صراع إسرائيلي – إيراني؟
الهيمنة الإقليمية هي جوهر الصراع
خواطر – التحرر في السياسات الخارجية والإقليمية لا يتحقق دون الخروج من قوقعة ردود الأفعال على سياسات الآخرين
تجدد الحديث عن موجة جديدة من تصعيد الحرب الكلامية بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، وتجدد الأسلوب الإعلامي المتبع بالتساؤل عن مدى جدية التصعيد ومدى خطورته وعن الدور الأمريكي وعن مصير التقلبات السياسية العربية بين الطرفين، لا سيما في منطقة الخليج، وغاب سياسيا وإعلاميا ما كان يدور الحديث عنه من قبل بشأن تصعيد حملات التهويد والتدمير والتقتيل الإسرائيلية والتي تستهدف فلسطين ومقدساتها وأهلها، وعن تصعيد المشاحنات الإسرائيلية الداخلية، وعن النزعة العدوانية المتزايدة عبر تصرفات التطرف اليميني بعد تفويض انتخابي، كذلك غاب سياسيا وإعلاميا ما كان يدور من تبريرات وتفسيرات بشأن استكمال حملات التطبيع مع الكيان الأسدي في سورية، بإعادته إلى خيمة الحظيرة الاستبدادية العربية، بل إن ما يُصنع صنعا من الكوارث في السودان، يكاد يغيب سياسيا وإعلاميا، لولا صخب القصف المتواصل داخل الخرطوم وأخواتها من المدن والبلدات السودانية.
كأنما تحقق بذلك هدف رئيسي من أهداف موجة جديدة من تصعيد العداء الكلامي، الإسرائيلي الإيراني، ولا يعني ذلك تجاهل أهداف أخرى مثل الحرص المتبادل على تقدير حقيقة موازين القدرات العسكرية، النووية وغير النووية، كذلك لا يعني تجاهل حجم كثير من العناصر المشتركة وتداخلها بين السياسات العدوانية، الإسرائيلية والإيرانية، ومن ذلك ربط سياسات الأنظمة القائمة بمحور تلك المواجهات الثنائية.
إن الخطأ الأكبر في هذه السياسات العربية والإسلامية، هو الغفلة عن جوهر المواجهات بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، وأنه ليس صراعا ثنائيا شاملا، بقدر ما هو صراع هيمنة إقليمية للسيطرة، بالصدامات أو التوافقات المتقلبة، على المنطقة العربية والإسلامية المنشغلة بنزاعاتها، المشتعلة في قلب باكستان وحتى القلب من الشمال العربي الإفريقي.
الجدير بالذكر هنا أن الدعم الأمريكي للطرف الإسرائيلي، لا يتقلب بمفعول تقلبات سياسية، بل هو دعم ناجم عن التلاقي الاندماجي بين الطرفين، إنما تبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تعمل لاستمرار التوازن المتكافئ في المواجهات الإسرائيلية الإيرانية، ليس دفاعا عن المنطقة العربية والإسلامية، بل خشية من اهتراء مفعول الهيمنة الإقليمية المزدوجة عليها، وربما أدركت ذلك في هذه الأثناء أنظمة عربية خليجية أو أدرك ذلك بعضها على الأقل، إنما لم تتبدل الخطوط العريضة للسياسات المتبعة، بل بقيت النزاعات البينية وبقي التعاون الاستبدادي بدلا من تحرير الإرادة الشعبية، عنوانا لسياسات المرحلة الراهنة كما كان من قبل، مع التشبث بمخلفات المعادلة الدولية للهيمنة والتبعية.
إن التحرر في السياسات الخارجية والإقليمية، العربية والإسلامية، لا يتحقق دون الخروج من قوقعة ردود الأفعال على سياسات الآخرين، والتحرك بمبادرات إيجابية فاعلة، لتحرير حركة النهوض المشترك، بكل متطلباته وميادينه، مثل التوجه نحو مشاريع البناء والتطوير، وتعزيز القدرات الذاتية، الإنتاجية والتجارية، وتنمية العلاقات البينية، والبنية التحتية المشتركة، فضلا عن إنهاء النزاعات بين الأنظمة وما تسببه من عداءات متوارثة، بقواتها العسكرية وغيرها، وما تسببه من هدر للطاقات والإمكانات الذاتية.
وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب