ما بعد عباس
العمل للمرحلة المقبلة أهم من الاشتغال بنهايته
رأي – إذا كان لا بد من وجود سلطة قبل زوال الاغتصاب الاستيطاني، فلا بد من ربط السلطة بالمقاومة
انتهى محمود عباس واقعيا، وسيان هل مثل نهجا منحرفا من الأصل أم انقلابا داخل نفق أوسلو، فالحصيلة واحدة، وهى مدمرة على أرضية صراع فلسطيني-فلسطيني، بدلا من مواجهة موحدة للعدو المشترك.
انتهى عباس واقعيا رغم قوى تحاول الإبقاء عليه أو إيجاد بديل يتابع الطريق على شاكلته ولكن بإخراج جديد، وليس هذا ممكنا، فكل بديل محتمل احترقت أوراقه مع عباس، وارتبطت نهايته بنهايته. فلندع السؤال عنه وعن صعوبة شغل موقعه ولتُبذل الجهود لسلوك طريق مضمونة بمنظور فلسطيني أصيل، مع تطهير المرحلة التالية من استنساخ صيغ الانهيار والتراجع والتسليم والتجزئة وغيرها، مما بدأ من قبل أوسلو، سرا وعلنا، حتى جرفه طوفان الأقصى واقعيا.
المصالحة مطلوبة ولكن لا يفيد الحديث عنها دون ربطها بمظلة الوحدة الوطنية، ووحدة التراب الفلسطيني، مع انطلاقة جديدة للعمل الفلسطيني المرتبط بثوابت قضية فلسطين، بما فيها الأهداف الأصيلة البعيدة والوسائل الموصلة لتلك الأهداف. والمصالحة لا تُختزل في توحيد السلطة بين الضفة والقطاع؛ فتجزئة فلسطين هي الأهم وقد بدأت مع تجزئة المنطقة العربية إجمالا، ومع ظهور أول مستوطنة صهيونية على التراب الفلسطيني. والسلطة لم تنبثق عن وحدة التراب الفلسطيني، بل عن تجزئته عبر التخلي عما قبل سبعة وستين مع توهم إنقاذ جزء مما كان بعد سبعة وستين، ولذلك أصبح تشكيلُ السلطة وسقوطها، ووحدتها وتجزئتها، ونزاهتها وانحرافها، وقوتها وضعفها، جميع ذلك أصبح يصب في نفق أوسلو وانحرافه عما تقتضيه وحدة التراب الفلسطيني.
لهذا لا جدوى من جهد يبذل لإنهاء التجزئة على مستوى سلطات وإدارات، فجميعها من مستوى بلديات تحت الاحتلال، ولا ينبغي تصوير الحصيلة وكأنها تبدل شيئا من أصل وحدة فلسطين بترابها وشعبها وتاريخها ومستقبلها. ولا جدوى أيضا من جهود صناعة البدائل لمرحلة ما بعد عباس دون إلغاء نهجه؛ والثابت أن المقاومة للتحرير لم تُصنع عبر صناعة سلطة بل قبل ظهورها. وإنّ تنامي قوة المقاومة لم يكن بمفعول سلطة، بل رغم عوائقها، التي نشأت فور تشكيلها، ولا يستقيم وجود سلطة قبل زوال الاغتصاب الاستيطاني إلا عند ربط السلطة بالمقاومة، وليس العكس.
من هنا التأكيد أن لا بديل عن المقاومة، وأن معيار التشبث بالثوابت هو العنصر الحاسم في الاحتضان الشعبي، عربيا وإسلاميا، لأي فصيل ولأي جهة تعمل لقضية فلسطين، وبقدر ما يقوى ذلك أو يضعف، يزداد أو ينقص الاحتضان الشعبي ظهورا وتأثيرا في ساحة الأحداث.
وأستودعكم الله القوي العزيز ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب