مقالة – عودة موجزة إلى كتابين حول كامب ديفيد
أرفض الحفاظ على دمي بهذا الثمن الفادح.. ولا آمن أن يراق في المستقبل
قبل أربعين سنة، بتاريخ ٢٢ / ٩/ ١٩٧٨م فور عقد صفقة كامب ديفيد على حساب مصر وفلسطين والمنطقة آنذاك (وحتى الآن) صدرت لكاتب هذه السطور دراسة تحليلية في كتاب ضمّ ١٠٠ صفحة، بعنوان: "تقييم سياسي لمقررات مؤتمر كامب دافيد"، ثم في أعقاب توقيع ما سمي معاهدة سلام بين السادات وبيجن عام ١٩٧٩م صدرت دراسة أخرى في كتاب ضمّ ٢٣٦ صفحة، بعنوان: تقويم "معاهدة السلام مع إسرائيل" – دراسة قانونية سياسية، واعتمدت على تقويم عبارات النص المعلن للمعاهدة بمعايير العلوم السياسية والقانون الدولي.
بعد فصول البحث المنهجية جاء في الفصل الختامي من الدراسة الأولى:
(عندما زار الرئيس السادات الأرض المحتلة، وأثناء إعدادي لهذا التقييم كنت ألقي على نفسي بإلحاح سؤالا.. لا شك أنه يدور في ذهن القارئ أيضا:
– لماذا؟
ما هي الدوافع "للمبادرة" وما هي الدوافع للقبول بهذه المقررات؟ ولا أستطيع اتهام الرئيس السادات بعدم تقديرها على حقيقتها.
– لماذا؟.. هذا السؤال يطرحه من يقيّم (خطأ لغوي والصحيح: يقوّم تقويما) حدثا من الأحداث فإن لم يجد جوابا شافيا مقنعا انطلق وراء التقديرات والترجيحات والتكهنات.. وقد التزمت في هذا البحث البعد عن ذلك وألتزم به الآن.
أمر واحد.. كرره السادات مرارا في جوابه بنفسه على هذا السؤال بغض النظر عن وجود مبررات أخرى من "الواقع" أو من "الإسلام!" أو "الظروف الراهنة"، ربما وجدت الجواب في الفصول السابقة.. أما الأمر الذي يكرره السادات ولم يتعرض إليه البحث فهو قوله:
"أريد تجنيب أبنائي بمصر أن يراق دمهم في حروب جديدة".
ولو أردنا الجواب بمنطق العاطفة الغالب على هذا التعليل لقلنا الكثير، فدم أخي ابن مصر، ودم أخي المسلم في كل مكان، أغلى عليّ من دمي..
ودمي.. أو دم من يُستشهد يوما بعد يوم دفاعا عن حقه الشرعي، أو يستشهد وهو في بيته نتيجة للعدوان.. هو أغلى بالتأكيد على أخي بمصر من دمه على نفسه..
. . .
عندما يوفر الرئيس السادات عليّ وأنا ابن مصر إراقة دمي، ويضمن لي الحياة العزيزة الكريمة، ويضمن لي السلامة من الأعداء، ويضمن لي عدم امتداد نفوذهم إلى داخل أرضي، يؤثرون على سلوكي وسلوك أسرتي، وعلى مصدر رزقي وطريقة تربيتي، ويخضعون لأنفسهم ما هو في الأصل ملكي من طاقات بلدي.. عندما يفعل الرئيس السادات هذا فإنني وراءه، ثم أسائله: وما يفعل الأعداء بأخي في فلسطين أو سورية أو الأردن أو لبنان أو سواها؟..
. . .
إنني أرفض الحفاظ على دمي بهذا الثمن الفادح وأنا لا آمن أن يراق في المستقبل، أو أن أموت على فراشي فيراق دم ابني من بعدي).
* * *
أما الفصل الختامي من الدراسة الثانية فقد حمل عنوان: "مرة أخرى.. لماذا؟" وجاء فيه:
(لماذا يتم القبول ب"سلام منفرد كامل أبدي"؟
لماذا يسلَّم بكل ما أراده العدو من تثبيت لسبل التوسع الاقتصادي والسياسي والفكري والثقافي داخل مصر وعبر مصر إلى سواها؟
لماذا يجري الفصل المخطّط له لمصر وشعبها المسلم عن العرب والمسلمين في كل مكان وربطها وربطه بالغرب وبالصهيونية بحبال غليظة؟
لماذا يقع هذا التخلّي المريع عن فلسطين، وقضية فلسطين المصيرية، وشعب فلسطين المستعمَر والمشرَّد؟
. . .
ذهب البعض إلى محاولة التحليلات النفسانية والقول بإصابة "السادات" بأمراض نفسانية كحب العظمة ولو بطريق معكوسة، وذهب البعض إلى القول بانتمائه للماسونية، أو قيامه بأعمال الماسونية فعلا وإن لم يحمل اسمها علنا..
ولا نمضي بالحديث وراء شيء من هذا ولا ننفيه، إنما يكفينا ما ذكرناه في موضع آخر من هذا البحث، أن الباحث الموضوعي لا يستطيع أن يصل بعد الدراسة الموضوعية المجرّدة إلا إلى القول: إن هذه المعاهدة نتيجة مفاوضات جرت بين ثلاثة أطراف صليبية وصهيونية لا يكاد يحسّ لوجود طرف "مصري" عربي مسلم بينها أي أثر).
نبيل شبيب