مؤتمر وطني سوري؟
للضرورة أحكامها ضمن حدود حسّاسة
خواطر – بداية الطريق نحو مؤتمر أو ميثاق وطني شامل هي المرحلة الأهم والأصعب
خواطر
(انعقد في واشنطن يومي الجمعة والسبت التاسع والعاشر من أيلول / سبتمبر ٢٠٢٢م مؤتمر الميثاق الوطني السوري بحضور مجموعة من السوريين الأمريكيين للتوافق على ميثاق وطني لسوريا ديمقراطية حرة تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون)
بهذه العبارات بدأ البيان الصادر عن المؤتمر المذكور الحديث عن انعقاده ونتائجه وما يتطلع إليه، وهذا ما أ ثار نقاشا ملحوظا في أوساط سورية، وإن بقي بمجموعه دون مستوى أهمية الموضوع المطروح في الحدث نفسه.
لا تخوض الفقرات المعدودة التالية في التفاصيل، فهذا ما يمكن أن يميل بالحديث بعيدا عن الهدف الذي يُرجى أن يكون مشتركا بين الغالبية الكبرى للسوريين في الداخل والشتات، بعد ما شهدته البلاد من أحداث مأساوية وإن فتحت بوابة تغيير كبير. وقد ظهر من متابعة النقاش الدائر خارج أوساط المؤتمرين، أنه لا يحقق أثرا مباشرا بسبب التركيز على التفاصيل، ومن ذلك كمثال انتقاد أن بعض التواقيع على البيان كان بالأحرف الأولى من الأسماء بدلا من الأسماء الصريحة، وأنه يوجد آخرون بحكم الموقعين ولم تذكر أسماؤهم أصلا.
تتناول الفقرات التالية بعض الأفكار حول أصل الموضوع، بعيدا عن التفاصيل، ولكن تحاول إلقاء الضوء على خلفيات بعض ما أثير خلال النقاش، في نطاق حدود المتابعة الممكنة.
١- في المشهد السوري الحالي لا تخفى الحاجة إلى مبادرة متوازنة هادفة شاملة، بل لا تخفى ضرورتها، للخروج من حالة استمرارية العنف عبر أشكال متعددة من الاحتلال والعدوان والمعاناة من جهة، وكذلك الخروج من جهة أخرى من استمرارية حالة “مكانك راوح” السائدة منذ مطلع العام الحادي عشر لانطلاق الثورة الشعبية التغييرية في سورية.
٢- لا يكتسب أي تحرك وصف المبادرة الشاملة الجادّة، إلا بقدر السعي من أجل تمثيلها الحد الأقصى من الإرادة الشعبية، بحيث يظهر من بدايات التحرك الأول أنه سيكتسب مستقبلا وعن جدارة وصف مبادرة وطنية، أو مؤتمر وطني، أو ميثاق وطني، أو ما شابه ذلك.
٣- لا تسمح الظروف التي وصلت إليها “الحالة السورية” بأن تظهر مبادرة جماعية بمعنى الكلمة من البداية، إنما يتحرك فريق ناشط وإن كان له توجه خاص به، ويربتط نجاحه بوجود رؤية له، بعيدة المدى، تراعي الآخر، كي يصب التحرك الأول تدريجيا في صيغة مبادرة شاملة بمعايير تمثيل الإرادة الشعبية في الداخل والشتات، ومع مراعاة تفاوت الظروف والإمكاناتوتأثيرها.
٤- كل تحرك يستثني في طرحه الآني أو المستقبلي فئة من شعب سورية أو توجها من التوجهات الموجودة على أرض الواقع، لا يستوفي شروط العمل لمبادرة “وطنية”، فالاستثناء لأي طرف يعني افتقاد العمود الفقري للتعددية، في دولة يراد أن تتكون بحيث تشمل جميع الفئات وجميع التوجهات، فيما عدا من يقصي نفسه بنفسه عندما يعمل لإقصاء الآخر، أو يدعو لذلك.
٥- إن التحرك بعدد محدود وطرح مبدئي في البداية ضروري بحكم الواقع فحسب، ويقابل ذلك أن شعلة التحرك الأول نحو مبادرة شاملة يمكن أن تنطفئ، كما حدث مرارا، إذا تأخر اكتساب ما يعززه ليصبح شاملا، كمّا ونوعا، بصورة متتابعة ومتنامية.
٦- لا يصح التسرع ولا التباطؤ في طرح تطلعات كبرى نحو الهدف المشترك في الاتجاه الصحيح.
٧- التباطؤ ظاهر الخطورة على استمرارية المبادرة، ولكن الخطورة الأكبر تكمن فيما ينطوي عليه التسرع بأن يطرح عدد محدود من المجتمعين أو المتواصلين مع بعضهم بعضا من البداية، تطلعات يعتبرونها تمثل جميع السوريين أو هي مرشحة لذلك، بينما يقتصر مضمونها عليهم فحسب، ولا يخفف من خطورة ذلك أن يتحدثوا عن “دعوة” الآخرين للمشاركة المفتوحة في النقاش، لاحقا، فلا يجدي ذلك عندما يكون النقاش المعروض على “الآخر” مقيدا بتثبيت سياج ما حول جدول أعمال مسبق في قضية من مستوى ميثاق وطني جامع.
٨- من مسؤولية المجموعة الأولى التي تتحرك أن تمارس الانفتاح من البداية فتراعي هي مسبقا الرؤى الغائبة أو المغيّبة، وذلك بالامتناع عن وضع “نتائج” أولية تغلق الباب أمام الآخر الغائب في البداية، وبالتالي أمام إضافاته المحتملة تحت عنوان “وطني” شامل، وكذلك الامتناع عن وضع “نتائج” أولية من لون واحد ووصفها بالشاملة أو المقررة سلفا أو أنها من القضايا المفروغ منها، فجميع ذلك ينشر الانطباع بتصنيف مسبق للانتماء السوري، بمنظور فئة بعينها أو توجه بعينه، وليس هذا منطقيا في مبادرات تدعو إلى ميثاق وطني شامل أو مؤتمر وطني شامل.
والله من وراء القصد.
وإلى لقاء قادم أستودعكم الله، ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب