مفردات النكبة ومفردات التحرير
يبدأ العمل بالتوافق على المفاهيم
رؤية تحليلية – لا بدّ من حملات متعددة للتوعية بمفردات التحرير الأصيلة بدلا عن مفردات النكبة المضللة
رؤية تحليلية
ما يشهده مسار قضية فلسطين على أرض الواقع يفرض التفكير حول واجب كل من يتحدث عن القضية أن يعمل للتخلص من ردود أفعال عاطفية، والسعي للمبادرة إلى أعمال هادفة فعالة على المدى المتوسط والمدى البعيد. وتتطلب استعادة المبادرة مواجهة خطر ترك أثره على مسار القضية والتعامل معها، إذ ساهم في نشر تصوّرات فاسدة لتبرير إجراءات واتفاقات فاسدة أيضا؛ المقصود بالخطر هو تزوير مفردات القضية، تحت تأثير إفرازات النكبتين، الأولى والثانية؛ وإن نتائج ذلك في العقود الماضية يفرض التغيير بالعمل المتواصل لصناعة واقع جديد، وهذا ما يبدأ باستعادة سلامة المنطلقات الفكرية للتغيير، بدلا من ترك صناعة الواقع لسوانا واقتصار دورنا على التخبط داخل إطار التلاؤم مع ما يصنعون.
من فساد المفردات وتأثير ذلك على العمل كمثال ما نعطيه وصف قرارات الشرعية الدولية وما هو بذلك فالأصل في الشرعية الدولية هو وجود نصوص محكمة الصياغة، لأهم المثل والمبادئ والقواعد العامة للعلاقات البشرية، والالتزام بها هو ما يعني الالتزام بالشرعية الدولية ولكن لا يوجد في عالمنا من يصف قرارات جهاز تنفيذي كمجلس الأمن الدولي بأنه قرارات الشرعية الدولية سوى أقلام تكتب بالعربية وأقلام غربية مغرضة.
إن من يمارس السياسات الانهزامية في قضية فلسطين يخوض في مناورات لغوية تستهدف العقول والأفكار لتسويق التراجع المذهل والمؤلم في العمل لقضية فلسطين، والأخطر من ذلك أن تصبح تلك المناورات تيارا فكريا وثقافيا جارفا بل تربيويا وتعليميا خطيرا أيضا، وهؤلاء هم أصحاب الأقلام من المتخصصين في العلوم السياسية والقانون الدولي، وأقلام المفكرين من مختلف الاتجاهات، وأقلام الإعلاميين في وسائل تابعة للأنظمة وأخرى في حكم المستقلة.
إننا ننطلق من مفردات صنعتها النكبة، مثل تعبير الأرض المحتلة، فكيف يصحّ استخدامه ونحن بين فريق يقصد فلسطين بحدودها التاريخية، وآخر يقصد ما كان احتلاله في النكبة الثانية سنة ١٩٦٧م، وفريقٍ ثالث يقصد ما يمكن الحصول عليه من البقية الباقية من الأرض عن طريق مفاوضات مزعومة!
كذلك لا يصلح استخدام تعبير الحقوق المشروعة مع الانقسام بين فريق يقصد حق تقرير المصير دون تشويه ولا تزييف، شعب فلسطين في الشتات وفي الأرض المغتصبة، وفريق يقصد بالحقوق المشروعة مجرد قيام كيان هزيل مقيد السيادة والأجهزة والتسليح والقرار.
كذلك لا يمكن استخدام كلمة ثوابت فلسطينية، ما دام فريق يقصد ثوابت التحرير الكامل، والعودة الكاملة، والسيادة الكاملة، والوحدة الكاملة للأرض والشعب، مع المقاومة المشروعة لتحقيق ذلك كله، بينما يعني فريق آخر ثوابته السياسية هو، وهو يتنازل عنها أيضا فتتآكل وتهترئ، حتى لم يبق منها شيء يذكر.
ولا يفيد إطلاق وصف السلام العادل على سلام جائر، أو تسوية باطلة، أو تطبيع مستحيل التحقيق شعبيا، هذا ناهيك عن تزوير يبيح الخلط فكرا وسياسةً بين مقاومة وإرهاب، وسلاح شرعي وسلاح غير شرعي، ويسري شبيه ذلك على استخدام وصف الحكومة لتبرير وجود سلطة مقيدة، وعلى تحويل عنوان ميثاق منظمة التحرير إلى عنوان لبقايا ميثاق معدل ومشوّه ومختزل.
القائمة طويلة، وفيها التشبث بسياسة واقعية لا يمارسها سوانا بعد تشويهها مضمونا وتطبيقا، في التعامل مع عدوٍ ما قام أصلا إلا عبر عملية تغيير الواقع دون تغيير الأهداف الذاتية لتتلاءم مع سياسة واقعية مزعومة.
إن قائمة مفردات النكبة مع تزييف مضامين المصطلحات والمفاهيم قائمة طويلة، فلا بدّ من حملات متعددة للتوعية بمفردات التحرير بدلا عن مفردات النكبة، وفق ما تستدعيه العودة إلى مسار القضية على حقيقته دون تزييف، ومع رفض تداول ما يتناقض مع ذاك المسار.
وإننا لنربأ بالأقلام الإسلامية، والعروبية، والوطنية، اتجاهً وتصوّرا وسياسة، ونربأ بأقلام المتخصصين في العلوم السياسية والقانون الدولي، ونربأ بكافة المخلصين، أن يساهموا بأنفسهم في نشر ما يتناقض مع اتجاهاتهم وتصوّراتهم وسياساتهم وأهدافهم، ويتناقض مع أمانة المنهج العلمي في البحث ورسالة نصرة الحق التي تقع على عواتقهم، ويتناقض مع حياة الوجدان تجاه القضية المركزية والمحورية في حياة الأمة وواقع الأسرة البشرية.
وأستودعكم الله، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب