سورية ولعبة اللجنة الدستورية

هدف التغيير الثوري هو المعيار الوطني لسلامة أي خطوة عملية

رأي – الشعب سيد نفسه وقراره وصناعة مستقبله وسيد دستوره وصياغة دستوره

115
تسجيل حوار إذاعي في راديو الكل حول الموضوع نفسه

رأي

وصل مشروع اللجنة الدستورية السورية إلى لحظة فاصلة وأصبح طرحه ضروريا بعد أن تطاولت الفترة الزمنية لأكثر من سنتين، وذلك لمجرد استكمال خطوة أولى من ألف خطوة أو ألف ميل على طريق صياغة نص دستوري مستقبلي، وبقي ما بقي من نواقص وانحرافات في تلك الخطوة الأولى، ويكفي هذا لتأكيد بقاء المشروع مجرد مسار شاذ يرافق مسارات الدماء والآلام لحراك شعبي سوري بدأ عام ٢٠١١م وما يزال يواجه مرة بعد أخرى محاولات الحسم ما بين وأد الحراك إلى أن تندلع ثورة قادمة، أو إعادة النبض الثوري إليه ومتابعة طريق التغيير بمختلف الوسائل.

ليست إشكالية اللجنة الدستورية السورية كامنة في شيطنة تفاصيل المشروع أو تزويقها، فالكشف عن حقيقتها يسير لأن طريق صياغة الدساتير معروفة تاريخيا، في حال الثورات وحال الحروب الأهلية وحال الاحتلال والاستقلال وحتى في حال الانقلابات العسكرية، وجميع ما يصنع على صعيد صياغة دستور، أي دستور، بسورية (وأخواتها) يسلك طريقا شاذا لا مثيل له من قبل.

لا يفيد الخوض في التفاصيل وإغفال جوهر الإشكالية، وهو تغييب المرجعية الشعبية المشروعة والترويج لمرجعية شرعة الغاب، الموصوفة بتوازن القوى المهيمنة.

إن أي صياغة دستورية، بدءا بما يسمى مبادئ فوق دستورية انتهاء بشروط استفتاء شعبي شامل وحر ونزيه ومضمون ثم الالتزام بتطبيق النتيجة، هذه الصياغة لا تفضي إلى مشروعية الدستور إلا بقدر ما تمثل عملية الصياغة إرادة الشعب، وما يجسده ذلك وينبثق عنه.

الشعب سيد نفسه وقراره وصناعة مستقبله وسيد دستوره وصياغة دستوره.

لا يمكن القبول بتبديل هذا المعيار بتحركات سورية أو إقليمية أو دولية، ولهذا يبقى مشروع لجنة دستورية أو صياغة دستورية بحد ذاته (ودون تشكيك بمخلصين يتبنونه) مشروعا فاقد المغزى والقيمة والجدوى، ولا يمثل تعاملا مشروعا مع سورية الثورة وما وصلت إليه عبر التضحيات الشعبية.

توجد على صحة هذا المنطلق شواهد كثيرة، معروفة للدارسين والمتابعين، المتخصصين في التفاصيل وحتى للعوام انطلاقا من فطرة تستوعب ما هي الحرية والكرامة عند كل إنسان، وهي شواهد تاريخية ومعاصرة. وإن عدم الأخذ بها في الحالة السورية لا يعني سقوط مبدأ الإرادة الشعبية كشرط لمشروعية ما يصنع باسمها، أما النتيجة على أرض الواقع فخطيرة من حيث أنها تؤدي إلى مجرد تأجيل تحقيق هدف الثورة الشعبية لفترة من الزمن، قد تكون حافلة أيضا بالدماء والآلام، لأن كل عمل يشغل عن التلاقي على الخروج من عنق الزجاجة، عمل يساهم في البقاء حيث وصلت مسارات التفرقة إليه حتى الآن.

المعضلة الدستورية لا تُحل بربط مشروع اللجنة ظاهريا بالقرار الأممي ٢٢٥٤ دون مراعاة ما يصنع بما يوصف بالسلال الثلاثة الأخرى في القرار، أي مسألة هيئة حكم انتقالي ومسألة المعتقلين ومسألة الانتخابات، هذا ناهيك عن تجاهل قضايا كبرى أخرى بحجم جرائم التعذيب والتشريد والتقتيل والتدمير كما لو أنها سقطت بالتقادم.

وأستودعكم الله ولكم أطيب السلام من نبيل شبيب