متابعة الحدث الأجنبي بشروط

ذوبان الذات في متابعة ما يصنع الأجنبي

خواطر – على خلفية مسلسل مسرحية الانتخابات الرئاسية الأمريكية

0 44
٤:٠٥ دقيقة

خواطر

هل بقي مزيد من العجائب والغرائب من فصول حدث سياسي أصبح أقرب إلى ملهاة عبثية عملاقة، خطيرة النتائج على الداخل الأمريكي وعالميا؟

المزيد متوقع ما دام في أركانه الدستورية شخص مدان قضائيا بألوان من العبث في فترة رئاسة سابقة، ويُسمح له رغم ذلك بالترشح قانونيا لجولة انتخابات رئاسية تالية، ويرحب به شعبيا؛ ويقابله شخص لا تكاد قدماه تحملانه فتتأرجحان مع رأسه بين كتفيه، ويصر على أن ينافس بوتفليقة الراحل على التشبث بالكرسي لآخر رمق، فيتشبث مثله، حتى ينتزعه من بين أسنانه انتزاعا علنيا تخلي أقرب الأقربين إليه، ورغم ذلك يتلقى ألوانا من تصريحات الإشادة به لأنه وضع ولاءه الحزبي فوق ولائه لمصلحته الشخصية!

ولكن هل يليق بنا الاستغراق أكثر مما ينبغي في متابعة ذلك المسرح الأمريكي وما يدور عليه من فصول عبثية غالبها سجال عبثي خطير، بين بايدن العجوز وقرينه، أي ترامب العجوز الأصغر منه قليلا.

لقد بلغ بنا ذلك الاستغراق مبلغا حجب عنا إعلاميا لعدة أيام مشاهد مأساة حرب الإبادة في فلسطين، وما يقابلها من الإباء والمقاومة والصمود؛ ولا نستهين هنا بدور مشكور لمحطات تلفزة عربية معدودة، تميزت مهنيا بتغطية مستمرة، فانفرد بها ميدان أداء هذا الواجب الإعلامي الجليل، عربيا وعالميا.

*   *   *

يمكن النظر في تفسير الاهتمام الزائد بالمسرح الأمريكي بحجم الولايات المتحدة الأمريكية وضخامة تأثير ما يجري فيها على عالمنا، ولكن هل يليق بنا أن يقتصر تعاملنا مع قضايانا الكبرى على البحث عن مكان ما في تقلبات السياسات الأمريكية والغربية الداخلية والدولية؟

مثل هذا الانغماس في متابعة الحدث الأمريكي لم تصنعه شبكات فكرية وإعلامية وسياسية في دول غربية متحالفة تحالفا اندماجيا وعضويا مع الولايات المتحدة الأمريكية. 

ويوجد من يعلل ذلك بأن تخلفنا تقنيا وإنتاجا أصبح عميقا للغاية، ولكن هل يوجد في مجرى التاريخ السياسي والحضاري عموما، ما يشهد على أن الأقوياء أقوياء بالولادة، وأن من قدر الضعفاء البقاء دوما صعاليك وضعفاء؟

ألا يشهد التاريخ أن شبيه مسرح العجائب والغرائب الأمريكي المعاصر سبق وكان من مؤشرات سقوط إمبراطوريات عملاقة، بمقاييس عصرها، وغابت فأصبحت مجرد صفحات في سجل التاريخ فحسب؟

من يريد الاستفادة حقا من متابعة الحدث الأمريكي والغربي عموما، فلن يستفيد قبل أن يكتشف ذاته ويستكشف مواطن القوة الذاتية لتنميتها ومواطن الضعف ليعالجها، فآنذاك يحسن توظيف دروس الحدث الأجنبي، قبل أن يذوب بين سطور تبعية استسلامية مخزية في سجل التاريخ.

ولله الأمر من قبل ومن بعد ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب.