من أبعاد الاحتجاجات الجامعية الأمريكية
محاولة تقدير موضوعي واستشراف تطور مستقبلي
خواطر – حدود الانتفاضة الجامعية الغربية ضد التعامل الغربي مع قضية فلسطين
خواطر
انطلقت حركة الاحتجاجات الجامعية الأمريكية من أعماق الجيل الجديد في القرن الميلادي الحادي والعشرين، وهو لا يقتصر على فئة دون أخرى من أصول الخليط السكاني الأمريكي، مع عدم الاستهانة بحجم الدور الذي أدّاه أصحاب الأصول العربية والإسلامية، وكان له مفعول إيجابي على أقرانهم داخل البوتقة الجامعية، هذا علاوة على مشاركة أفراد من الهيئات التعليمية؛ وقد اعتمدوا جميعا على العالم الافتراضي وأدواته لتحصيل معلوماتهم المباشرة بالكلمة والصوت والصورة، عن المسار الحقيقي للحدث الفلسطيني: طوفان الأقصى وتداعياته.
وانتشرت المقارنة بين هذه الحركة الاحتجاجية ضد التعامل السياسي والاقتصادي الرسمي مع قضية فلسطين ومجرى أحداثها عموما، وبين الحركة الاحتجاجية في أواخر الستينات من القرن الميلادي العشرين ضد السقوط الأمريكي الرسمي، سياسيا وعسكريا في حرب فيتنام، وهي حركة لا ريب في إسهامها في صناعة القرارات التالية لوقف الحرب؛ ولكن إلى جانب الصمود الفيتنامي والاحتجاجات الشعبية، كانت توجد عوامل أخرى، مالية واقتصادية، وتطورات أخرى في صناعة البنية الهيكلية الدولية، فتكامل مفعول هذه العوامل جميعا للدفع باتجاه التراجع الرسمي الأمريكي عن الحرب.
شبيه ذلك هو ما يمكن استشراف الحاجة إليه الآن من عوامل زمنية وسياسية-جغرافية، لرؤية أبعاد الحركة الاحتجاجية الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومد ى تأثيرها المرجو على الحرب الأمريكية، الجارية بأدوات صهيونية إسرائيلية وأدوات إقليمية أخرى، ضد إرادة التحرر المشروعة وضد المقاومة المنبثقة عن الإرادة الشعبية في فلسطين، وهذا دون اكتراث حقيقي بالصمود الشعبي رغم ثقل المعاناة الناجمة عن استخدام وسائل حرب الإبادة والتصفية للأرض وأصحابها الأصليين.
هنا لا ينبغي التعويل كثيرا على تسويق أهداف إجرامية للحرب بحديث تضليلي عن تقنيات إغاثة المدنيين المستهدفين بالإبادة، أو بحديث تضليلي يدغدغ المشاعر بصدد إقامة دولة فلسطينية، فالدولة تحتاج إلى أرض وشعب، ولهذا فإن من يعمل للقضاء على الأرض والشعب لا يمكن أن يساهم في تشييد بناء وطني للدولة، حتى وإن بقي الحديث عنها مقترنا بمسخها عبر اغتيال السيادة والحقوق التاريخية والإنسانية معا.
* * *
لا ينبغي أن نستهين بأهمية عامل التطورات الأخرى المالية والاقتصادية وتقلبات مجرى العلاقات الدولية والعالمية، ولذا يتردد التساؤل المرير من جانب كثير من المتابعين للحدث الجامعي الأمريكي، أين مواكبته بتحرك شعبي بل ورسمي في البلدان العربية والإسلامية؟
ليس سهلا استشراف الجواب على خلفية تاريخية مؤلمة لتغييب معظم الأنظمة في تلك البلدان عن صناعة القرار السيادي المستقل وفقا لرؤية مصلحية واقعية، تتحرر من أغلال الهيمنة الأمريكية وما يتفرع عنها ماليا واقتصاديا وانتهاكا للسيادة والاستقلال في صناعة القرار محليا وإقليميا.
الجدير بالذكر بهذا الصدد أن النداءات لتحرك شعبي يسدّ الثغرات الرسمية لا تعني بالضرورة استهداف الأنظمة بل ذاك مما يساهم في تحريرها عبر أدوات عديدة، منها مثلا صناعة حركة احتجاجية وطنية وعربية وإسلامية بصيغة المقاطعة الاقتصادية، مع اقتران ذلك بتنمية العلاقات البينية، وترشيد توظيف الطاقات الذاتية لتحقيق المصالح الذاتية والأهداف المشروعة.
إن استشراف بوابة طريق مستقبلي ينطلق من التعامل الآن مع حدث الطوفان الفلسطيني وتداعياته، هو في الوقت نفسه استشراف طريق مستقبلي للتعامل مع قضايانا الأخرى نهوضا وإصلاحا للعلاقات بين الأطراف الشعبية والرسمية داخل الدولة الواحدة وعلى صعيد العلاقات الإقليمية، مع استعادة السيادة والاستقلال وحرية صناعة القرار.
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب