شبكة – الثورة في آفاق افتراضية

لا يُعتمد الكلام في العالم الافتراضي مصدرا لتكوين تصور واقعي حول مسار الثورة ومستقبل التغيير

70
خداع بصري

ــــــــــ

منذ السنوات الأولى للثورة الشعبية في سورية أصبح الكلام الأوسع انتشارا حول مسارها هو الشكوى من أنها أصبحت في عنق الزجاجة، وتخنقها فرقة الثوار، أو أن انتصارها بات بعيد المنال، فقد تخلى العالم عنا، أو أن الانحرافات فيها باتت أكبر من الانتصارات، وهكذا.. وتوجد بطبيعة الحال أنفاس متفائلة أيضا، ولكن تكاد تُخنق بأيدي من يحيطها بسحب التشاؤم والإحباط والتثبيط، ويحول دون رؤية أفق التغيير على المدى المتوسط والبعيد.
صحيح أن مسار الثورة لا يتحول باتجاه الانتصار دون مواجهة حقيقية، ولكن نحتاج إلى تقدير الأوضاع موضوعيا، فما سبق ذكره يدور في عالم افتراضي وليس في ساحات المواجهة، ولا يرتكز إلى الاطلاع عليها فعلا.. فمن وراءه؟
لا يجدي تشاؤم دون سبب مقنع ولا التفاؤل دون عمل جاد، وجل “الحراك” الثوري الافتراضي هو من قبيل “قيل عن قال” مهما ملأ ضجيجه الآفاق الافتراضية، أو اتخذ صياغة معرفة صاحب الحاسوب بخبايا الأمور. ومع التأكيد أنه “لا دخان بلا نار” وليست الأوضاع وردية، وتوجد اعتبارات عديدة لعدم اعتماد الكلام في العالم الافتراضي مصدرا لتكوين “تصور واقعي” حول مسار الثورة ومستقبل التغيير، لا سلبا ولا إيجابا.

من هذه الاعتبارات:
في العالم الافتراضي يوجد من المندسين من المخابرات أكثر مما يعرفه أو يتصوره معظمنا..
في العالم الافتراضي يوجد من لا يرتبط بالثورة إلا عبر الكلام منذ اندلعت إلى اليوم..
في العالم الافتراضي يوجد كثير من فصيل “كنا عايشين” قبل ثورة الحرية والكرامة..
في العالم الافتراضي يوجد من يتوهم أن النصر مرتبط بإرادة القوى الدولية والإقليمية فقط..
في العالم الافتراضي يوجد من يرى السلبيات وهي كثيرة ولا يرى الإيجابيات وهي كثيرة..
وفيه أيضا من أصبح الحمل ثقيلا عليه، وهذا مفهوم بشريا ولكن لا يصلح لصياغة منطق التغيير.

بالمقابل:
لا يمكن أن نتكلم عن مسار الثورة، وكأنه مفروش بالرياحين، فلا نرى الدماء ولا نحسّ بالمعاناة، ولا أن نتحدث عن أفق النصر وكأنه قريب قاب قوسين أو أدنى، فلا نرى المكائد الخارجية والقصور الذاتي، بل نحتاج دوما إلى نظرة واقعية، قد يكون من أهم عناصرها:
ربط التوقعات حول طول المعركة أو قصرها بصناعة أسباب النصر أو إهمالها، ولا يزال ينقصنا الكثير منها، وأبرز الأمثلة المعروفة ما يرتبط بفرقة الصفوف الثورية وضعف التنسيق بينها، ونوعية ‎التمثيل السياسي للثورة دون مستوى أهدافها واحتياجاتها، وكذلك كمثال أخير غلبة المنطق “التجاري” على طاقات التمويل السورية المباشرة ناهيك عن سواها.

ليس مسار الثورة خطا مستقيما واضحا لا تتبدل مراحله ولا تتغير، بل نحتاج إلى رؤيته المتجددة باستمرار، المستشرفة للمستقبل عبر استيعاب الواقع بسلبياته وإيجابياته معا، المقترنة بالعمل الجاد للحد من السلبيات وتنمية الإيجابيات.
من يساهم في ذلك يساهم في تقصير طريق التضحيات والمعاناة، ومن ينتقل مع كل عثرة إلى القول بانسداد الأفق أمام انتصار الثورة، فهو يزيد من التضحيات والمعاناة، وهو أيضا دون مستوى الرؤية المستقبلية، ومهما نشر من الإحباط والتثبيط، لن يغير شيئا من أن الثورة ماضية حتى النصر، طال الطريق أو قصر، وتخاذلت عن المتابعة فيه بعض الأقدام أم لم تتخاذل.
لقد انطلقت الثورة عندما كان اليأس غالبا، والإمكانات معدومة، والآفاق المستقبلية غائبة عن رؤانا، ولعل من أهم شروط النصر التي توافرت مع مرور سنوات ثقيلة الوطأة، أن ما كان من غربلة وتصفية حتى الآن، يدعم اليقين المرتبط بمرحلة {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} ومرحلة {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.

نبيل شبيب