قافية – دموع متمرّدة
دموع القاعدين – دموع الملاحم – دموع الموتى – دموع التوبة – مددت يدا
مهما بلغت شدّة الانكسار العسكري في حياة أمّة من الأمم، أو ظهر في حقبة الانكسار قوم أصغر من الصغار يتشبثّون بأقدام أعداء بلادهم وشعوبهم وهم يدوسونهم دوسا، طلبا للبقاء، وليس في ذاك البقاء ما يجدر وصفه بالحياة، أو لمجرّد استمرار هياكل "سلطة" ما، إن كان ذاك يسمّى سلطة.. مهما بلغت شدّة الانكسار العسكري والسياسي، فالأخطر منه هو الانهيار النفساني في حياة الأمّة، وتحوّل قياداتها الحقيقية من مفكّرين ومثقفين وأدباء إلى جزء باهت من السلطة المنكسرة، أو قطعة من القطع الأثرية في متحف التاريخ، لا تنفكّ تسترجع ما ردّده الأسلاف الأقربون وأدّى إلى الانهيار، أو الأسلاف الأبعدون دون سلوك طريق المجد الذي صنعوه من العدم. إنّنا نحتاج إلى نُخَب حقيقية، من صفوة القادة فكرا وثقافة وأدبا وعلما ووعيا ودعوة وقدرة على التخطيط والتنظيم والتحرّك، تتلاقى.. وتتقدّم الصفوف في كل مكان، وتظهر كفاءاتها في كلّ ميدان، وتتمكّن من إثبات وجودها وقيادتها عبر إنجازاتها المتتابعة لا كلامها المكرور، وعبر تجاوب الطاقات الشعبية المتفجّرة معها، لا عبر ادّعاء تمثيلها والحديث باسمها.
دموع القاعدين
يا غـارِقيــنَ بِدَمْعِـنـا مُتَجَـدِّدا
أَيُغـيـثُ دَمْـعٌ مَوْطِنـاً وَمُشَـرَّدا
هَلْ كانَ يَمْنَـعُ مِنْ صِـناعَةِ نَكْبَـةٍ
أَمْ أَسْـقَطَ الطُّغْيانَ أَمْ صَـدَّ العِـدا
فَلَكَـمْ ذَرَفْنـا دَمْعَـنا حَتَّـى غَـدا
صِـدْقُ العَزيمـةِ بِالدُّموعِ مُقَـيَّـدا
وَمِنَ المَدامِـعِ ما يُـراقُ بِحِـرْقَـةٍ
أوْ مـا يُـراقُ تَبـاكِيـاً.. مُتَبَـدِّدا
أَنْعِـمْ بِـهِ فيـما يُهَـدِّئُ رَوْعَـةً
وَاحْذَرْ بُكاءً فـي النَّوائِـبِ مُقْعِـدا
قَدْ يَقْتُـلُ الإِقْـدامَ في سـاحِ الوَغى
وَالعَـزْمَ في طَلَـبِ العُلا.. مُتَعَمِّـدا
وَمِـنَ البُكـاءِ هِـوايَةٌ أَوْ حِرْفَـةٌ
نَبْكي.. وَنَغْتالُ الهُـدى وَالمُرْشِـدا
مِثْلَ السُّكارى فـي غَياهِـبِ نَوْبَـةٍ
حَتَّى غَـدَوْنـا عاجِـزاً أَوْ مُقْعَـدا
إِذْ نَنْشُـرُ الذُّلَّ الوَضيـعَ جِنـايَـةً
وَنُنَصِّبُ التَّيْئييـسَ بـاباً مُوْصَـدا
ذُلٌّ يُـزَيِّـنُ لِلنُّفـوسِ نُكوصَـهـا
يَوْمَ الجِـهـادِ تَخَـوُّفـاً وَتَـرَدُّدا
فَبَـدا الخُنوعُ فَضيلَـةً في عَيْنِ مَنْ
جَعَـلَ الجِـهـادَ تَهَـوُّراً وَتَشَـدُّدا
وَرَأى الشَّـهادَةَ نِقْمَـةً لا نِعْـمَـةً
وَيَظُـنُّ نَفْسَـهُ في الحَيـاةِ مُخَلَّـدا
عَبْـدُ الهَوى إِنْ ماتَ ماتَ وَلَمْ يَفُـزْ
أَوْ عاشَ دَهْـراً عاشَ عَيْشـاً أَنْكَدا
دموع الملاحـم
ماذا دَهـانـا يا بَنـي قَوْمي وَقَـدْ
كُـنَّـا الأَشـاوِسَ ثَـوْرَةً وَتَمَـرُّدا
نَـدَعُ المُجاهِـدَ كَيْ يُضَـحِّيَ وَحْدَهُ
أَوَلَيْـسَ صِـدْقُ مَديحِـهِ أَنْ يُقْتَدى؟
أَتَفـيـدُ شَـكْوى مِنْ نَذالَةِ مُجْـرِمٍ
أَوْ قَوْلُ "مَرْحى" لِلشَّـهيـدِ مُمَـدَّدا؟
يَفْديـكَ مِنَّـا الشِّـعْرُ في نَدَواتِنـا
وَعَلى مَهاجِعِنا الفِـداءُ اسْـتُشْـهِدا
عُقْـمُ الرُّجولَةِ ما شَـكَوْنا بَعْـدَما
كُنَّـا نُقيـمُ مَحـاضِنـاً كَيْ تولَدا
كَمْ مِـنْ فَتـاةٍ وَحَّـدَتْ أَحْزانَنـا
حينـاً.. وَعُدْنـا لا نُطيـقُ تَوَحُّدا
إِذْ فَجَّـرَتْ روحُ الشـهيدَةِ دَمْعَنـا
فَانْهَـلَّ يَـرثي مِثْلَمـا قَـدْ عُوِّدا
وَإِذا مَضَـتْ أَخَواتُهـا في دَرْبِـهـا
عُـدْنـا وَعـادَ رِثـاؤنا فَتَـرَدَّدا
أَمْسَتْ مَلاحِمُنـا النّـواحُ مِدادُهـا
وَدَمُ الحَرائِـرِ طاهِراً مُسْـتَشْـهِدا
وَيَعـافُ ما أَبْقى الرُّجولَـةَ بَـعْـدَهُ
بَيْـنَ الخُـدورِ تَخَنُّـثـاً وَتَبَـلُّـدا
مَنْ كانَ صَوْتُهُ بِالصُّـراخِ مُجَلْجِـلاً
مُتَكَـبِّـراً بِعَـرينِـهِ مُسْـتَأْسِـدا
أَمْسـى يُحاذِرُ رَفْـعَ هـامٍ خِلْسَـةً
وَالجُبْـنُ يَمْنَعُ أَنْ يَهُـبَّ لِيُـنْـجِدا
إِنْ جاءَ بِالتَّأْييـدِ جـاءَكَ هامِســاً
وَبِتُهْمَـةِ الإِرْهابِ صاحَ مُـنَـدِّدا
الحُـرُّ في الأَغْـلالِ يَأبـى قَـيْـدَهُ
وَالعَبْـدُ إِنْ تُعْتِقْـهُ يَطْلُـبْ سَـيِّدا
دموع الموتـى
مـاذا دَهانـا يا بَنـي قَوْمـي وَقَـدْ
صِـرْنا مَواتـاً دونَ ظِـلٍّ أَوْ صَدى
وَإِذا صَحَوْنـا فَالنَّحيـبُ نَبيـذُنـا
