قلم واعد – بشائر اسماعيل: دمعة في مآقي العيد
أدركت الأم أن ابنتها مع صغر سنها قد تعلمت من الحياة الشيء الكثير.. مثلها مثل سائر الأطفال السوريين
فقر مدقع، حارات تئن وتتوجع.. حيرة آباء وأمهات.. بكاء أطفال من الجوع والحرمان.. يوم إثر يوم، تعاد القصة من جديد (إن عذاب ربك لشديد) هل قرأها الأغنياء؟! لابد أن نتفكر قبل أن يأتي يوم فيه نتحسر.. يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.. هي قصة من القصص، واقعية نعيشها في كل بيت.. في كل يوم.
أرادت الطفلة أسماء أن ترافق والدتها إلى السوق لشراء بعض الخضار، ففي كل يوم تذهب أم أسماء لتأتي بالخضار قبل أن يحل المساء.. فتوفر على نفسها غلاء الأسعار. وفي الطريق رأت الطفلة أسماء سيارة لم تر مثلها من قبل.. كادت تلك السيارة أن تدهسها هي وأمها.. أسرعت الأم فأخذت جانب الطريق متعجبة لما جرى.. نزل من السيارة رجل تبدو عليه آثار النعمة يلبس بيض الثياب.. وكأن سنوات الحرب لم تزره ولم تعرف له طريقا.. حدقت الطفلة في بياض ثيابه وبعفوية الأطفال الصادقة سألت والدتها: ألا يستخدم هذا الرجل الحطب في طهي طعامه يا أمي؟ ضحكت الأم من براءة الطفولة وهزت رأسها دون أن تجيب.. وما هي إلا لحظات حتى دخل الرجل عند اللحام واشترى ما شاء أن يشتري من اللحم الطازج. رأت الطفلة أسماء ذلك بأم عينها وشعرت بالجوع أكثر، فهي منذ العام الماضي لم تأكل اللحم، تذكرت أنها في عيد الأضحى في السنة الماضية أكلت مع والدتها لحما مشويا.. تساءلت الطفلة بعفوية صادقة وبصوت عالٍ حدثت نفسها: هل سنأكل اللحم في هذا العيد يا أمي؟ لا بد أن يتذكرنا الأغنياء في عيد الأضحى بقطعة من اللحم.. في هذا العيد سنأكل اللحم هذا أكيد.. لأن الله قد فرض عليهم ذلك.. وبعدها سنعد الأيام وننتظر! إلى أن يأتي رمضان.. فالناس تحب فعل الخير في الأشهر الفضيلة.. وتتقرب إلى الله.. يا إلهي كم سننتظر يا أمي.. ستمر سنة كاملة بلياليها وشهورها.. كم سنتحمل من آلام.. ليمر هذا العام.. أليس من الأفضل لنا أن نطلب الشهادة.. فإذا استجاب الله لنا وهو مجيب دعاء المضطرين سندخل الجنة بأمان.. ونأكل من ثمارها ومن عسلها المصفى نشرب.. دون تعب أو نصب. لا بد أن نأكل اللحم يا أمي.. أما قال الله في كتابه العزيز (ولحم طير مما يشتهون) لن نتعب في تأمين الحطب.. ولن نقف على الدور عند المندوبين.. لن نحتاج لكتابة اسمنا على البطاقة الزرقاء أو البيضاء أو طلب الرحمة والرأفة من الناس العاديين فالله أكرم الأكرمين.. هو الرحمن الرحيم. سنكون في أمان عنده في الجنان.
هذه الكلمات كانت كخنجر اخترق قلب الأم المسكينة.. لكنها الحقيقة المرة.. عندئذ أدركت الأم أن ابنتها مع صغر سنها قد تعلمت من الحياة الشيء الكثير.. مثلها مثل سائر الأطفال السوريين.. فهل سينسى الأطفال مر السنين.. وتلك الآلام هي جروح دامية في القلوب لن تلتئم مهما دار الزمان.. لكم الله يا أطفال سوريا.. فالله لن يضيع شعبا اختاره من بين الأنام.
. . .
التوقيع: صرخة إنسان
بشائر اسماعيل