صيغة جديدة للعمل الحركي الإسلامي

رؤية من أجل صياغة مشروع عملي

محاضرة – لا ضمان لتطوير العمل دون آليات منهجية مضمونة لتحقيق الإدارة الحرفية والشفافية والمراقبة والمحاسبة

78
نبيل شبيب

ــــــــــ

(للتحميل: عرض توضيحي (pptx) وكان إعداده ليكون ورقة عمل في إطار إعداد محاضرة تلقى في مؤتمر عقده تنظيم إسلامي وحضره كاتب هذه السطور كضيف يوم ١٣ / ٢ / ٢٠١٦م في إسطنبول. وكان الهدف من المؤتمر مراجعة العمل الحركي الإسلامي، وهو ما تطرحه هذه المحاضرة التي منعت ظروف معينة من إلقائها في حينه، ويأتي الآن نشر الفقرات التالية في مداد القلم والتي اعتمدت صياغتها على مضمون ورقة العمل)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والسلام عليكم ورحمة الله.

مقدمات
أما بعد فأشكر لكم ثقتكم على هذه الدعوة الكريمة للمشاركة في مؤتمركم، لا سيما وأن المطلوب فيه هو في صميم ما أوجه له اهتماما كبيرا منذ أعوام عديدة، يشهد على ذلك مقال نشرته يوم ٢٦ / ٤ / ٢٠٠٤م، بعنوان “حاجة العمل الإسلامي إلى صيغة جديدة”، وكان محوره الرئيسي أن جميع المعطيات الظرفية، والمتطلبات المستقبلية، والوسائل المعاصرة قد تبدلت تبدلا جذريا، وجميع ما حولنا يتلاءم مع المتغيرات ولهذا على الأقل أصبحت الحاجة لصيغة جديدة للعمل حاجة ماسة.
وتابعت الموضوع نفسه في مقال آخر بتاريخ ٢٣ / ٦ / ٢٠٠٩م، بعنوان “ضرورة التطوير الجذري للعمل الإسلامي”، ومحوره أن التطوير يجب أن يكون شاملا وعميقا، وأن التخلف عنه يعني وقوع العمل الإسلامي الحركي في جمود خطير، يصبح معه “شيئا ما” من زمن آخر غير الزمن الذي يتحرك فيه، وسيواجه بذلك الإخفاق المتكرر في ميادين عديدة، فلا يبلغ أهدافه.
ويوم ٢٩/ ١١/ ٢٠١٥م كانت متابعة الموضوع بمحاضرة في هولندا بعنوان “مستقبل ما يسمى حركات الإسلام السياسي بعد الربيع العربي”، ومحورها التأكيد أن الثورات الشعبية بوابة لحدث تغييري تاريخي، يشمل في وقت واحد الرفض المباشر والقوي لممارسات الاستبداد وقهر الإنسان، كما يشمل أيضا الرفض المباشر والحاسم لرؤى ووسائل وأدوات لم تفلح عبر عدة عقود مضت في وضع حد لتلك الممارسات، والحصيلة أن استمرار وجود العمل الحركي الإسلامي رهن بالقدرة على طرح رؤى جديدة وإبداع وسائل وأدوات ضرورية لإنهاء الاستبداد وقهر الإنسان.

من عواقب تجميد مسار التطوير

١- لقد تطورت وتشعبت ميادين احتياجات الكوادر من شبيبة الصحوة الإسلامية، ذكورا وإناثا، والتي يفترض أن يعول عليها العمل الحركي، فتفجرت تلك الاحتياجات في ثورات تغييرية بعد أن تجاوزت بوضوح واقع محدودية قدرات التشكيلات التقليدية للتنظيمات الإسلامية.
٢- بحكم تطور وسائل التواصل والنشر ظهرت صيغ جديدة تفرض نفسها على جهود الدعوة والعمل الحركي، ووجدت تمسكا تنظيميا بآليات تقليدية سابقة، عاجزة عن استيعاب الجديد، وتباينت المواقف الحركية إزاء المستجدات فتأرجحت ما بين دعم شكلي وإنكار علني.
٣- المستجدات والمتغيرات تولد أفكارا اجتهادية، ويؤدي عدم انتظامها والتحرك معها إلى تشرذم خلافي، وهذا ما حلّ مكان الاختلاف الطبيعي الذي يستدعي التكامل والتعاون مما يقي تلقائيا من التشرذم.
٤- غياب التطوير المتجدد المتلائم مع سرعة تطور المتغيرات والمستجدات يؤدي بالضرورة إلى التخلف عن توظيف الإمكانات الذاتية لتحقيق أهداف مرحلية، وتعريضها للضياع عبر مركزية التصرف بها بمنظور تقليدي وآليات تقليدية.
٥- التمسك المفروض بالأهداف الكبيرة المطروحة على أرض الواقع يؤدي في غياب تطوير العمل إلى ضياع قيمة الجدية في طرحها، أو بتعبير آخر إلى اعتقالها وراء أسوار وسائل لم تعد مجدية وأساليب للعمل متوارثة من حقب زمنية سابقة.
٦- الأحداث في الواقع العالمي المعاصر والتطورات المؤثرة في حياة البشرية تفرض على أجهزة العمل الحركي تلقائيا اتخاذ مواقف تجاهها، ولكن وقوف عجلة التطوير الذاتي وعدم تزامن مسارها مع مسار الأحداث والتطورات العامة حولها، يصنع انفصاما خطير النتائج ما بين ما يتطلبه الطرح الإسلامي من المواقف على مختلف الأصعدة وبين مواقع صناعة القرار الإسلامي حركيا.
٧- افتراق الجديد عن القديم رؤية وتخطيطا وتطويرا وعملا له مفعول محاولة التواري وراء التركيز على الدفاع عن مواقع المواجهة ولكن في ميادين لم تعد جوهرية لتحقيق التغيير، مقابل تضخم الغفلة عن مواطن تستهدف الجذور والأسس للقضايا المصيرية، ومثال ذلك ما نشهد غيابه في ميادين أساسية – أصبحت وكأنها جانبية ثانوية – كميدان العناية بسلامة اللغة العربية استخداما ومتابعة تلاؤمها مع المستجدات بحثا وطرحا عمليا.
٨- شبيه ذلك ما يقع من انشغال بمهام جزئية لا تتطلب قرارات كبرى، مقابل مهام جسيمة تطرحها عجلة التطورات ولا تجد التفاعل لأنها تتطلب أولا التطور الذاتي والقرار المدروس والمراجعة المتجددة.
٩- الحصيلة العامة هي ما نرصده من قصور واقع العمل الحركي عن ركب المتغيرات على المستويات القطرية والإقليمية والدولية.

صيغة جديدة مقترحة للعمل الإسلامي
لا يمكن طرح صيغة جديدة للعمل في ثنايا محاضرة ولا حتى سلسلة محاضرات وحوارات في مؤتمر واحد، ولئن وضعت صيغة ما فستبقى تنظيرية تفتقر إلى آليات التقويم والتطوير والتنفيذ، فالمقصود من ذكر صيغة جديدة في هذا العنوان الجانبي هو التنويه ببعض معالم مشروع نحتاج إليه لتطوير العمل الحركي، وتطرح هنا كاجتهاد فردي يعتمد على رصيد المعايشة المباشرة للعمل الحركي الإسلامي لعدة عقود والمشاركة في بعض جوانبه أو الميادين التكميلية له.
المعالم المقصودة هي أربعة عشر معلما، منها خمسة معالم لمنطلقات وضع مشروع لصيغة جديدة للعمل الحركي، وثلاثة كمرتكزات أو أعمدة حاملة لها، وستة لعملية التطوير نفسها.

أولا: في المنطلق نحتاج إلى تثبيت معالم أساسية لصياغة المقصود بكل عنوان من العناوين الخمسة التالية: الهدف، الطريق، المعيار، التطوير، التخصص والتكامل.
١- الهدف: إلى جانب الغاية العقدية الكبرى، يرتبط مغزى العمل الإسلامي بهدف دنيوي، هو النهوض الحضاري الإنساني الإسلامي.
٢- الطريق: إن الانتساب لعمل إسلامي هو الممارسة العملية وليس الجانب الشكلي التنظيمي، أي التزام مرجعية القيم والمقاصد التزام الفهم والتطبيق.
٣- المعيار: سلامة وسيلة العمل التنظيمي مرتبطة بثوابت كبرى من المقاصد كالكرامة الإنسانية، ومن المبادئ مثل لا إكراه في الدين، وهذا مما ينبغي تحديده وتحديد آليات الانضباط به.
٤- التطوير: العمل الحركي وسيلة، ونجاح الوسيلة رهن بتطويرها المتجدد لتكون دوما على مستوى متطلبات الواقع والعصر والاحتياجات المشروعة، ونوعية التطوير التي تتقرر ينبغي أن تكون مستمدة من أن التطوير وما يعنيه من مراجعات وتعديلات وآليات وتخطيط وخطوات تنفيذية، أصبح علما منهجيا له محدداته وموازينه وأساليبه وأدواته.
٥- التخصص والتكامل: تتشعب المجالات الحياتية تشعبا متزايدا باستمرار، وتتطور الوسائل المعاصرة تطورا سريعا وواسع النطاق، ويفرض هذا وذاك الأخذ بآليات التخصص والتكامل والتشبيك بديلا عن التنظيم الجامع والقيادات المركزية.

ثانيا: في جوهر التطوير وما يرتكز عليه، نحتاج إلى تثبيت معالم أساسية لصياغة المقصود بكل عنوان من العناوين الثلاثة التالية: الهوية والمسارات والأدوات.
١- الهوية: هوية العمل الحركي الإسلامي هي هوية الارتباط بمرجعية فهم النصوص من جانب من يكتسبون هذه المكانة عبر إنجازاتهم الذاتية، وليس بمرجعية الولاء لتنظيم بعينه لا سيما التنظيم الجامع الشامل في عصر لا يمكن أن تحيط مرجعية تنظيمية علما وفهما وقدرة على القرار والتصرف، بشأن كل ما يتطلبه العمل في مختلف الميادين ذات العلاقة بجوهر أهداف العمل الحركي الإسلامي.
٢- المسارات: مسارات العمل الإسلامي الكبرى والفرعية مسارات يسترشد القائمون عليها لتنظيمها وتطويرها بمن لهم مكانة مرجعية من حيث فهم النصوص الشرعية، ومن لهم علم ودراية مباشرة من حيث التعامل مع المستجدات المعاصرة تخصصيا، وهذا بدلا من الصيغة التقليدية التي تجمع بين الأمرين في قيادات فردية أو جماعية مركزية.
٣- الأدوات: إن العمل الحركي الإسلامي وسيلة لهدف، وإن هذه الوسيلة تعتمد على أدوات مناسبة لنوعية الأعمال الفرعية المطلوبة، وتتبدل بتبدلها أو تطورها أو تغير ظروفها، والأدوات هي مثلا التنظيمات في فروع تخصصية مثل النقابية والأدبية والسياسية والتجارية والمهنية وهكذا، فتتكامل مع بعضها ولا يجمعها تنظيم مشترك واحد وإن تشكلت هيئات ولجان ما كأدوات للتواصل والتلاقح والتنسيق.

ثالثا: في البنية الهيكلية لعملية التطوير نفسها نحتاج إلى تثبيت معالم أساسية، كالمعالم الستة التالية، مع الاكتفاء هنا بطرح العناوين كأمثلة لما يمكن طرحه والتلاقي عليه حسب الضرورة والحاجة لكل جانب من جوانب التطوير:
١- التلاقي على دعم ظهور مرجعيات جامعة فوق التنظيمات التقليدية، ظهورا طبيعيا تصنعه الكفاءات الذاتية والقبول الجماهيري.
٢- اعتماد تشكيل شبكات عمل حديثة مرنة قابلة للتطور باستمرار.
٣- استخدام أدوات عمل تنظيمية فرعية مستقلة كالمهنية والنقابية حسب الحاجة التخصصية لذلك.
٤- اعتماد مبدأ الوحدة الحركية المعرفية التي تتكون تلقائيا ولا تتناقض مع تعايش الاجتهادات الفرعية.
٥- اعتبار النجاح والتوسع في العمل هو انتشاره الأفقي نوعيا وبشريا وليس تناميه شاقوليا وفق ما يعرف بالتنظيم الهرمي.
٦- الحرص على الشروط الموضوعية للفعالية والإنجاز واستبعاد ثقافة البيانات العامة، ومن الشروط الموضوعية للإنجاز:
– العطاء الفردي واجب وارتقاء ذاتي.. والقيادة كفاءة ومسؤولية.
– التميز الذاتي في التصورات بقدر الضرورة المفروضة.. والتشارك مع الآخر بقدر المصلحة المطلوبة.
– ضمان تطوير العمل عبر آليات منهجية مضمونة لتحقيق الإدارة الحرفية والشفافية والمراقبة والمحاسبة.

والله ولي التوفيق

نبيل شبيب