شبكة – “فسبكة” عسكرية!

ــــــــــ

لا توجد ترجمة لكلمة “فيس بوك” إلى العربية، ولا يجدي بمنظور الثورة الشعبية في سورية إيجاد تسمية عربية مناسبة لكونه في الأصل وسيلة تواصل اجتماعي، ولكن – إذا استثنينا إعلانات الوفيات الأسروية وما شابهها – ما عاد “تواصلا اجتماعيا” في واقع استخدامه عبر صفحات الثائرين والناشطين والسياسيين والعسكريين في مسار الثورة الشعبية في سورية إلا نادرا جدا. 
أصبح “الفيس بوك” في الأعم الأغلب عند أهلنا، وسيلة “إعلامية” غير مهنية، وأداة تنفيس غير مجدية، وساحة لتبادل التهاني والشتائم والأدعية والاتهامات، في غير موضعها، فالتهاني لا تصل إلى القلوب، والشتائم لا تنصر الثورة، والأدعية الصادقة هي ما كان منها في جوف الليل بين العبد ورب العزة، أما الاتهامات فويل لمن يكيلها دون دليل ويحسب ذلك هينا وهو عند الله عظيم. 
رغم ذلك كله يمكن حصر ما سبق في دائرة ما يسبب ضررا من قبيل “خلخلة أواصر التواصل المباشر” وهذا خطأ جسيم، ولكن يمكن أن يصل إلى حضيض “قتل الوقت والطاقات” ولا يستهان بذلك فهذا في مستوى “جريمة” في مثل أوضاعنا الحالية، ويصبح الضرر بمستوى جريمة قتل البشر فيما نرصد ما يلبس لبوس الحرص على تقديم خدمة لعمل ميداني مسلح ثوري، ليس عموما من باب التشجيع والتحفيز، إنما في حالات محددة جغرافيا ونوعيا وزمنيا وأحيانا مع إعطاء معلومات عسكرية مباشرة.

توجد أمثلة عديدة جدا على ذلك، ويكفي واحد منها في هذه “الثرثرة الفيسبوكية”. وهو ما يطالعنا يوميا من نداءات إلى الفصيل الفلاني في المكان الفلاني أن يتحرك لنجدة فصيل آخر في مكان آخر مع وصف لوضع المعركة الدائرة وما يمكن أن يترتب عليها إذا حصل كذا وكذا أو لم تتم الاستجابة للنداء، ومن لا يستجيب فهو – في بعض تلك النداءات – خائن!
في غالب حالات الثرثرة من هذا القبيل لا يكتب تلك النداءات عسكري، ولا ثائر، ولا مسلح، وربما كان الكاتب مقيما خارج الوطن، بعيدا عمن يجلسون في غرفة عمليات، ومن المؤكد أنه لا يمتلك “خارطة تفاعلية حديثة” وأجهزة ترصد له الشاردة والواردة على الجبهات. ببساطة وصراحة مؤلمة: هو مجرد ثرثار فيسبوكي. في بعض حالات الثرثرة هذه:
هو شتّام لعّان.. امتهن السباب، تجاه فصائل “فاشلة منحرفة”، وقادة من صنف “أمراء حرب” و”لصوص“؛ فلا أحد ينجد أحدا في نظره، ولا أحد يهمه أمر انتصار الثورة وفق “فسبكته”، وهو لا يستهدف “فقط” من “قد” يستحق الاشتباه به بسبب موقعه – كما بات يقال – على مستوى “خمس نجوم!” إنما الحديث هنا عن ثرثرة فيسبوكية “عسكرية” بزعم صاحبها، ومحصلتها أن جميع ما نجده ونرصده من صمود هنا وتقدم هناك، يتحقق هكذا وحده، وبالمقابل يقيم أولئك “المتهمون” – كما يصنفهم من امتهن الشتائم – في جبل أو سهل أو مغارة أو حقل أو قرية نائية أو واد غير ذي زرع، قد تركوا مواطنهم الأصلية من أجل أن “يستمتعوا” هناك في العراء بما يجمعون من ثروات أو “ليستجمّوا” من الأحزان على فراق ذويهم، فربما كان منهم الشهيد والشريد والجريح والمعتقل. 

