ع ع الارتفاع إلى مستوى العالم والعصر

ص ١١٩+ - من بقايا الأيام - الجزء الأول

عصام العطار – مقالة من كتاب من بقايا الأيام

61

يضم الكتاب عددا من المقالات والكلمات من بين ما خطه قلم الأستاذ عصام العطار رحمه الله على امتداد عدة عقود، فبعضها مرتبط بالأوضاع التي سادت حين كتابتها، ولم تكن الصحوة الإسلامية قد انتشرت كما هي عليه اليوم، ولا ظهرت المقاومة بصمودها وإنجازاتها كما ظهرت في هذه الأثناء، ومع ذلك يسري على ما تدعو إليه هذا المقالات المعدودة، ما يسري على المقالات الأخرى، أن مضمونها ما زال حيا موجها إلى المسلمين المخلصين في كل مكان، وأن الاستجابة إليه حق الاستجابة، من شأنها أن تساهم إسهاما كبيرا في مسارعة الخطى نحو إيجاد الشروط الموضوعية والوسائل الضرورية لتحقيق الأهداف الجليلة، وهو ما ندعو إليه جمهرة القراء لا سيما من لا يزال في سن الشباب والعطاء.

نبيل شبيب

 

يقول الأستاذ عصام العطار رحمه الله:

إنّنا نؤكّد باستمرار وإلحاح يعجب لهما كثير من النّاس ضرورةَ ارتفاعِ المسلمينَ إلى مستوى عالمهم وعصرهم؛ أي إلى مستوى فهمِ عالَمِهم وعصرهم، والتأثيرِ في عالمهم وعصرهم، وامتلاكِ كلِّ ما يمكن أن يضعه العصرُ في أيديهم من المعارف والوسائل لتطوير أنفسهم وإمكاناتهم على كلّ صعيد، وأداء رسالتهم على أفضل وجه ممكن

ولا يمكننا -نحن المسلمين- أن نفهم عالمنا وعصرنا في واقعه الرّوحيّ والنّفسيّ والخلقيّ والاجتماعيّ والسّياسيّ والعسكريّ، وفي واقعه العلميّ والتّكنولوجيّ، وفي مختلف جوانبه وظواهره إلاّ من خلال عددٍ كبير من العناصر المؤمنة المخلصة الواعية التي يصلُ كلٌّ منها في مجاله إلى أعلى درجات المعرفة والاختصاص، والتي تتكامل معارفُها واختصاصاتُها وجهودها في خدمة الإسلام

وإذا لم نفهم عالَمَنا وعصرنا -فهماً حقيقيّاً لا وهميّاً، علميّاً لا عامّيّاً، شاملاً لا جُزئيّاً- كنّا متخلّفينَ ضائعينَ منقطعينَ عن ركب العالم والعصر، عاجزينَ عن مجرّدِ الحياة -كما هو شأننا الآن-، فضلاً عن التّحرك البصير، والتّصرّفِ السّديدِ، وخدمة الإسلام والمسلمين والإنسان في الحاضر والمستقبل القريب والبعيد

والعصرُ الذي نعيش فيه يُمكن أن يضع في أيدينا -كما يضعُ في أيدي سوانا- من المعارف والوسائل ما يُمَكِّننا من إحداث تغيير عميق في واقعنا، ويزوّدُنا بقدرات مذهلة في تحقيق أهدافنا

ويكفي أن أذكر هنا على سبيل المثال استخدامَ الحاسباتِ الإلكترونيّة في ميدان المعرفة والإعلام، والثّورةَ الإداريّة في التنظيم والتّسْيير، هذه الثّورة الكبيرة الخطيرة التي عاشتها وما تزال تعيشها الدّولُ المتقدّمة، والتي كان لها نتائجُها الضّخمة في مختلف الميادين، والتي نفتقر إليها أشدَّ افتقارٍ في بلادنا وفي حركاتنا وفي سائر أعمالنا

إنّنا ما نزال مع الأسف نفكّر بعقليّة القرون الماضية، ونستخدم في معظم أعمالنا من المعارف والأساليب ما تَجاوزه الزّمنُ بألوف المراحل. إنّنا في تخلّفِنا وجهلِنا وكسلنا كمن يستخدم “الدّابّةَ” في تحرّكاته ومواصلاته وإنجازاته في عصر “الجامبو جيت” و”الكونكورد” وسفن الفضاء؛ عصرِ الثّورةِ الإداريّة والتكنولوجيّة في مختلف المجالات؛ عصرِ الحاسبات الإلكترونيّة وأشعّة الليزر وغير ذلك ممّا سخّره الله تعالى للإنسان.. ومن هنا بعض أسبابِ انحطاطِنا عن عالمنا وعصرنا، وعجزِنا وهزائمنا وضياعنا.. ومن هنا هتافُنا المستمرُّ بالمسلمين: أن يَرتفعوا إلى مستوى عالمهم وعصرهم، كما نهتفُ على الدّوام بهم: أن يرتفعوا إلى مستوى إسلامهم ومهمّتهم   

وارتفاعُ المسلمين إلى مستوى العالم والعصر؛ بل إلى مستوى القدرةِ على اكتشاف احتمالاتِ المستقبل أيضاً، والتّأثيرِ فيه بشكل علميّ منهجيّ فعّال، ليس أمراً تحسينيّاً كماليّاً، ولكنّه أمرٌ ضروريّ كلَّ الضّرورة؛ أمرٌ يرتبط به الآن أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى مصيرُ المسلمينَ ومصيرُ الإنسان.

عصام العطار