وَإِذا رَقَـدْنا نَسْـتَطيبُ المَـرْقَـدا
وَإِذا كَتَبْـنـا فَالكِتـابَـةُ صَـنْعَـةٌ
نُحْصـي المَنـايا شـاهِدينَ وَرُصَّدا
وَإِذا دَعَـوْنـا فَالدّعـاءُ تَـهَـرُّبٌ
مِـنْ أنْ نَعودَ إِلى الجِهادِ ونَصْمُـدا
نَدْعـو.. وَلا نُعْطي الإِجابَـةَ حَقَّهـا
وَنَـرى صَلاحَ الدينِ يُبْعَثُ مُنْجِـدا
ماذا نَقـولُ إِذِ اسْـتَكـانَـتْ أُمَّـةٌ
يَأْبـى لَهـا الطُّغْيـانُ أَنُ تَتَوحَّـدا؟
أَنَقـولُ لِلأجْـيـالِ بَعْـدَ رَحيـلِنـا
هذي أَمـانَتُنـا أَضَـعْناها سُـدى؟
أَنَقـولُ لِلأبْـنـاءِ قَبْـلَ رَحيـلِـنـا
بِئْسَ الذي لَمْ يَتَّعِـظْ وَبِنـا اقْتَـدى؟
أَنَقـولُ إَنَّـا كَالقَطـيـعِ بِمَـذْبَـحٍ
نَثْـغو ونَشْـكو لِلخَناجِـرِ والمِدى؟
كُنَّـا عَلـى وَجْهِ البَسـيطَةِ أَنْجُمـاً
كُنَّـا الكَرامَـةَ وَالشَّـهامَةَ وَالنَّـدى
كُنَّـا العَدالَـةَ فَالحُقـوقُ مُصانَـةٌ
شَــنَآنُ قَـوْمٍ لا يُشَـوِّهُ مَقْصَـدا
كُنّـا يُسـابِقُ ذِكْرُنـا التَّاريـخَ إِنْ
نَعْـزِفْ لَـهُ خَبَـراً تَغَنَّـى مُنْشِـدا
كُنَّـا الجَحافِلَ نَسْحَقُ الطَّاغوتَ فـي
شَـرْقٍ وَغَـرْبٍ إِنْ تَـهَوَّرَ فَاعْتَـدى
صِرْنا نَرى نَهْشَ الذِّئـابِ لأَرْضِـنـا
فَنُقيـمُ صَـرْحـاً لِلذِّئـابِ مُنَضَّـدا
وَإِذا أَتـى شَـيْطانُهُـمْ مُسْـتَكْبِـرا
نَبْنـي لَهُ فَـوْقْ الجَماجِـمِ مَعْـبَـدا
بِئْسَ العَبـيـدُ إِذا تَـوَلَّـى أَمْرَهُـمْ
عَبْـدٌ يَسـوقُ قَطيعَهُـمْ مُسْـتَعْبِدا
دموع التوبـة
مـاذا دَهانـا يا بَني قَوْمـي.. لَقَـدْ
نَـزَلَ البَـلاءُ بِـدارِنـا.. لِيُهَـوِّدا
أَنَرى احْتِـراقَ حَضارَةٍ بِعِـراقِـنـا
لا نَرْعَوي.. مُسْتَسْـلِمـاً وَمُهَـدَّدا
أَوَ نُسْـمِعُ الأَحْـرارَ لَحْـنَ تَحَـرُّرٍ
وَنَـذِلُّ فـي كَنَفِ الطّغـاةِ تَـوَدُّدا؟
أَنَصوغُ في شَـرَف الأُبـاةِ قَصـائِداً
ومَغـامِدُ الأَسْيافِ قَدْ شَـكَتِ الصَّدا؟
أَمْ تَشْـحَذُ الخُطَبُ البَليغَـةُ عَزْمَنـا
وَالعَـزْمُ في قَـلْبِ الخَطيبِ تَبَـدَّدا؟
أَوَيَسْـتَغيثُ المَسْـجِدُ الأَقْصى بِنـا
فَنُجيبُ بِالحُـزْنِ العَميـقِ المَسْـجِدا؟