إن امتهان الشتائم هنا ليس “ثرثرة” بل فساد وإفساد عبر توزيع الاتهامات دون دليل ولا مقاضاة ولا متابعة، أما الضحية فمن يأخذ بها دون تمحيص، ودون تقدير موضوعي لمعرفة أين توجد الانحرافات “فعلا” لمعالجتها من جانب من “يستطيع” ذلك واقعيا.

ومن حالات الثرثرة الفيسبوكية من هذا القبيل أيضا ما هو “مدروس متقن وخبيث” يمارسه “مدسوسون مدرّبون يعلمون بما يصنعون ويعلمون بوجود “أغبياء” يتلقفون، ولا يعلمون ما يصنعون.

عودة إلى الجانب “الجادّ الوحيد” من مثال “نداء الاستنجاد العسكري”، أي الجانب الذي ينطوي على خطورة أكبر من مجرد الثرثرة، والمقصود احتمال صحّة “معلومات” تذكر في بعض تلك النداءات، فقد يكون بين من “يثرثر فيسبوكيا” من تصل إليه معلومات صحيحة عن مجرى معركة من المعارك، يلتقطها من بعض من يعرف أو من بعض مصادر إخبارية فصائلية، فيقول – عبر الفيس بوك – ما يقول اجتهادا – وبئس الاجتهاد –  فهذا الذي ينشره على الملأ يطلع عليه “العدو” أيضا، فإن كان فيه معلومات صحيحة عن فصائل وعن تحرك مطلوب وعن نجدة مرجوة وما شابه ذلك، فإن هذه “الثرثرة” تصبح دعوة مباشرة لرد عدواني استباقي، أي للرصد ونصب الكمائن والاحتياط المبكر إلى آخر ما هنالك مما يعرفه العسكريون.

أيها السادة الفيسبوكيون.
هل تريدون للعوام من مثل كاتب هذه السطور أن يصدق عبر كلامكم أن توجيه المعركة يجري عن طريق العالم الافتراضي؟ هي إذن معركة خاسرة قطعا، والخسارة تعني مزيدا من القتل والتدمير والتشريد والمعاناة. بعض المعارك في الجبهات يجري التخطيط والإعداد لها على مدى أسابيع، ولا تنتظر التوجيه من “الفيس بوك” ولو انتظرت لما تحقق ما نرصده من تقدم هنا وهناك رغم فارق القوى بما لا يقاس، ورغم الثرثرة الفيسبوكية ورغم الثرثرة الدولية عن صداقة ودعم و”قلق” أممي.

أيها السادة الفيسبوكيون، ليتكم تتخصصون في صنع موجة من “نداءات مدروسة” حقا، أي ما يصدر عن “دائرة مخصصة للحرب النفسانية والتشويش على العدو” وتابعة مباشرة للفصائل المسلحة، فآنذاك قد تؤدي مفعولا “عسكريا” مقصودا، ولكن ليس ما تصنعون من هذا القبيل. ولو أن مثل هذه النداءات يصل أصلا إلى أصحاب القرار في توجيه الفصائل، فلربما أدرجت تحت عنوان “حرية التعبير عن رأي غاضب”، وليست كذلك.

ولكنكم تشوّشون على عامة أهلكم داخل الوطن من المدنيين تحت القصف ومن النازحين، وخارج الوطن في خيام التشريد وفي المغتربات، فهؤلاء هم من لا يملكون تغيير مجرى المعركة، وقليل منهم من يملك إمكانات الدعم، ويتعلقون ببصيص أمل، تشعلونه ببعض الثرثرة ثم تغتالونه بثرثرة أخرى، فتعبثون من خلال ذلك بالبشر وكأنكم تتعاملون مع “قصة سينمائية” وليس مع دم وألم، وحاضر ومستقبل، وشعب ووطن.

إن كنتم تعلمون بذلك وبما يسببه من معاناة “نفسانية” علاوة على “الضرر العسكري” المحتمل، فتلك مصيبة، وإن كنتم لا تعلمون فالمصيبة أعظم. ابحثوا – هداكم الله – عن عمل ما، أي عمل، ولن تجدوا آنذاك وقتا للثرثرة الفيسبوكية لا سيما “العسكرية” زعما.

نبيل شبيب

شبكيات