مطالعة – ميشائيل لودرس: الله في كل مكان
ميشائيل لودرس: معضلة الغرب أن ساسته أوجدوا أعداءهم في العالم العربي والإسلامي، ثم يسندون النتائج إلى الإسلام
معلومات حول الكتاب:
عنوان الكتاب: "الله".. في كل مكان – الترجمة الحرفية: الظلّ المديد لـ "الله"
الكاتب: ميشائيل لودرس – Michael Lüders
دار نشر: هيردر، فرايبورج
الطبعة الأولى: ٢٠٠٧م
عدد الصفحات ٢٢٤
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
درس ميشائيل لودرس الإسلاميات والأدب العربي، واشتغل في النشر والإعلام، واشتهر لفترة طويلة بكتاباته في صحيفة "دي تسايت"، كبرى الصحف الأسبوعية الألمانية، ويعتبر في ألمانيا من الخبراء المرجعيين في شؤون الإسلام والبلدان العربية والإسلامية، وكان لكتابه "في قلب الأرض العربية"، الصادر عام ٢٠٠٤م
أصداء واسعة في حينه، فقد تزامن مع بدء انتشار الاستياء الشعبي من حرب احتلال العراق، إضافة إلى موجة الاهتمام المتصاعد بالإسلام والبلدان العربية والإسلامية والتساؤل عن حقيقة الإسلام، رغم الحملة الشديدة عليه في الغرب عموما.
ولودرس أقرب إلى الإنصاف في تحليلاته، ولا يتردّد عن طرحها بأسلوب الصدمة، كقوله (كل من يرى في كل فرد مسلم نواةً لإرهابي يهدد الديمقراطيات الغربية، يقع هو في التطرّف ويدعم المتطرفين).
دعوة للتفهم ونقد للتهجم
صدر كتاب لودرس الجديد أواخر ٢٠٠٧م بعنوان تقول ترجمته الحرفية الظل المديد لـ"الله"، واستخدام كلمة اسم الجلالة "الله" بلفظها العربي، وليس عبر اللفظ المقابل بالألمانية، يشير إلى أن النظرة إلى الإسلام أنّه معتقد أو تصور "آخر.. غريب"، أما العبارة بكاملها فمستمدة من مثل ألماني يرمز إلى "سعة الانتشار"، فلا يتعدّى المفهوم من العنوان أن يكون: "ازدياد انتشار الإسلام"، ليس بقصد التحذير، بل بقصد نقد ممارسات التخويف منه، وهو ما يظهر في العنوان الثاني على الغلاف "علام لا ينبغي لنا الخوفمن الإسلام).
الكتاب في حصيلته دعوة إلى التفاهم والتعايش، وقد جعله المؤلّف في قسمين رئيسيين، ضمّ أولهما ٩ فصول، جميعها للتعريف بالإسلام وحضارته، وبمشكلات البلدان الإسلامية بعد الحقبة الاستعمارية، وضمّ القسم الثاني ٥ فصول، ينتقد المؤلف فيها بشدّة تعامل العالم الغربي مع الإسلام والمسلمين، وسلوك طريق المواجهة والحروب، ليختم في فصل أخير بالحديث عن الإسلام في أوروبا.
ويحاول المؤلّف في مقدمة الكتاب أن يعلّل ظاهرة التخوّف -أو الخوف المرضي- من الإسلام، بأسباب ذاتية عند الفرد الغربي أو اختلاف المعطيات المؤثرة عليه عن تلك المؤثرة على الفرد المسلم، فبعد بيان ما وصلت إليه تلك الظاهرة من الانتشار، وهذا ما يعزوه إلى التأثير السلبي لِما يكتب بصيغة التخويف عن الإسلام وينشر على العامة من سكان الغرب، ولا يوجد فيما يُطرح كأسباب تستدعي "الخوف" شيء يمكن دعمه أو تفسيره بالوقائع والأرقام، إنّما هو الخوف القائم على ردود أفعال عند الغربيين تجاه ما يجدونه من مواصفات اجتماعية للفرد المسلم تختلف عما لديهم، ومن الأمثلة على ذلك حرص الفرد المسلم على الحياة الأسروية والجماعية، وهو ما يصبغ كثيرا من تصرفاته وسلوكياته، بينما سيطرت النزعة الفردية في الغرب، الذي ينتقد الكاتب عجزه عن إيجاد استقرار للفرد فيه تحت عنوان "الحرية الفردية"، حتى انتشرت ظاهرة "العزلة الفردية" وسيطرت على سلوكيات الأفراد.
ويؤكّد الكاتب في المقدمة خطأ التعميم فيما ينشر من اتهامات تجاه المسلمين، وهو ما أصبح كثيرون ينتقدونه، ولكن لا يوجد كثيرون مثله فيما أورده من حملة على الأطروحات الغربية على المسلمين تحت عنوان الحوار، فقد تحولت إلى صيغ تهجمية في الدرجة الاولى، وهذا ما (يخدم أغراض المتطرفين من الجانبين، فنحن لا نعايش صدام حضارات وثقافات، بل صداما بين أصوليين دينيين وأصوليين علمانيين).
ويظهر هدف الكتاب بقول مؤلفه في المقدمة إن استيعاب ما يورده من حجج لتأكيد عدم وجود سبب ما للتخوّف من الإسلام يتطلب تجنّب الخطأ المتمثّل في "وضع الإسلام.. والتوجه الإسلامي.. والإرهاب.. في سلة واحدة".
وواضح أنّ الكاتب المتخصص في الإسلاميات والناطق بالعربية والمطلع على الساحة الإعلامية من داخلها، يميل إلى اعتبار الجهل والتحيّز الإعلامي في مقدمة أسباب انتشار التخوّف المرضي (إسلاموفوبيا حسب التعبير الشائع) من الإسلام، وهو ما يفسّر تخصيص أكثر من نصف الكتاب لعرض مبسط وفق ما يعرفه هو عن الإسلام، من خلال دراسته، ومن خلال احتكاكه المباشر بالمسلمين، عبر إقامة في سورية أثناء دراسة اللغة العربية وفي عدة بلدان عربية أخرى في إطار مهنته الصحفية.
يأتي تعريفه هذا في القسم الأول بعنوان (الإسلام ونحن – نظرة تاريخية دون عصابة كراهية تحجب النظر) ولكن التعريف لا يقتصر على سرد نظري، بل يرتبط مباشرة بما يستحوذ على اهتمام القارئ أو يؤثّر فيه حاليا، فالعرض التاريخي عن نشأة الإسلام نفسه، ينطوي على تصحيح عدد من النظرات الخاطئة المنتشرة الآن، لا سيما عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الجهاد، وكلاهما من حديث الساعة كما هو معروف من قضية الإساءات لمقام النبوة، وما لا ينقطع من حملات تخلط بين الجهاد والإرهاب، كذلك فما يطرحه الكتاب عن كيفية نشوء الخلاف السياسي المذهبي ما بين سنة وشيعة، لا يبتعد عن اهتمامات القارئ عبر متابعته كيف أصبح هذا الخلاف في بؤرة الجهود المبذولة غربيا لربطه بأحداث الساعة أو ربطها به، سياسيا وإعلاميا في الوقت الحاضر.
وعكف الكاتب عقب ذلك على شروح موضوعية لعدد من المصطلحات المعروفة إسلاميا، وتبدو قيمة هذه الشروح من منظور اختياره للكلمات التي أسيء فهمها أو أسيء استخدامها في الغرب، بدءا بالقرآن الكريم والأركان الخمسة، مرورا بالجهاد والشريعة، وصولا إلى الحجاب والمرأة، مستشهدا فيما أورده بالنصوص الإسلامية، ومفندا لكثير مما انتشر من تصوّرات مغلوطة.
وينتقل ميشائيل لودرس إلى الحديث عن النهضة الحضارية الإسلامية ونشأتها، ثم ما يعنيه سقوط الأندلس بعد ازدهار طويل، وهو الحدث الفاصل زمنيا باتجاه تحوّل المركز الحضاري للبشرية باتجاه أوروبا، ولكن دون أن يجد المؤرّخون تفسيرا مقنعا لهذا الربط بين الحدث والنتيجة. ويبدأ الكاتب في هذا الموضوع بتعليل أجواء المواجهة الحالية بالرجوع إلى جذورها، فبذور استلام المقود الحضاري أوروبيا أوصلت بعد فترة وجيزة إلى بداية العهد الاستعماري، ولم يكن بعيدا عن روح الصدام حضاريا، والمثال على ذلك تعامل قوى الاحتلال الأوروبية مع مصر، وتقويض ما أشاده محمد علي باشا فيها بأسلوب واضح استهدف تدمير البنية الهيكلية لاستنئاف مسيرة حضارية إسلامية، وهذا لدى الكاتب نموذج ينطبق على ممارسات الدول الاستعمارية في عموم العالم الإسلامي، ويظهر الغرض من هذا العرض عند إشارته من بعد إلى أنّ نشأة "الأصولية الإسلامية" كانت من أواخر الصور المعبرة عن الأجوبة العربية والإسلامية على الفترة الاستعمارية. ويضيف إلى هذا التعليل أيضا ما أصبحت تعنيه عملية التجزئة في المنطقة العربية، ويربطها باسم "لورنس العرب"، كما يورد سببا إضافيا يتمثل في الممارسات الغربية ضد محاولات الوحدة العربية، معتبرا حرب السويس ١٩٥٦م من تلك المحاولات المبكرة أو الاستباقية.
وعبر العرض التاريخي ومناقشته يصل الكاتب إلى الربط بين ظاهرتين، هما الاستبداد بمختلف أشكاله، وهو مدعوم غربيا، والتوجهات "الأصولية" التي أفضت إلى الإرهاب تحت عنوان إسلامي، بعد أن سبق وشرح منظوره أنها ردّ على السياسات والممارسات الاستعمارية.
أخطاء متراكمة فوق بعضها بعضا
يُعتبر القسم الأول بفصوله التسعة محاولة من جانب الكاتب أن يضع أرضية مبدئية لشرح ما اختلطت التصورات الغربية حوله، فكأنه يريد التعويض عن النقص الذي يتوقعه لدى القارئ، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لاستيعاب ما يريد قوله في القسم الثاني من الكتاب، كما أشار في المقدمة، وقد أعطى القسم الثاني عنوانا مثيرا ومعبرا، ترجمته اللغوية (وافرحتاه بنصر.. لم يتحقق – أخطاء السياسة الغربية في ظلّ "الله").
وتعبّر عناوين الفصول الخمسة في هذا القسم عن المقصود به، وهي على التتالي:
"الحرب ضد الإرهاب، والفاشية الإسلامية، وأخطاء أخرى"
"أفغانستان.. كيف يخسر حلف شمال الأطلسي معركته مع طالبان"
"العراق.. منحدر دون توقف نحو الهاوية"
"هل يمكن التغلب على المواجهة؟"
"الشرق الأوسط، وإيران، والقاعدة.. الأزمات ومن يثيرها بإيجاز"
وكما يشير عنوان هذا القسم لا ينقطع الكاتب فيه عن انتقاد السياسات الغربية في السنوات القليلة الماضية في هذه الفصول الخمسة، ابتداء بالإعلان الأمريكي عن بداية تحوّل تاريخي يتغيّر فيه كل ما سيكون بعد تفجيرات نيويورك وواشنطون، فهنا يرصد الكاتب ظاهرة عدم وقوع تغيير حقيقي في الحياة الغربية يمكن ربطه موضوعيا بالإسلام، ولكن التغيير كان قسريا في المنطقة الإسلامية، وأبرز مظاهره ما نشرته حروب الأمريكيين فيها -من قبل التفجيرات- من عداء متصاعد للولايات المتحدة الأمريكية والغرب. كما أن الحرب ضد الإرهاب زادت من انتشاره، وما يقال عن تصوير خطر الإرهاب على الغرب بالذات، يتجاهل حقيقة خطره داخل البلدان الإسلامية وعليها، ومن وراء ذلك كله انتشار الصور العدائية أكثر من ذي قبل، بدءا بما عبر عنه عنوان صدام الحضارات انتهاء بمقولة "الفاشية الإسلامية"، وهو ما زاد من حدة المواجهة، ولم يعط أي تفسير حقيقي للواقع الإسلامي القائم.
في أفغانستان وجد إسقاط حكم طالبان القبول عموما، ولكن الدولة البديلة التي أقيمت على أنقاضه "أقيمت على رمال"، فأخفقت هناك الحرب ضد الإرهاب، مثلما بدأت تظهر أيضا معالم هزيمة غربية كاملة قد تعيد طالبان نفسها إلى السلطة.
على أنّ الخطأ الغربي -أو الأمريكي- الأكبر كان في حرب احتلال العراق، فعنوان الفصل المخصص لذلك -"منحدر دون توقف نحو الهاوية"- يعني المنحدر الذي سقطت فيه السياسة الأمريكية، مما بدأ بأكذوبة أسلحة الدمار الشامل، إلى أن بات عسيرا السؤال: (ما هي الأخطاء التي ارتكبها الأمريكيون، فالأصح هو السؤال: ما الخطأ الذي لم يرتكبوه في العراق بعد صدام؟. وهذا ما سيجعل موقع الرئيس بوش الابن في التاريخ موقع الرئيس الأمريكي الذي ألحق أكبر أضرار يمكن تصوّرها بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي بأكمله).
وفي سؤاله عن مخرج من المواجهة في الفصل التالي يستشهد الكاتب بأقوال فيلسوف الوجودية الفرنسي سارتر والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، لا سيما ما يقوله الأول لتفسير ما يسمى العداء للسامية، إذ يعتبره الكاتب متطابقا مع أسلوب التعامل مع الإسلام، وبالتالي صناعة العداء له. ويقول (إن المعضلة في الغرب أن ساسته هم الذين أوجدوا أعداءهم في العالم العربي والإسلامي، ولكنهم يسندون النتائج إلى الإسلام). ويستشهد الكتاب هنا بواقعة حوار في فضائية الجزيرة، تضمّنت انتقادا من جانب أحد المتحدثين للديمقراطية التي يروج لها الغرب وأنّها لا تتجاوز حدود نشر الاستبداد ودعمه في نهاية المطاف، وفي تلك اللحظة ظهر "خبر عاجل" على شاشة الفضائية عن اقتحام القوات الحبشية للصومال بمباركة أمريكية، وكأن الخبر جاء ليشهد على صحة ما يقول المتحدث.
من التاريخ إلى الحاضر الراهن
الحصيلة التي يصل الكاتب إليها هي استحالة التلاقي بين غرب يهيمن عالميا وعالم عربي وإسلامي ضحية لهذه الهيمنة.
وهي الحصيلة التي تظهر في مناقشته في آخر فصول هذا القسم، لثلاثة عناوين أصبحت مراجل أزمات فيما يطرحه الغربيون عن المنطقة الإسلامية، إيران، والشرق الأوسط (أي قضية فلسطين) والقاعدة. على أن المناقشة أعادت قلم الكاتب إلى أسلوب صحفي تميز به من قبل، فبقي حديثه في نطاق ظاهر الأحداث، دون أن يربطها بالعمق والتعليل التاريخي الذي ميز كتابه، فمع عدم جزمه بحقيقة ما تريده الزعامة الإيرانية في إطار ما يسمى "الملف النووي"، لا يحدّد بديلا عن طريقة التعامل الغربي الراهن معها، بما في ذلك خطر عدوان عسكري ينبني عليه مسلسل من ردود الأفعال يشبّهه بما كان عند نشوب الحرب العالمية الأولى. ويبقى في متابعة أحداث قضية فلسطين أيضا عند ظاهر الأحداث، إذ يربطها في الدرجة الأولى بالصعوبات المعيشية للفلسطينيين وتجنّب التعامل المباشر مع حماس، رغم قابلية أن تدخل في مشروع سلام، وفق ما يعتقد الكاتب. ولا يقدم جديدا عن "القاعدة" التي يظهر من حديثه عنها أنّه يستمد معلوماته من المواقع الشبكية المقربة إلى تنظيماتها، مع تكرار ما تقول به المصادر الغربية عموما بشأن تحوّل التنظيم إلى تنظيمات صغيرة منتشرة في كل مكان.
خاتمة الكتاب مخصصة لسؤال عن الإسلام الممكن استقراره في أوروبا، ويشمل محتواها الربط بين القسم الأول تعريفا بالإسلام وحضارته واعتبار ذلك هو السائد بين النسبة الأكبر للمسلمين في أوروبا، مقابل التركيز السياسي والإعلامي على ما يرتبط بالأحداث التي تحدّث عنه القسم الثاني من الكتاب، فهذا التركيز هو مصدر مخاوف لا يوجد مسوّغ منطقي أو واقعي لها. ويقارن الكاتب بين المناقشات الجارية في الأوساط الإسلامية وبين نشأة أحزاب الخضر قبل عقود في أوروبا، ليقول إن هذا الحوار سيوصل رغم الضجة المرافقة له حاليا، إلى تحديد هوية المسلم الأوروبي وستكون في الحصيلة إيجابية على صعيد مستقبل المجتمع الاوروبي واستقراره، ويتبنى الكاتب وجهة نظر تماثل ما سبق أن تحدث به كتاب ومحللون فرنسيون، ونقله بعض الكتاب الأمريكيين، بشأن نشأة إسلام أوروبي له من مواصفات الاعتدال، ما يمكن أن يصبح مصدرا للتأثير الإيجابي على البلدان الإسلامية وتطوّر الإسلام فيها، بدلا من الحالة الراهنة التي تجعل لأحداث تلك البلدان تأثيرا سلبيا على وجود الإسلام والمسلمين في أوروبا.
نبيل شبيب