سَئِمَتْ مِنَ الصَّخَبِ المَنابِرُ كُلُّـهـا
وَرَوى الخُنـوعُ مِـدادَنا.. فَتَجَمَّـدا
مَنْ يَطْلُبِ العَيْشَ المَهيـنَ فَدونَـهُ
ذُلٌّ تَجَـلَّى فـي الجِبـاهِ وَعَرْبَـدا
فَكَأنَّنـا رِمَـمٌ وَيَلْفِظُـنـا الثَّـرى
أَوْ أَنَّـنا نُصُـبٌ إِذا نـادى الفِـدا
فَنَعيشُ هـذا في الغِـوايَـةِ سـادِرٌ
وَأخـوهُ يَقْضـي عُمْـرَهُ مُتَعَـبِّـدا
رَبّـاهُ هَلْ تُنْجـي المُخَلَّفَ سَـجْدَةٌ
إِذْ يُقْتَـلُ الأَهْـلونَ حَـوْلَهُ سُـجَّدا
أَمْ يَنْفَـعُ الدّاعيـنَ حُسْـنُ دُعائِهِـمْ
ما لَـمْ نُجِبْ فـي أَرْضِـنا المُسْتَنْجِدا
أَمْ يَصْـنَعُ النَّصْـرَ الكَبيـرَ مُكابِـرٌ
مَـنْ صارَ هَمُّهُ أَنْ يُضِـلَّ وَيُفْسِـدا
لا لَـنْ نُـجَـدِّدَ مَجْدَنـا بِحَماسَـةٍ
وَالدَّمْعُ لا يُجْدي إِذا هُجِـرَ الهُـدى
فَاهْجُرْ دُموعَكَ لَنْ تُزيلَ بِهـا أَسـىً
وَبِغَيْـرِ بَأْسِـكَ لَنْ تُحَقِّـقَ سُـؤْدَدا
وَإِذا أَرَدْتَ نَجـاةَ أُمّتِـكَ اسْـتَقِـمْ
وَاجْعَلْ عَطاءَكَ وَالشَّـهادَةَ مَقْصـدا
تَقْوى الإِلـهِ مَعَ الجِهادِ سَـبيلُـنـا
وَالعِلـمُ وَالعَمَـلُ الدَّؤوبُ مُسَـدَّدا
وَالعَبْـدُ إِنْ وَفَّـى بِنُصْـرَةِ دينِـهِ
فَالنَّصْـرُ بـاتَ مُقَـدَّراً وَمُؤَكَّــدا
دموع الأمل
إِنِّـي أُنـاشِـدُ عِــزَّةً مَـوؤودَةً
ما كـانَ فـي نَكَباتـِنـا أَنْ تُـوْأَدا
مَنْ يَرْتَـضِ اليَـوْمَ المَذَلَّـةَ خانِعـاً
لَنْ يَسْـتَرِدَّ المَسْـجِدَ الأَقْصى غَـدا
آنَ الأَوانُ لِـكَـيْ نُحَـرِّرَ أَنْفُسـاً
مِنْ كُلِّ حِـقْـدٍ في النُّفوسِ تَجَـلَّدا
فَلْنَجْعَـلِ الأَحْـزانَ في أَحْداقِـنـا
ثَـأْراً عَلـى غـازٍ أَتـى مُتَوَعِّـدا
وَلْنَنْـزِعِ الأَحْجارَ مِـنْ أَكْبـادِنـا
وَالقَلْـبُ صَـخْرٌ إِنْ قَسـا وَتَبَلَّـدا
وَلْنُطْفِـئِ النِّيـرانَ فيما بَيْـنَـنـا
لِنُحيـلَها وَدَمَ الكَـرامَةِ مَـوْقِــدا
وَنَـرُدَّهـا بَأْسـاً يُدَمِّـرُ بَأْسَـهُـمْ
وَسَـيُهْزَمونَ إِذا صَـدَقْنـا المَوْعِـدا
هـذا نِــداءٌ لِلتَّـوَحُّـدِ صـادِقٌ
إِنِّـي مَـدَدْتُ إِلى أَياديكُـمْ يَــدا
نبيل شبيب