الدرع الصاروخي دون قيود..
الدولة المارقة قالت إن من حقها الدفاع عن نفسها من خطر هجوم نووي..
والدولة المتحضرة قالت إن من حقها الدفاع عن نفسها من خطر هجوم بصواريخ بعيدة المدى..
الدولة المارقة تلميذة من تلاميذ الدولة المتحضرة فيما تصنع، على ذمة ذلك القلم الصحفي الألماني!
ويمكن إضافة المزيد عن عبقرية الدولة الأستاذة في ميادين أخرى، وعلى رأسها الإرهاب!
الدولة المتحضرة كانت أول من آوى مختطفي طائرات كوبيين واستقبلتهم استقبال الأبطال في مطاراتها..
وظهر مختطفو الطائرات من تلاميذها في الغرب ثم عن طريق منظمات عربية متغرّبة بعد حين من الزمن..
الدولة المتحضّرة كانت من وراء تدبير عمليات إرهابية من صنف تلك التي أسقطت عددا من الحكام وأودت بحياتهم، كما كان في إيران، وفي تشيلي، كمثالين معروفين أكثر من سواهما..
وما صنعته المخابرات الأمريكية على هذا الصعيد يزيد بحجمه وعدد ضحاياه على سائر ما عرفه العالم من عمليات تفجير إرهابية وفق التصنيف الأمريكي لها، وجميعها مما ارتُكب بعد أن ارتكبت الدولة الأستاذة في الإرهاب الدولي ما ارتكبت..
الدولة المتحضرة كانت الوحيدة التي تقوم بهجوم عسكري لاختطاف رئيس دولة ومحاكمته على أرضها..
فهل صنع مختطفو الرهائن في أنحاء العالم شيئا وصلوا به إلى مستوى ما صنعه أساتذتهم؟
الدولة المتحضرة أستاذة “الجميع” فيما تمارسه من مقاطعات ومن عمليات حصار أقلّ ما يقال فيها إنّه القتل بأسلوب “التجويع” والابتزاز بأسلوب “الحرمان” واستغلال القوّة في قهر القانون..
والدولة المتحضرة أستاذة “الجميع” أيضا في صناعة الأسلحة الكيمياوية والحيوية واستخدامها وتجربة كل مستحدث من الأسلحة الفتاكة على حساب شعوب الأرض في حروب تخوضها خارج حدودها..
فهل صنع أحد من “المارقين” شيئا وصل به إلى مستوى الدولة الأستاذة، ونستثني من ذلك الربيب الإسرائيلي المدلّل، المزروع بأرض فلسطين، ولكن هل يمكن فصله فعلا عن الكيان الأمريكي الأصل؟
هل يوجد فارق حقيقي بين ما تصنعه القوّات الإسرائيلية مع الشعب المعتقل في قرى فلسطين ومدنها عمّا صنعته الدولة المتحضرة في أفغانستان (وتابعته في العراق فور احتلاله) وما تزال تصنعه -بطريق الأخطاء التي باتت هي القاعدة- أو مع مَن أَسَرْتهم في حربها المتحضرة ووضعتهم في جوانتانامو؟
إنّ المصيبة الحقيقية في عالمنا المعاصر أنه يوجد كثير من التلاميذ الذين يحاولون أن يصلوا إلى ما سبقت إليه أستاذتهم المتحضرة، ونرجو ألا يصل إرهاب أي منهم مستوى الجريمة الإرهابية الكبرى في القرن الميلادي العشرين فيستخدم السلاح النووي أيضا، كما صنعت الدولة الأستاذة المتحضّرة بإلقائها قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي، بعد أن أصبحت اليابان آنذاك في حكم الدولة المهزومة عسكريا المستسلمة سياسيا، وكان الفارق بين إلقاء القنبلتين عدة أيام، فكأنّما أعجب صانع القرار الأمريكي مفعول القنبلة الاولى في هيروشيما فأرسل بالثانية إلى ناجازاكي!
إذا صحّ فعلا أنّ السياسة الأمريكية قائمة على منع وصول أسلحة دمار شامل لأيدي دول لا تلتزم بالسياسة الأمريكية اليوم أو ربما لا تلتزم غدا – وهذا وحده محور وصفها بالمارقة – فلا يبدو أن لذلك سببا سوى الحرص على احتكار الإرهاب على مستوى دولي، وتلك هي المعضلة الأكبر التي يواجهها عالمنا.
نبيل شبيب