رمضان
أطيب تحية في رمضان، وهي تحية الإيمان والإسلام، وتحية اليقين والتفاؤل، رغم كثير ممّا يبدو من دواعي الحيرة والألم والإحباط.
هو تفاؤل يصنعه الإيمان برب الأرباب، العزيز المقتدر، وبوعده للمؤمنين الصادقين المخلصين، وأنه بقدر ما يصحّ هذا الإيمان بقدر ما يستحيل أن يجتمع مع إحساس باليأس أو القنوط أو الإحباط في قلب المؤمن. هذا صحيح، ولكنه في الوقت نفسه تفاؤل تصنعه النظرة الموضوعية، إذا ما تحرّرت من المفعول النفساني المحبط بسبب المعاناة والألم. ولئن كان ما يكتسح بلادنا العربية والإسلامية وعالمنا كله يستدعي الألم العميق، وقد يثير عند بعضنا شعورا باليأس مع الألم، فإنّنا نبصر أيضا من وراء آلام المخاض الوليد القادم الذي نرجوه لأنفسنا والبشرية من حولنا.
لا بد أن نبصر دواعي التفاؤل والعمل عبر استيعاب الواقع واستشراف المستقبل معا، عبر انتزاع أنفسنا من قيود اللحظة الآنية التاريخية، وعبر المقارنة بين واقع مضى بعد أن أحاط بجيل مضى مع ما أنجز وما لم ينجز، وبين بذور مستقبل يصنعه جيل جديد.
لقد عشنا ما فرّخه تخلفنا مقابل مشاريع استعمارية وهيمنة حديثة بين أقاصي الأرض وأقاصيها، دون مقاومة كافية وإن وجد على دربها كثير من العاملين الصابرين، إنما بدأنا نعايش في هذه الحقبة بعد سلسلة الانتفاضات والثورات الشعبية، وبعد الإنجازات والنكسات، معالم مبدئية لتراجع مشاريع الاستعمار والاستغلال، في مواقع عديدة، مع ازدياد نسبة العجز عن الوصول بالقوة والقهر إلى القلوب والعقول، وهذا على النقيض مما جرى في الماضي، ومن دون السيطرة على القلوب والعقول وعلى الأخلاق والسلوك، يستحيل الاستقرار، بل تبدأ عجلة تخلف الهيمنة والاستبداد وعجز من يمارسها، بالتحرك نحو الانهيار، كما جرى من قبل عصور الفراعنة والرومان، ووصل إلى عوالم الشيوعية والرأسمالية المتوحشة، كما يسميها الخبراء من أهلها وهم يحذرون من يمضون بها نحو الهاوية.
تحرير القلوب والعقول والأخلاق والسلوك هو ما يرعى شتلات التفاؤل بالتغيير، ولنقارن بين جيل كانت غالبيته العظمى ضحية شعارات تسوقنا من نكبة إلى نكبة، وبين جيل بدأ بالوقوف على قدميه، وبرفع هاماته، وبإنكار التسليم لسياسات التبعيات المحلية والعدوان الأجنبي ولما يصنع الاستبداد محليا وعالميا، وبالرجوع بنفسه إلى مقومات وجوده العقدية والحضارية، وإلى التعبير عن إرادته حيثما استطاع وابتكار وسائل جديدة تؤهله لبلوغ أهدافه، رغم ما تراكم حوله من أسباب الفساد والاستغلال.
على هذا الجيل الجديد ينعقد الأمل الكبير، وهو الجدير بالأدعية الصادقة في أيام رمضان ولياليه، فما زال في بداية الطريق، وما زال فيه من يتعثر ومن تزل به الأقدام هنا وهناك، ولكنّ كل تحول كبير في حياة البشرية يحتاج إلى مواصلة العطاء والبذل والتضحية، وإلى القدرة على التعامل مع الأخطاء والنكسات لتكون مدارس لصناعة الإنسان وتنمية قدراته، بدلا من أن تكون عقبة في طريقه، ولتكون من أسباب التلاقي والتعاون في مختلف الميادين وبمختلف طرق التواصل والتشبيك، مع تجاوز ما تصنع أسباب الفرقة والخصام والضعف.
في شهر رمضان بالذات ما يعطي الجيل الجديد جرعة أخرى من القوة الذاتية لمتابعة السير على هذا الطريق، ولبلوغ أهدافه العزيزة الكريمة.
وبقدر ما يعطي شبابنا وفتياتنا، وبقدر ما يستقيم ويتنامى هذا العطاء، بقدر ما يحصل هذا الجيل على عون الله تعالى وتوفيقه، ومن كان الله في عونه، يثابر ويصابر، ويبلغ هدفه آجلا أو عاجلا؛ فنسأل الله تعالى أن يبارك لنا في رمضان، وأن يبارك في كل جهد نبذله على الصراط المستقيم، الموصل إلى الكرامة والعزة والحرية في دنيانا وإلى الفوز الكبير في الآخرة الباقية.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب