متى يثور الائتلاف السوري على نفسه؟
الاشتغال بالاختلافات على حساب أداء المهام الجسيمة
رأي – الثورة ضد الاستبداد تستدعي تغيير موروث الاستبداد في مؤسسات نشأت باسم الثورة
رأي
بغض النظر عن الحصيلة وعن الأخطاء أيضا، لا تكاد تظهر معالم تغليب المصلحة على المنافع الذاتية وكذلك التصورات الذاتية، من جانب من وصلوا إلى منصب رئاسة الائتلاف ومن قبل رئاسة المجلس الوطني إلا في عهد أحمد معاذ الخطيب ورئاسته للائتلاف وعهد برهان غليون ثم عبد الباسط سيدا ورئاستهما للمجلس الوطني، فرغم أخطاء وقعت كانت لكل منهم بصمة إيجابية في عدد من الجوانب، وعندما ترك كل منهم المنصب كان يشكو بحق من معطيات العمل والعاملين في المؤسستين اللتين اعتبرتا أوسع استيعابا للتيارات والمكونات الشعبية أثناء الثورة الشعبية في سورية.
وكما هو الحال عند اقتراب موعد انتخابات جديدة لمناصب الرئاسة والإدارة ظهر ما وصلت إليه حدة الاختلافات وانكشف المزيد من الاتهامات العلنية، وكان ذلك بأساليب تثير الحيرة بين تأييدها لأن المقصودين يستحقونها، وبين رفضها لأن ما تسجله للتاريخ لا يليق بأي موقع من مواقع القيادة ناهيك عمن يعتبرون أنفسهم البديل أو صناع البديل لإدارة الشؤون السياسية وغير السياسية للبلد الذي شهد ثورة شعبية متميزة وفريدة بمساراتها على امتداد التاريخ.
الرئيس الأسبق لـ الائتلاف أحمد معاذ الخطيب، حفظه الله نشر تغريدة عبر موقع إكس / تويتر يقول فيها: (أنعي إلى جميع السوريين: وفاة الائتلاف الذي كان معارضا) ويضيف (لا جنازة للمتوفى فالمرتد عن وطنه تحرم الصلاة عليه).
وينسب موقع سورية.نت للرئيس الأسبق للمجلس الوطني عبد الباسط سيدا، حفظه الله قوله (يبدو أن أصحاب لعبة تبديل الطرابيش في الائتلاف قد سدوا آذانهم كي لا يسمعوا آراء وانتقادات السوريين المناهضين لفساد وإفساد واستبداد سلطة آل الأسد، ولم تعد مآسي السوريين خاصة الأهل في المخيمات تهمهم) ويضيف (لذلك نقترح عليهم أن يُمعن كل واحد منهم النظر في نفسه أمام المرآة، ويحكّم ضميره)
وينقل موقع العربي الجديد عن الباحث القدير أحمد قربي قوله إن (نظرة أغلب السوريين في الشارع المعارض سلبية جداً للائتلاف الوطني) ويضيف (هو نموذج سيّء للتمثيل والشرعية)… (الائتلاف لم يُوجد على مدى أكثر من عشر سنوات أي وسيلة أو قواعد للشرعية والمساءلة لذا من الطبيعي تراكم الأخطاء).
وكانت الانتقادات الأشد حدّة انتقادات الرئيس السابق للائتلاف نصر الحريري وهو يتحدث عن الأجواء قبيل الانتخابات فينقل ما ينسبه أعضاء في الائتلاف إلى رئيس حكومة الثورة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى أنه يقول: (بالصرماية ستتم الانتخابات يوم الثلاثاء ١٢ أيلول) و(بالصرماية سيتم انتخاب الأستاذ هادي البحرة رئيساً). وبعد إلغاء حضور من يمثل الإعلام لجلسة الانتخابات لا يدري غالب المتابعين كيف جرى انتخاب هادي البحرة وبقية أعضاء القيادة فعلا، وهو الذي يقول عنه نصر الحريري في رسالة وزعها على أعضاء الهيئة العامة، أي الناخبين أنه (مكلّف بمهام متشعبة فهو عضو في الهيئة السياسية التي يُفترض أنها مرجعية هيئة التفاوض، وعضو في هيئة التفاوض التي يفترض أنها مرجعية اللجنة الدستورية، وعضو في اللجنة الدستورية التي يفترض أنها مرجعية اللجنة الدستورية المصغرة، وعضو في اللجنة المصغرة التي يفترض أنها مرجعية رئاستها ورئيس اللجنة الدستورية، وممثل الائتلاف في صندوق الائتمان، ثم يأتي الآن ليكون رئيساً للائتلاف الذي يفترض أن يكون مرجعية كل ما سبق، ليكون سابقة في تاريخ المعارضة والعمل السياسي والمؤسسي).
والواقع أن ما يعرف عن الرئيس الجديد للائتلاف يجعله الشخص المطلوب لهذه المرحلة التي تدور فيها جولات التطبيع مع بقايا التسلط الأسدي الإجرامي، فهو يحبذ التفاوض ويمارسه من زوايا متعددة، وإذا صح أنه المرشح المفضل من جانب تركيا، فقد أصبحت هي أيضا قريبة من دعوات اللجوء إلى وسيلة التفاوض بدلا من الاستمرار على دعم درب الثورة التغييري وبالتالي دعم ممارسة المحاسبة والعقوبة لمن أجرم بحق سورية وشعبها مباشرة وتوجيها ووراثة منذ أكثر من نصف قرن.
هادي البحرة من مواليد ١٩٥٩م، ومهندس تخرج من جامعة ويتشيتا الأمريكية، وذو خبرة إدارية من خلال مناصب متعددة في السعودية، وفي سورية، وأصبح عضوا مستقلا في الائتلاف عام ٢٠١٣م، ثم عضوا في الهيئة السياسية وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية. ولكن كما كان أسلوب شغل المناصب في الائتلاف من قبل ، لم يكن الأمر الآن أيضا أمر كفاءة وتجربة، بل أمر تغليب ما يريده من لهم الغلبة في فرض ما يريدون بحكم تحالفاتهم داخل الائتلاف وسيطرتهم على مفاتيح اتخاذ القرارات ناهيك عن علاقاتهم وارتباطاتهم الخارجية. بينما تحتاج الثورة الشعبية التغييرية إلى أجهزة تثور على الأساليب التقليدية والبالية المنتشرة في بلادنا عموما وسورية تخصيصا، نتيجة الاستبداد على حساب الحقوق والحريات والكرامة والكفاءات، وقد مرّت عقود على ذلك ولكن وصلت سورية إلى ثورة شعبية واجهت قمعا إجراميا دمويا، ولا ينبغي انتظار عقود مع الائتلاف حتى يثور على نفسه بنفسه، إنما لن يكون من دون ذلك في وضع يليق بهذه الثورة وهذا الشعب وهذه المرحلة من التاريخ.
وأستودعكم الله وأستودعه مستقبل سورية وشعبها وثورتها ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب