هل يصلح النموذج التركي لبلادنا الأخرى؟
حدود الاستفادة من مقومات نجاح إردوجان وحزبه
رأي – القاسم المشترك الأعظم المطلوب تغييره في البلدان الإسلامية الأخرى هو الاستبداد
رأي
ما وقع في تركيا منذ ٢٠٠٢م انتصار كبير بمنظور تاريخي، تحقق على مفصل رئيسي من مفاصل التطورات الجارية عموما. ويمثل في الوقت نفسه نجاحا متوقعا على ضوء المعايير الموضوعية لتوقعات النجاح والخسارة.
الجانب الأهم في إتقان إردوجان وحزبه للعبة الخصم الداخلي، هو إعلان التمسك بالنهج العلماني، المفروض على البلاد على كلّ حال، وكان ذلك تمسكاً بعلمانية يجردها تدريجيا من أسلحتها الأصولية فكرا وعقيدة، والعسكرية الإملائية تطبيقا وتنفيذا.
كما أن نهج الديمقراطية الذي كان يُصوّر وكأنه بضاعة يحتكرها العلمانيون الأصوليون، وهم يقيّدونه بأشد القيود المفروضة على الآخر، تحوّل إلى نهج يكشف عن تلك القيود، وهو ما ساهم في تساقطها أو اهترائها.
ووسط هذه التقلبات تظهر مقولات عديدة عن النموذج التركي، وهي أقرب إلى شعارات منها إلى نهج عملي قابل للتطبيق.
وفي البداية كان الحديث من منطلق غربي عن النموذج التركي يطرح على التيار الإسلامي علمانية أصولية، ولو صح أن المقصود هو تقليد مسيرة حزب العدالة والتنمية، فالمفروض إذن أن يتبع التيار الإسلامي في بلدان أخرى نهجا يؤدي إلى التخلص من مثل تلك العلمانية بنهجها الأصولي، ومن قيودها العسكرية والحزبية على النهج الديمقراطي.
بينما تفتقر دعوات اتباع النموذج التركي في الأوساط الإسلامية افتقارا أكبر إلى تحديد دقيق لما يمكن اتباعه أو استنساخه وما لا يمكن تحت عنوان النموذج التركي.
ليس في البلدان الإسلامية الأخرى ما يشبه الوضع التركي المفروض من عهد كمال أتاتورك، وإن كان بعضها يطرحه من باب تقليد ناقص أو أعرج.
وليس فيها إقرار بنهج ديمقراطي فيه فسحة كبيرة من شروط التعددية والاحتكام إلى الإرادة الشعبية، فلا يمكن أن ينشأ حزب شبيه بحزب العدالة والتنمية، ليعمل بأسلوب شبيه بأسلوبه.
وليست مسيرة الارتباطات التركية بالعالم الغربي متطابقة مع مسيرتها في بلدان إسلامية أخرى.
هذا ناهيك عن المعطيات الاقتصادية والمعيشية والفكرية وغيرها.
إن القاسم المشترك الأعظم المطلوب تغييره في البلدان الإسلامية الأخرى هو الاستبداد المختلف في جوهره عن التعددية والديمقراطية المقيدة في تركيا.
والمطلوب ممن يريد الإصلاح والتغيير:
١- استيعاب الواقع المحلي في بلده واستيعاب الواقع الإقليمي والدولي استيعابا متجددا مع التطورات الجارية.
٢- التفاعل مع المتغيرات تفاعلا مدروسا متوازنا وسريعا، يشمل تعديل المخططات والمناهج عند الحاجة.
٣- الانطلاق مرحليا من واقع قائم وليس من تجاهله، أو اعتبار الصدام هو الوسيلة الوحيدة للتعامل معه.
٤- اعتبار الإنجاز المرئي في الميادين الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية شرطا لا غنى عنه -وليس شعارا- في أي مسيرة تريد أن تصل إلى هدف الاحتكام إلى الإرادة الشعبية، آجلا أو عاجلا.
٥- توطين الثوابت في الأهداف البعيدة، وهي الثوابت التي يكون الإنسان محورها، ويكون تحريره مدارها، بما يشمل التخلص من مختلف أشكال القهر والاستغلال والإقصاء، في مختلف الميادين، ويشمل البناء المستقبلي القائم على مشروع حضاري متكامل.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب