من يحرر حقوق الإنسان؟
من معتقلات الاستبداد المحلي والدولي
تحليل – نشر مفصلا في مجلة المجتمع الكويتية يوم ١٣ / ١٢ / ١٩٩٨م
تحليل
حقوق الإنسان وحياة الوجدان – حقوق الإنسان والاستبداد – حقوق الإنسان والعمل الإسلامي
في عالمنا المعاصر يعتبر صدور البيان العالمي لحقوق الإنسان (١٠ / ١٢ / ١٩٤٨م) تتويجا لِما جاءت به نصوص الدستور الأمريكي والثورة الفرنسية قبل قرنين ميلاديين ونيف، فما هو وضع حقوق الإنسان بعد مرور عقود وعقود على إصداره ثم إصدار عشرات الوثائق الدولية والإقليمية، وولادة عدد كبير من المنظمات المحلية والإقليمية والعالمية، المستقلة والرسمية، للدفاع عن الإنسان وحرياته وحقوقه، إجمالا أو على سبيل التخصص، وكذلك بعد تطور الأوضاع والإمكانات العالمية تطورا هائلا، بثورات صناعية وتقنية وإلكترونية ومعلوماتية حتى قيل إن التقدم بلغ غايته، واضمحلت الفواصل والمسافات بين أقصى الأرض وأقصاها فاختصرتها ومضة ضوئية على الشاشة الصغيرة، أو رحلة قصيرة في طائرة مريحة.
حقوق الإنسان وحياة الوجدان
لا حاجة إلى ذكر الأمثلة على انتهاك حقوق الإنسان رغم التطور والتقدم عالميا، ابتداء بأرقام تتحدث عن الملايين من ضحايا المجاعات والتشريد، مرورا بصور التعذيب في أقبية المخابرات والقتل العلني في الشوارع، وانتهاء بالتقارير الرسمية الدورية عن الاعتداءات الوحشية على الأطفال والنساء، وهم الفئة الأكبر من ضحايا أحدث وسائل نشر الحرية الإباحية.
بل لعل كثرة الحديث عن تلك الأمثلة أفقده المفعول المطلوب منه، مادامت المعلومات تفتقر إلى حياة الوجدان، وإلى إحساس الإنسان بنفسه أنه إنسان، والاعتقاد بأنه لا يحمل هذه الصفة عن جدارة إلا بمقدار ما يتعامل مع قضية الإنسان من حوله دون تمييز بين إنسان وإنسان. إننا نفتقر إلى مفعول الوازع الخلقي الداخلي، إلى الرادع الذاتي، الحائل دون ارتكاب الخطايا، والمانع من الوقوف موقف المتفرّج تجاه من يرتكبها وتجاه الضحايا.
حقوق الإنسان والاستبداد
ما زالت حقوق الإنسان وحرياته سجينة في معتقلات إجرامية إرهابية وفي عموم الأرض من أوطان يقوم عليها متسلطون مستبدون محليا، فهم يستأسدون على شعوبهم، وهم من لا يُحسب لهم حساب في عالمنا المعاصر، ولا يقام لهم وزن حتى لدى من يقفون على أعتابهم، بل قد يساهم أولئك في إسقاطهم إذا وجدوا من يحسن خدمتهم خدمة أكبر.
إنما مازالت حقوق الإنسان وحرياته سجينة أيضا في معتقلات مستبدين من صنف آخر، يتحكمون عبر كيانات غير منظورة بمفعول المطامع الأنانية، ويمارسون استبدادهم باحتكار معظم أسباب القوة مالا وتقنية وعلاقات متشابكة قائمة على ما يسمى المصالح المتبادلة، ولا يأبه هؤلاء المستبدون وأولئك بأوضاع مئات الملايين من البشر المحرومين من حق الحياة الكريمة ومن حقوق الكلمة الحرة والقضاء العادل والسياسة النزيهة على السواء.
حقوق الإنسان والعمل الإسلامي
نعلم أن المسلمين عموما ومن يعمل للإسلام أصبحوا في هذه الأثناء مستهدفين، وفي مقدمة ضحايا اعتقال حقوق الإنسان وحرياته، وهذا ما ينبغي الحديث عنه والسعي لتغييره من الجذور، إنما السؤال المطروح هنا يتجاوز ذلك إلى مجال أبعد مدى، فبين أيدينا أوضاع ومعطيات تستدعي أكثر من أي وقت مضى اتخاذ موقع يؤكد أكثر من سواه على أهمية التفاعل التلقائي مع ما نواكب من حدث يومي، بحق جنس الإنسان من كل لون وملّة، وأن تظهر للعيان نماذج تربط بين النصوص المكتوبة وتجارب التاريخ وعصارة فكر المبدعين للتأثير على واقع نعيشه الآن في إطار علاقات متشابكة نشكّل جزءا منها، دون وهم قابلية الانعزال حول قضايانا وكأن قضية الإنسان من خارج نطاقنا ليست منها، فهنا تكمن مصداقية توقعنا مواقف حيّة ونزيهة من سوانا تجاه قضايانا.
هنا تكمن أيضا مصداقية ما نقول به من أن الإسلام، نزل شاملا متوازنا متكاملة جوانبه، وجاء للبشر كافة ورحمة للعالمين، وإن الانتماء إليه يفرض على أهله كي تستقيم دعوتهم العالمين إلى الخير والهدى، أن يشمل اهتمامهم بقضية الإنسان ومواقفهم وعملهم من أجلها، الإنسان المسلم وغير المسلم، أن يشمل الإنسان، جنس الإنسان!
لا يتحقق ذلك دون طرح الرؤى الإسلامية مع مواكبة التطورات الجارية على حساب الإنسان وحقوقه وحرياته، وممارسة الأنشطة الواجبة للتضامن مع جنس الإنسان والدفاع عنه:
– بين ما تعنيه الآية الكريمة ((ولقد كرّمنا بني آدم)) وبين ما يعانيه سائر البشر من أفاعيل الاستبداد المحلي والدولي، السياسي وغير السياسي:
– بين ما تعنيه مقولة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا) للفاروق رضي الله عنه، لرفض الانتهاكات ورفض المعتقلات في كل مكان ما بين المشرقين والمغربين جغرافيا وما بين مقاهي البيض والرقيق الأبيض وأقبية التعذيب ومن فيها من ضحايا بشرية ومن يمارس التعذيب ممن فقدوا حق الانتماء للبشر.
ينبغي أن يعلم من يتصدون للحديث باسم الإسلام والدعوة إليه، أن التصدي للافتراءات على الإسلام لا يتحقق دون التجسيد العملي لما يطرحه الإسلام لجنس الإنسان في كل ميدان من الميادين ذات العلاقة بحقوقه وحرياته وكرامته.
إن مكتبتنا الإسلامية حافلة بشواهد تاريخية نردد ذكرها، كقصة عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على أصحابه لمن يريد الاقتصاص منه قبل إحدى الغزوات، أو قصة القبطي وابن الأكرمين والفاروق العادل، أو قصة درع اليهودي والقاضي النزيه وأمير المؤمنين كرم الله وجهه، وغير ذلك من قصص ابن عبد العزيز، وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم كثير. إنما لا ينبغي الاعتماد على الشواهد التاريخية وحدها دون ظهور شواهد معاصرة على ما يصنعه الإسلام للإنسان، المسلم وغير المسلم، الآن في عالمنا وعصرنا.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب