معالم جديدة رسمها طوفان الأقصى
حصيلة مبدئية
رأي – ما الذي تبدل فلسطينيا وعربيا وإسلاميا في واقع المقاومة وفي موازنات صراع الهيمنة
رأي
بدأت تتبدّى معالم أساسية من حصيلة طوفان الأقصى، ضمن رؤية أشمل لقضية فلسطين، ولمسارات التغيير إقليميا وعالميا.
١- نتوقف أولا عند قول من يقول: كان من الضروري أن يوضع ارتفاع عدد الضحايا وحجم التدمير في الحسبان مسبقا، لا سيما وأن هدف التحرير لم يتحقق!
هذا كلام يجسد جانبا من محاولات النيل من المقاومة؛ وينطوي على التنكر لصمود شعبي غير مسبوق عالميا في تاريخ قضايا التحرر من احتلال استيطاني، و بدلا من التنكر يفترض الوقوف إجلالا وتقديرا لذلك الصمود ولحجم التضحيات، ونحن نعلم من تجارب قرن من الزمان على الأقل، أن أحدا لم يكن يضع في حسبانه مسبقا ما سيكون عليه عدد الضحايا أو حجم التدمير، لا في حروب عدوانية ضارية، ولا في فترات قصيرة فيما بينها.
٢- أما هدف التحرير الكامل فلم يكن مطروحا أصلا ولا ممكنا عبر طوفان الأقصى، علما بأن التحرير يتضمن عودة الوطن لأهله وعودة أهله إليه. ولكن كان من حصيلة الحدث تجدّد طرح هدف التحرير، فعاد ذلك الهدف إلى مكانته الأصيلة في الصدارة من مسارات قضية فلسطين، وعادت القضية إلى مكانتها الأصيلة في قلب المنطقة العربية والإسلامية، ليس رسميا، ولكن جغرافيا وتاريخيا وانتماءً عقديا وحضاريا.
٣- وعبر طوفان الأقصى سقطت أسطورة القوة الجائرة التي لا تقهر، فكتبت المقاومة إنجازاتها، وهي محاصرة جغرافيا ومقيدة ومستهدفة، ومحدودة عددا وعتادا، فوجهت بإنجازاتها رسالة عميقة المغزى إلى كافة الكيانات الرسمية، العربية والإسلامية.
٤- لا نجهل أن المقاومة داخل فلسطين لم تتلقَّ دعما حقيقيا ومؤثرا من الأهل والجيران الأقربين بل تلقت الدعم فقط من جماعات تنتسب إلى ما يسمونه محور المقاومة الإيراني، فكان ذلك الغياب الرسمي، العربي والإسلامي، غيابا مرضيا مخزيا، وإن تميز الموقف التركي جزئيا، فقد بقي محدودا أيضا، ولكن كان فيه نبض حياة يميزه عن الموات المطبق في المنطقة.
٥- إنما يستدعي مسار طوفان الأقصى إعادة النظر في أطروحات ما يوصف بوحدة ساحات المقاومة، وقد اقتصرت على لبنان واليمن، وبقيت الساحة السورية خارج قوسين في كل ما يتعلق بالطوفان، كما ظهر لاحقا أن الإسناد أو الدعم للمقاومة كان محسوبا بدقة، ومحدودا نوعا وكمّا، فلم يغير من مسار حرب الإبادة نفسها.
٦- لقد كان ذلك المحور أضعف من أن يتحرك جماعيا، أو أنه لم يحدث ما يستدعي تحركه بموازين صراع الهيمنة الإقليمية، بين المشروع الإيراني، والمشروع الصهيوني، الذي كان وما يزال هو المفضل لدى القوى الأمريكية والغربية، بل هو الثكنة التابعة لها مباشرة في قلب المنطقة، أما المشروع الإيراني فقد يحظى بالتمكين أمريكيا وغربيا عندما يتولى منع ظهور قوة إقليمية جديدة، عربية أو إسلامية؛ كما كان في إخماد ثورات التحرر في أفغانستان والعراق ثم في التحرك المضاد للثورات الشعبية في سورية واليمن.
٧- أما عالميا فقد ساهم طوفان الأقصى إسهاما كبيرا في كشف مدى الزيف في جوانب عديدة؛ من أخطرها، مزاعم تقول إن ما يوصف بالمجتمع الدولي هو مصدر المشروعية لمسارات الأحداث ولوجود الدول؛ والمجتمع الدولي المزعوم هو بضع دول تتعامل بشرعة الغاب، فكيف تعطي المشروعية لأي طرف أو حدث؟ لقد كان ذلك من أكاذيب القرن الميلادي العشرين والتي ما تزال منتشرة حتى الآن، وفق إرادة القوى المهيمنة فحسب.
٨- الأهم من ذلك على مستوى قضية فلسطين ما تحقق على الطريق نحو التحرير، وتضمّن دحر ثنائية خبيثة كانت تربط وصف التعامل بواقعية مع العدوان باقتراف المعتدى عليه جريمة التسليم دون مقاومة، وهي ثنائية كانت تحاصر طرح هدف التحرير وتفسد أرضية الوعي الشعبي، مقابل تمرير أطروحات عبثية في سجال عبثي، مثلا بين إدانة التوسع الاستيطاني الأخطبوطي على الأرض المغتصبة والممارسات العدوانية الهمجية بحق الإنسان والأوطان والمقدسات، وبين تحجيم بقايا سلطة أوسلو الوظيفية، وكذلك مثلا آخر بين ممارسة حرب الإبادة وتوسيع دائرتها العدوانية لتشمل المعابر والحدود، وبين تمزيق بقايا أوراق كامب ديفيد بمزيد من التراجع ومن التسليم لما يفرض بالقوة، بعد أن كانت تلك المسيرة من البداية قائمة على ركام مفاوضات عقيمة واتفاقات سقيمة.
٩- لقد كشف طوفان الأقصى ما كشف، وحقق خطوات كبيرة في مسارات التغيير، ومن أهم دروسه أن كل جولة من الجولات بين الحق والباطل تتطلب الرؤية الثاقبة والتخطيط والإعداد والعمل الجاد والتضحيات، مقابل من يمارسون العدوان والطغيان ويمتهنون التخذيل والخذلان.
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب